أم علي الخواصة تستنطق السعف لتربي اليتامى

تختزن الزمن في سعف النخيل

TT

الأحساء من أكبر الواحات الطبيعية في العالم، وقادت هذه الحقيقة إلى قيام العديد من الصناعات التقليدية التي اعتمدت على أشجار النخيل الموجودة بكثرة في الأحساء ومنها صناعة الخوص، أو ما يسميه الأهالي بنسج الخوص والمعروف محلياً بالسف أو السفاف.

وصناعة الخوص حرفة يدوية، تستأنس بها الاحسائيات، خاصة في القرى والأرياف، حيث تقوم بكافة مراحل إنتاجها، من أجل خدمة البيت أو بشكل تجاري وبقصد الربح الاستثماري. وقد عُرف عن المرأة الأحسائية بأنها خير من يجيد هذه المهنة فاستطاعت وبجدارة أن تحقق نجاحاً ملموساً يعرفه الجميع بالمنطقة وخارجها.

«الشرق الأوسط» التقت إحدى هؤلاء النسوة ممن يعملن بالخوص وسلطت الضوء عليها فكان هذا الحوار مع «الخواصة» الحاجة ام علي المبارك بإحدى قرى الأحساء.

> كيف كانت بداياتك مع سف سعف النخيل؟

ـ منذ أن كنتُ طفلة في السابعة من عمري وأنا أتدرب مع والدتي على سف سعف النخيل وتقشيم الخوص وعمل الحصير إلى أن تطورت واستطعت أن أجيد عمله بسهولة.

> من اين تحصلين على مدخلات انتاجك من الخوص والسعف لعمل منتجاتك؟

ـ اشتريه من السوق وكل خوص له سعره الخاص، الأبيض أغلى من الأخضر والأزرق، اما من عندها نخيل فتستطيع الحصول عليه بسهولة.

> كيف تعملين منتجات الخوص «سعف النخيل»؟

ـ نأتي بالسعف من النخيل، ننظفه من الشوك، ثم نعمل على سحته من السموط. وييبس في الشمس لمدة أسبوع، فإذا ابيض لونه يكون قد اصبح جاهزاً للعمل فيه. ولا بد من مدة معينة لا تطول ولا تقصر لأنه إذا تأخر يفسد، ثم يقسّم طولياً على حسب الطلب وعلى حسب عرض السفة.

> هل كل منتجات الخوص سفتها واحدة؟

ـ للسفات أنواع... الحصير له سفة والسفرة سفة وكذلك «الذبيل».

> كم تستغرقين في العمل بالسف؟

ـ إذا لم تكن لدي مسؤولية ـ أحاول أن أشغل وقتي فيه، واستمتع به، وعلى حسب نوعية الطلب بعضها يأخذ أسبوعاً أو اقل أو أكثر على حسب نوعية طلبات الزبون.

> هل تشعرين بالراحة في هذه المهنة؟

ـ نعم، و«مستأنسة» بها رغم متاعبها، وتشويه اليدين منها من أثر الشوك الذي في السعف فتصبح اليد خشنة على غير طبيعة يد المرأة المعروفة بنعومتها.

> ماذا عن الإقبال على شراء منتجاتك الخوصية؟ هل هناك إقبال؟

ـ بالطبع، يوجد إقبال على الشراء ولكن ليس كما كان في السابق، فالإقبال اليوم أقل بكثير من الماضي، ويكثر الشراء في أوقات معينة من السنة مثل أيام شهر رمضان المبارك حيث يقبل الناس على شراء السفرة الخوصية، و«مقفة» الرطب كذلك أيام العيدين الأضحى، والفطر، ولكن السعر أصبح أغلى من السابق لأنه لا يتم الحصول عليه إلاّ نادراً وبصعوبة.

> أين تبيعين منتجاتك الخوصية؟ أعني كيف تسوقينها؟

ـ أتمكن من بيعها في سوق الخميس الشعبي في الهفوف وفي سوق القارة وسوق الاثنين في الجفر.

> ألا يعارضك أبناؤك في مزاولة هذه المهنة وبيع منتجاتها في الاسواق الشعبية؟ ـ لم يعارض أحد أبنائي مهنتي هذه ما دامت شريفة وتؤمن لنا العيش الكريم. حاولتُ كثيراً ان أدرّب بناتي وحاولن برغبة، لكنهن يفشلن ولا يحاولن من جديد إلاّ في فترات متباعدة فينسين ما تعلمنه من قبل.

> هل تشكِّل هذه الحرفة مصدر رزق لكِ ولأولادك؟

ـ نعم، هذه الحرفة أعتبرها مهنتي وعملي الأساسي الذي لا أجيد سواه، وهو مصدر رزق لي ولأولادي اليتامى، فقد تركهم والدهم صغاراً ليس لديهم سواي، وليس لدي سوى هذه المهنة التي أعيلهم منها والشكر لله.

> من أين تعلمتِ هذا العمل؟

ـ من أمي ومن جدتي وخالتي ـ يرحمهن الله ـ كنا نجتمع في محل واحد في بيتنا القديم أوقات العصاري والأضاحي ونزاول العمل. ولكني استطعتُ أن أطوّرها، وصرتُ أتقنها أكثر منهن وبشكل أفضل حتى صار إقبال الناس على شراء منتجاتي أكثر من منتجات أمي وخالتي. وهناك طلبات كثيرة على منتجاتي حتى من كبار مسؤولي المنطقة وفي المهرجانات الشعبية بالمدارس والجمعيات الخيرية.

> هل لديك مكان معين تعملين فيه وتزاولين فيه مهنتك الجميلة؟

ـ لا يوجد لدي مكان محدد، فبيتي البسيط هو بمثابة معمل أو مصنع اعمل فيه وأكدح لأجل أولادي الأيتام وأنتج منتجاتي النادرة.

> كم تتراوح أسعار منتوجاتك الخوصية؟

ـ على حسب النوعية والشكل الذي يختاره الزبون «فالذبيل» سعره (10) ريالات والحصير من (50) إلى (80) ريالاً.

> قلت أنك طورت من صناعتك الخوصية التي تعلمتها من أمك وخالتك، فما أبرز تلك التطورات التي أحدثتها في منتجاتك؟

ـ أحياناً أعمل بالبلاستيك أو الوايرات والأفضل طبعاً بالخوص أي سعف النخيل، وأحياناً أضيف بعض الألوان الزاهية التي تجذب الزبون للمنتج.

> ما المواد التي تنتج من الخوص؟ ـ الحصر بأنواعها الرياحي والخشابي والعماني والمسلول والملون والمكحل ويستعمل الحصير كبساط للجلوس وهو مستطيل الشكل. وهناك السفرة، وهي بساط دائري الشكل توضع فوقه المائدة وتكون خضراء أو بيضاء أو ملونة، ولها ثلاث عراو لتسهيل تعليقها. والزنبيل وهو عبارة عن سلة جدرانها قوية يسع حوالي عشرة كيلو غرامات من التمر المنشور، ويستعمل لحمل التمر والسماد في المزارع وله عروتان من الحبال لتيسير حمله. أما القفة فهي سلة في حجم الزنبيل جدرانها أدق تستخدم في التسويق.

«المخرف» وهو سلة في حجم صغيرة تستخدم عند جني البلح من النخلة وله حامل يمكن تغيير الفتحة.

ومن منتجاتي ايضا الدروفة «المرجحة» تعمل على شكل حصير من طبقتين حتى تتحمل الراكب عليها. ولا انسى المهفة «المروحة» التي تستخدم لتحريك الهواء ولها مقبض حتى يمكن مسكها باليد وعادة ما تكون ملونة وهي مربعة الشكل.

والخصفة وهي سفرة كبيرة يصل قطرها (2.50) متر إلا انها قوية النسيج تستخدم لينشر عليها التمر وكذلك ليرمى عليها القنو بعد قطعه.

واصنع كذلك «المرحلة» وهي سلة كبيرة تسع حوالي (60) كيلو جراماً من التمر المنثور تستخدم لتسويق التمر والبلح والبصل وسائر الخضروات. ومن السلال «الملقط» وهو سلة صغيرة تستعمل في لقط التمر من تحت النخل.