ما زال صدى صوته يقول: لا صوت يعلو فوق صوت المرأة

سوق الثلاثاء النسائي الشعبي في عيده الـ 107 في عسير

TT

ما يحدث شبيه بالقصص الإغريقية، ففي بلاد ما زال الحديث مشتعلا في مجتمعاتها النخبوية والشعبية حول تحديد مصطلح «عمل المرأة»، يعيش سوق الثلاثاء النسائي الشعبي بمدينة أبها (جنوب غرب السعودية) عامه الـ 107، والذي يختزل تعريفه في عبارة «لا صوت يعلو فوق صوت المرأة».

والمقصود بالتعريف السابق أنك لا تسمع ولا ترى ولا تشاهد في سوق الثلاثاء النسائي الشعبي، والواقع في قلب مدينة أبها المعانقة لضباب السماء، سوى سيدات يجلسن بجوار بضائعهن، ويعرضنها على طريقة «التحريج»، ومن ثم يقبضن ثمنها.هذه هي الحكاية ببساطة، تصرفات ومشاهدات لا يمكن لك مشاهدتها في السعودية إلا بسوق الثلاثاء النسائي الشعبي، وآخر يقع على بعد 270 كيلومترا في مدينة نجران.تقول أم أحمد إحدى البائعات في السوق «الناس في منطقة عسير منذ زمن بعيد كانوا يهتمون بإنشاء الأسواق لتلبية احتياجاتهم، فكانت الأسواق الشعبية تلبي مطالبهم رغم بدائيتها، وبساطة السلع التي تتوفر بها». وتكتسي بضائع سوق الثلاثاء الشعبي البساطة والأهمية في نفس الوقت، فهي سلع لا يمكن تجاهل وجودها في المنزل السعودي، وخصوصا ما يتصل منها بوسائل الطهي للسيدات كالأواني الفخارية المتنوعة التي تستخدم للأكل والشرب.وكذلك بهارات خاصة بالطهي، والأبخرة المخلوطة بالعود ورحيق الزهور، والتي تعكف على صناعتها نساء في المنازل، وذلك داخل دكاكينهن التي لا تتجاوز مساحتها المترين.

وتقول أم أحمد عن محتويات السوق «نقوم ببيع الأزياء الرجالية والنسائية التقليدية، والمشهورة محليا، كـ «الثوب العسيري» (نسبة إلى منطقة عسير والتي تمثل مدينة أبها عاصمة لها)، والذي يقبل كثير من السياح والزوار خلال موسم الصيف على شرائه».

وكون مدينة أبها، إحدى الروافد السياحية المهمة في المملكة، لتضاريسها الجبلية، بارتفاعها 1000 كيلو متر عن سطح البحر، وتميزها بمناخها البارد، والذي يعد ملاذا للهاربين من داخل البلاد وخارجها من حرارة الصيف، فإن ذلك اكسب سوق الثلاثاء الشعبي بها شهرة محلية واسعة وكذلك على المستوى الخليجي.

إلا أن شهرة السوق الذي تم إنشاؤه في عام 1320 من القرن الماضي، تلاقي تجاهلا واضحا من فتيات الجيل الحالي حسب قول البائعات، والبائعات يكتفين باستقبال زوار من نفس مراحلهن العمرية من الرجال والنساء.وتبين حليمة عسيري ذلك بقولها «أرباحنا قليلة وتذهب في الإيجار، والسبب أن رواد السوق هم من كبار السن، أما بنات هذه الأيام فهن يملن للأسواق الحديثة، ولا يحبذن البضائع المعروضة لدينا، والتي تحمل عبق الماضي، وجمال جبال عسير وسهولها».

ولا تصطدم أحد أندر وأروع مشاهد السعودية بتجاهل فتيات الجيل الحالي فقط، بل بالأنظمة والقوانين ايضا، والتي تحاول تنظيم أعمال البيع والشراء، ولكن بنسيان الأهمية التاريخية لهذا السوق النسائي الأقدم في المملكة.

ويتضح خوف أهالي مدينة أبها ومنطقة عسير من تلاشي أهم المراكز التجارية والتاريخية والشعبية، والمتمثلة في سوق الثلاثاء، بمناشداتهم المتواصلة لوزارة الشؤون البلدية والقروية، والهيئة العليا للسياحة، بالتدخل السريع لصيانته، بالإضافة لمراكز اخرى كسوق بني يرزام، سوق اثنين بن حموض، وسوق ربوع آل يزيد.

وتضيف فاطمة الأحمد إحدى أقدم البائعات في السوق العتيق إلى قائمة المشاكل مشكلة اخرى بقولها «إجراءات البلدية المتكررة، والتي تحجم مبيعاتنا بسبب القوانين التي تتعارض مع قانون الأسواق الشعبية الرئيسي بعرض البضائع على الأرصفة المواجهة للمحل، وتضيق المسافة السموح بها».

فاطمة التي لا تتجاوز أرباحها اليومية 20 ريالا سعوديا (5,5 دولار أميركي)، لتطعم أبناءها الستة، هي جزء من تاريخ هذا السوق منذ أكثر من 20 عاما، ومن تاريخ منطقة عسير التي تحمل بين عادات سكانها في الجبال والسهول الكثير من العادات والتقاليد المرتبطة في مسمياتها بيوم محدد، ولهذا بالمناسبة يعود سبب تسمية السوق النسائي بـ «الثلاثاء» كونه لا يفتح سوى هذا اليوم من كل أسبوع.