مريض فشل الطب في علاجه أصبح ضيف دائما لغرفة العناية المركزة

نجح خلال 16 عاما من إتقان ثلاث لغات

TT

ان تصبح العناية المركزة عالمك الخاص لمدة تزيد على 16عاما فهي معاناة حقيقية، وأن تحاصرك الأسلاك والمغذيات ونظرات العجز فهو جرح مؤلم يتنافس على تعذيبك كل صباح، وأن تختفي أحلامك خلف دمعة متحجرة كبرت مع السنين والألم فليس أمامك سوى أن تنزف نبض قلبك كلما لاحت بارقة في سماء الطب والابحاث، غير أن فؤاد بن مشرف الغامدي الذي كانت تتهدج منه الكلمات بدا متفائلا ومرحا وهو يحكي قصته وتعلمه ثلاث لغات أجنبية خلال مدة إقامته في مستشفى الملك فهد في مدينة الباحة. يقول الغامدي «لم يمنعني صراعي مع المرض من التواصل مع العالم من حولي، 16 عاما وأنا على هذا السرير في غرفة الإنعاش، تعلمت ثلاث لغات وأنا في هذا الوضع ـ دون معلم ـ أتقن الآن الانجليزية والفلبينية والهندية عبر احتكاكي بالعاملين في المستشفي».

ويضيف وهو يهزم الألم بابتسامة اعتاد العاملون في المستشفى رؤيتها عليه كلما هاجمته أوجاعه بشدة «لا أريد أن أتذكر حالتي قبل أن يفتك بي المرض ولا اسباب دخولي هذه الغرفة التي أعتبرها سجني المؤبد، دونما ذنب جنيته إلا إنني كنت ضحية هذه الحالة، لا أقوى على البكاء واشعر بالدموع وهي تتحجر في المآقي كالجمر، لكني راض كل الرضا بما قسم لي ربي، واعتبر نفسي في مرحلة اختبار من الله تعالى، أنا أصلي وأصوم وأتزكى، وأتمنى أن أؤدي فريضة الحج والعمرة، لكني محتار في الطريقة لحالتي المرضية.. أتمنى الخروج لأعيش مع أسرتي وأستمتع بالجلوس مع والدي.. ولكن ظروف أجهزة الأوكسجين المرتبط بها جسمي 24 ساعة تحول دون المراد».

وكانت طفولة الطالب ـ الذكي ـ فؤاد بن علي مشرف الغامدي وهو من أبناء قرية «خفه» بارزة بنبوغه بين أقرانه وفطنته وحرصه الكبير على التفوق، لكن القدر بحسب والده الذي كان يروي القصة «كان يبيت لابنه ما لم يكن في الحسبان.. بدأ يشعر بالضمور والانهيار البطيء لجسمه الغض، وهو ابن الثالثة عشرة تقريبا، وبدأت رحلة العلاج بمراجعة المصحات داخل وخارج المملكة لعلنا نجد ما يعيد بنيته الجسمية إلى سابق عهدها بلا فائدة» ويستطرد الوالد «بعد رحلة طويلة استسلمنا لمشيئة الله حتى حطت الرحال بالابن الصغير في مستشفى الملك فهد في العناية المركزة التي احتضنته طيلة ما يزيد على ستة عشر عاما يصارع المرض بروح المتفائل ويقين المؤمن وصبر المحتسب في ظل الرعاية الكريمة التي تجسدت في العاملين في هذا المستشفى بوجه عام والعناية المركزة على وجه التحديد.

ويستطرد الغامدي «طوال هذه المدة تغلبت على كثير من المشاكل الجسمية والنفسية وتسببت في معاناة من يقومون على رعايتي، وأطلب منهم السماح، وهم بالتأكيد مأجورون إن شاء الله».

الشكر للدكتور عبد الحميد سفر الغامدي مدير المستشفى الذي أوصى بتسهيل جميع متطلباتي، ومنها خط هاتفي مفتوح اتصل عبره ـ في جميع الأوقات ـ بأسرتي كذلك الزيارة المفتوحة لأسرتي. وبالسؤال عن إجادته لبعض اللغات، ضحك وقال «هذه البيئة كانت صالحة لتعلم اللغات، الآن أجيد الانجليزية والفلبينية والهندية ـ إلى جانب العربية بالطبع ـ كلها تشربتها من خلال احتكاكي مع العاملين في العناية المركزة، ومن هذا المكان أدعو الشباب لمواصلة العلم والاستفادة من عقولهم وصحتهم لما يخدم الدين والوطن الذي يرعانا حق الرعاية».

الدكتور محسن راتب المتابع لحالة فؤاد قال انه أدخل المستشفى ـ العناية المركزة ـ في فبراير 1989. كان يعاني من ضعف في العضلات مع ضمور ـ يصاب به الذكور فقط ـ وخلال هذه المدة عانى نوبات بسبب التهاب الرئة مع جرثومة في الدم، واستمر الضعف حتى وصل إلى عضلات التنفس. بعد ان فشل في التنفس وضع على جهاز التنفس الصناعي ـ رغم رفضه الشديد الذي سبب له بعض الاضطرابات النفسية قبل ستة أعوام ـ ثم عمل له بعدها شق حنجري لحاجته الدائمة للتنفس الصناعي. ونتيجة لهذه التداعيات الصحية يقول الدكتور راتب أصبح وزنه الان 28 كجم وطوله81 سم، رغم أنه بلغ 32 عاما، بيد أنه يتغذى بصورة طبيعية عبر الفم من طعام المستشفى وأحيانا نحضر له بعض الأطعمة التي يرغبها.. ومن خلال الرعاية الطبية والعلاج النفسي المناسب له بدأت حالته النفسية تستقر بصورة ملحوظة، فهو يتميز بالذكاء والفهم رغم حالته الصحية، ورغم كل هذه المدة لا توجد أي آثار تقرحات في جسمه، فيما نجد صعوبة في تغيير وضعه السريري للضعف الشديد وحفاظا على العمود الفقري من الانكسار.

وأبان أن فؤاد ليس مريضا عاديا بل أصبح زميلا وصديقا لكل العاملين في المستشفى، وقد حاولنا تنظيم زيارة خاصة لأسرته، لكن خوفنا على صحته وتفهم أسرته للوضع اقتصرنا على زياراتهم المفتوحة له رغم انه من الناحية العلمية نفضل أن يعيش بين أسرته أو في دار للنقاهة مع التجهيزات الطبية اللازمة لحياة اجتماعية أفضل، إلا أن الأطباء يعتبرون حالته ومدة بقائه في المستشفى نادرة وهم يسعدون بذكائه الخارق وعقليته الفذة ويجدون متعة في خدمته ويدعون له دوما بالشفاء.