ليلة العيد تطل «بنمنمات» الفتيات وأقراص الزلابية واللوزية المغناج

وسط أصوات المنادين لبسطات الحلويات في الأسواق الشعبية

TT

أربع تكبيرات تعلن دخول عيد الفطر «الله اكبر.. الله أكبر.. الله أكبر.. الله أكبر»، تترافق معها أنوار تضيء الشوارع وتحيله إلى نهار من نهاراتها، مع الضجيج الذي تختلط فيه معايدات الباعة الجوالين بصوت عال، والمنادين حول بسطات الحلويات في الأسواق الشعبية، تطل فرحة ليلة العيد التي تسكن شقوق الذاكرة للعم صديق مكي والخالة أم زهير مع ما يصاحبها من نزول الناس لشراء مستلزمات العيد وحاجياته، بدءاً من كسوة العيد مرورا بتجهيز المنزل.

وتشهد الشوارع والأسواق التجارية ليلة العيد ازدحاما شديدا، يتزأمن مع خروج الصبيان والفتيات للتسوق ولسان حالهم يردد «يا ليلة العيد آنستينا، وجددت الأمل فينا يا ليلة العيد» وليس الخروج في ليلة العيد مقتصرا على هؤلاء، فهناك السيدات اللواتي يخرجن لشراء بعض المستلزمات المنزلية، من باب إضفاء شيء من الجمال تتنازعه الرغبة في الإحساس بحلول العيد واستعادة الذكريات القديمة، حينما كانت الاستعدادات تسبق ليلة العيد بثلاث أو أربع ليال، ولأن المسافة بين تنظيف السجاد والأغطية، وتزيين المنازل بالأزهار وزينة العيد مسافة زمن، تقطعها رائحة البخور والمستكة التي كانت تعطر أجواء العيد في الحارات والأزقة القديمة، التي لم يكن يخلو منها بيت كما أوضحت الخالة أم زهير «الإحساس بالعيد كان أقوى منه الآن لأن كل شيء كان له وقت مما كان يجعل من انتظاره متعة».

ومتعة الانتظار التي كانت ترسمها ابتسامة صباح العيد على وجوه الصغار يجسدها حرص البنات على تحضير المنمات الخاصة بهن، فمن أحذية العيد التي توضع بمحاذاة الباب بعد تلميعها، إلى تحضير فساتين العيد المزركشة و المطرزة بأبهى الحلل، مع القبعات الكبيرة التي يعتمرنها لحمايتهن من شمس الظهيرة أثناء معايدة الأقارب والجيران، دون نسيان الحقائب الصغيرة التي ستمتلئ بالعيدية والحلويات، في الوقت الذي تزدحم فيه محلات الخياطين لخياطة ثوب العيد للفتيان كما أشار لذلك العم صديق مكي «لم تكن هناك زحمة على الخياطين كما نرى الآن، لأن كثيرا من الأهالي كانت تجهز ملابس العيد من شهر رجب خوفا من الإزدحام» ولأن العيد حينها لم يكن يتجاوز الحي، كانت فرحة الصغار بكسوة العيد لا تعادلها فرحة لأنه بحسب الخالة أم زهير «كنا نشتري مرة واحدة في السنة، ليس كما هو الحال الآن».

وما بين فرحة الصغار بليلة العيد واستعداد ربات البيوت لاستقبال المهنئين، تتقاطع التحضيرات بين فرش المنزل بالأثاث الجديد، وتحضير الحلوى المحلية من اللدو واللبنية، إلى تنسيق طبق تقديم الحلوى المكون من ثلاثة صحون فضية، يحتوي كل واحد منها على نوع من الحلوى المعتقة في ذاكرة العم صديق بطعم الليمونية، وجمال اللوزية المغناج بألوانها الزاهية ليتوج الطبق الفضي جلال المكسرات من الفستق والبندق والكاجو، وليكتسي بقطعة من القماش المطرزة حواشيها بخيوط ذهبية في كل مرة يتم فيها تقديمه للضيوف. «لا عيد بدون مشهد» بهذه الكلمات استعاد العم صديق ذكرياته عن ليلة العيد، فكل تحضيرات العيد لا يحاكيها شيء من فرحة حضور صلاة المشهد، التي يستعد لها الناس بالنوم ليلة العيد ملء جفونهم استعدادا لها، لتزفهم التكبيرات من مكبرات المسجد الحرام الذي تمتلئ ساحاته الداخلية والخارجية بالمصلين، وهم في طريقهم لصلاة المشهد، لتحيل فرحة العيد إلى نمط حياة استثنائي، في الوقت الذي يتزامن طريق العودة من المشهد مع شراء الألعاب للصغار من الدكاكين المجاورة للحرم، تطل "أقراص الزلابية" المحمولة على الأكف بحسب تعبير العم صديق لبيت كبير العائلة لتناول فطور العيد ومن بعدها العودة لبيوتهم لاستقبال المهنئين بالعيد.