«صديقة» صبية تدير «الشرخ» بيمناها وتدهش الزوار

صناعة الفخار تستهوي فتيات الأحساء

TT

تعد صناعة الفخار من أبرز الصناعات التقليدية اليدوية التي اشتهرت بها واحة الاحساء ولا تزال تحافظ عليها. واستلزمت طبيعة الحياة في الأحساء قيام مثل هذه الصناعة وذلك بالاعتماد على الطين المحلي بعد المرور بمراحل تصنيع عديدة تحول خلالها الطين الى ادوات منزلية كالبرادات والمصاخن وغيرها. وقد انفرد بخبرة هذه الصناعة بعض سكان بلدة القارة بالأحساء. وفي مقدمتهم السيد علي بن حسين الغراش الذي أتقن هذه المهنة وتفنن في اتقانها وعلمها لابنته الفتاة اليافعة صدِّيقة ذات الأربعة وعشرين عاما ً حيث ورثتْ والدها عملاق الفخاريين في السعودية كما يحلو لمعظم حرفيي المملكة تسميته ومناداته في المهرجانات المحلية والدولية. «صدِّيقة» الفخاريّة الوحيدة في الأحساء ولربما في المملكة على حد قولها حيث لم تجد فتاةً سعودية سواها تعمل في هذه المهنة اليدوية الصعبة كما وصفتها في مشاركاتها بمهرجانات الأحساء وجدة والرياض. وتستمتع (صديقة) باندهاش المسؤولات والزائرات السعوديات وغيرهن في المهرجانات التراثية من عملها في الفخار وجلوسها على (الشرخ) آلة صنع الفخار حيث تدار يدويا وبالرجل اليمنى.

وعن بداية عملها في هذه المهنة التي بدأتها منذ ثلاثة أعوام خلت تقول صديقة: انها كانت تلاحظ والدها الفخاري المعروف السيد علي الغراش وهو يعجن الطين بعد بله بالماء وتخميره لمدة معينة ثم يضعه على الجهاز الخاص بصناعته ويديره بيده وبرجله اليمنى ليصنع المواد المنزلية والتحف ومن ثم يضعها في فرن خاص بها لحرقها وذلك لاعطائها صلابة أكثر ضد الكسر والتأثر بالمياه، فاستهوت المهنة ورغبت في تعلمها من والدها رغم صعوبتها بالنسبة للمرأة حيث تتطلب قوة الصبر والتحمل ومقاومة لحساسية اليدين وخشونتهما من عجن الطين بالماء والرمل وحرقه بالفرن.

ودخلت صديقة تلك المغامرة كما تسميها والتي هرب منها الكثير من اخوتها الشباب عدا أخيها صالح الذي ورث والده في المصنع وحلّ محله في المشاركات المحلية والدولية في المهرجانات التراثية والمناسبات الوطنية. وكانت تجيد الصنعة تارة وتخفق فيها مرات الى ان استطاعت وبجدارة ان تتقنها وتتفنن في اتقانها حتى شاع صيتها، وبدأت الجهات الحكومية والجمعيات الخيرية والمؤسسات الثقافية في الاحساء وخارجها في استدعائها لتشارك في فعاليات مهرجاناتها لتدهش الزائرات بحرفة متقنة يصعب على المرأة تعلمها. وما بين العشرة ريالات والمائة وخمسين ريالاً تسعّر (صديقة) منتوجاتها الفخارية التي يرغب في شرائها العديد من طالبات ومعلمات المدارس مع بداية كل عام دراسي جديد ومع شهر رمضان المبارك حيث يفضل بعض الأحسائيين شرب اللبن والماء في شهر رمضان من الجرات الفخارية والمصاخن أو الاحتفاظ بها كتراث وتحف تزين زوايا البيت. في حين يقبل الزوار الأجانب من الأميركان والبريطانيين والمصريين ومن دول الخليج على شراء الكاسات والمباخر الفخارية التي تعملها صديقة وتعرضها في مصنع والدها المتواضع والواقع عند جبل القارة المعروف في الاحساء. وعن الصعوبات التي تواجهها في العمل بهذه المهنة تقول صديقة: لا توجد لدي مشاكل ولله الحمد ولكن في مشاركتي بالمعارض احيانا تصاب منتوجاتي الفخارية بالكسر اثناء التنقل، اضافة الى اصابتي ببعض الحساسية من الطين والرمل والحرق ناهيك عن التضحية الكبرى برأس مال الفتاة والمتمثل في نعومة يديها حيث العمل في الفخار يحيلها الى الخشونة والتشققات غير المرغوب فيها. وتستأنس صديقة الغراش (لقب عائلتها اشتق من طبيعة عمل والدها وأجدادها في صناعة الفخار، والغرشة تطلق على الجرة الفخارية التي يبرد فيها الماء واللبن باللهجة الاحسائية) بصناعة الفخار كلما شعرت بالملل وأن هناك متسعاً من الوقت كي تمارسها ما يقارب الثلاث ساعات في اليوم حيث تستغرق الساعة في صناعة الجرة بينما والدها لا يأخذ سوى خمس دقائق في ذلك كما تقول.

وحاولت صديقة تدريب بعض فتيات الأحساء اللاتي يرغبن في تعلم هذه المهنة الا انها تخفق في ذلك حيث يصعب عليهن التعلم ويهربن ولا يستحملن النار والطين والرمل. رغم شغفهن بالصنعة.

وعن الفرق بين الأواني الفخارية التي نحضرها من الخارج وبين الفخاريات التي تعملها صديقة بيدها هي ووالدها تقول: ان الطين يختلف ما بين الأواني الفخارية المصنوعة بالخارج وبين الطين الذي اصنع منه فخارياتي، فطيننا المحلي رملي لا يتحمل الكهرباء بينما الخارجي يتحمل. ولم أتمكن من تطوير فخارياتي وبقيت على اشكالها التقليدية على عكس والدي الذي يبدع في الصنعة وتطويرها.

ويستطيع والدها وأخوها تأمين الطين لها لتتمكن من صنع فخارياتها في بيتها من عين الحارة بالمبرز وعند فندق الغزال ومن بقايا البيوت القديمة ومن أسافل الجبل وحوافه الهامشية.