قوافل الحجاج تنطلق إلى المشاعر قبل أشهر واللحوم الحمراء تؤكل «نيئة»

الحج والأضحية هاجسا السكان في العقود الماضية

TT

تعيد أيام عيد الاضحى المبارك التي حل اولها يوم امس، ذكريات سنوية عن هذه المناسبة الدينية، يرويها كبار السن الذين عاشوها قبل اكثر من ستة عقود. ولعل الهاجس الذي يشغل سكان كل قرية قديماً، هو حجاج القرية الذين يؤدون مناسكهم، وقد غادروا قريتهم قبل ايام وربما أشهر لتأدية الركن الخامس من اركان الاسلام من دون أن يعلموا عن احوالهم شيئاً، لعدم وجود أية وسيلة للاتصال بهم. كما ان الاضحية سواء للميت أو الحي، تأخذ حيزاً من اهتمامات السكان. وبين الدعوات لحجاج القرية بالعودة سالمين غانمين، وبين تقليب اوراق وصايا الاموات من الآباء والاجداد، تتشكل صورة اختفت من قاموس الحياة في زمننا هذا، حيث الفضائيات تنقل صورة عما يجري في المشاعر المقدسة على الهواء مباشرة، وربما تلحظ الزوجة أو البنت او الولد صورة الاب، وهو يلوح بيده للكاميرا عند مرورها عليه اثناء وجوده على صعيد عرفة أو منى أو مزدلفة، لتتعالى الاصوات في المنزل الذي يبعد آلاف الكيلومترات عن المشاعر مرددين «أبي.. أبي». وقبلها كانت الاذاعات تنقل تحيات الحجاج الى اهلهم وذويهم، كما كان المذيعون يتناوبون في وصف هذا الحدث الاسلامي الكبير في رسائل مشتركة وبث موحد: «والآن المايكرفون مع مندوب إذاعة الكويت، عُمان، بورسودان، أم درمان، القاهرة، الاذاعة المغربية». وفي الجانب الآخر، وهو أضحية العيد أو خروف العيد، كان الاعتقاد السائد في بعض مناطق السعودية، أن الاضحية هي للميت فقط لدرجة أن البعض عندما تسأله: هل ستضحي لنفسك؟، يأتي الجواب بعنف «فال الله ولا فالك»، وامام وعي السكان بخصوص الاضحية عرف الكثيرون انها للحي وللميت على السواء.

وما زالت الاضحية تمثل للعديد من السكان أهمية كبيرة لا يمكن تجاهلها، خصوصاً اذا كانت تخص ميتاً أو تنفيذ وصية للآباء والامهات والاجداد من ريع نخل او سكن، في حين يحرص كثير من الابناء على ذبح أضحية لموتاهم من الآباء والأمهات. ويحمل بعض المسنين ذكريات ما زالت تختزلها الذاكرة عن الحج والاضحية، حيث يروي ناصر بن سعد السنيد ،85 عاماً، ما بقي في ذاكرته عن هذه المناسبة بقوله: كان الحج يمثل مطلباً للجميع رجالاً ونساءً، شباباً وكباراً، وكانت كل قرية لديها حملة للحج تتكون من قافلة من الجِمال لها رئيس، وكان سكان القرية يعرفون قبل اشهر مَن الذي سيحج هذا العام، ويبدأ الاستعداد لذلك في فترة مبكرة، حيث يتم تجهيز القوافل واعدادها لرحلة الحج في حين تنشغل ربات البيوت بتجهيز متطلبات الرحلة من ملابس وأواني الطبخ والوضوء والاحرام، وتبعاً لبعد المشاعر عن القرية أو قربها منه، تنطلق الحملة، حيث يخرج جميع السكان لتوديعهم بالدموع والدعوات بقضاء حجهم والعودة غانمين سالمين لديارهم.وعندما تحل أيام العشر الأُول من ذي الحجة يبدأ السكان بالاستعداد للعيد وقلوبهم مع حجاجهم في المشاعر، وتمثل الاضحية هاجس الجميع، حيث يبدأ المقتدرون بشرائها قبل حلول ايام النحر واطعامها والمحافظة عليها، وفي ليلة العيد تلجأ بعض النساء الى وضع الحناء على اجزاء من جسم الاضحية في تقليد محدود النطاق، وعقب الصلاة مباشرة تبدأ مراسم الذبح بتلاوة بيان النحر «باسم الله وجوباً والله اكبر استحباباً اللهم اقبلها اضحية لفلان او فلانة»، وخلال دقائق تكون الاضحية جاهزة وتبدأ ربة البيت في تقطيعها واهدائها الى المستحقين واكل جزء منها والتصدق ببعض الاجزاء حسب التوجيهات الخاصة بلحوم الاضاحي. ونظراً لعدم وجود مبردات، فإن اللحوم الفائضة عن الحاجة اليومية يتم تحويلها الى قديد «قفر» واستخدامها في وقت لاحق». ويضيف السنيد بأن «الغيرة»، أو ما يعرف بـ «التخمة» الآن، كانت تصيب متناولي اللحوم في ايام العيد التي تعرف بأيام التشريق، وهي ايام الذبح الاربعة اعتباراً من يوم العاشر من ذي الحجة وحتى زوال الشمس في اليوم الرابع عشر نظراً لان الكثير من السكان لا يعرفون للحم طعماً الا في ايام الاضاحي، فهم يتناولونها بنهم وبإفراط مما يسبب لهم الاصابة بما يعرف بالغيرة، حيث تفاجأ المعدة بذلك، ويلجأ المصابون بهذا العارض الى تناول كميات من الملح وأكل كميات من البصل للقضاء على الاعراض التي سببها تناولهم للحوم بكميات كبيرة وبصورة مفاجئة.

ويشير على الشعيبي ،70 عاماً، الى انه لا ينسى ذلك اليوم الذي كانت والدته تعد «الودكة» من إلية الخروف بتقطيعها قطعاً صغيرة الحجم وبحجم حبة الربيان وقليها بالزيت الحيواني المغلي، وتجميعها في اوان واذابتها ووضعها في أوان «مطابق» لاستخدامها في الطبخ لاحقاً أيام الجدب، موضحاً أنه كان يلتقط قطع الخلع وهي ساخنة ويتناولها لاشباع نهمه وجوعه من قلة المواد البروتينية التي لا يعرفها الا من الاضحى الى الاضحى.ويذكر هادي بن فهيد ،68عاما، بأن الاضحية لا يرمى منها شيء، فالرأس يحسحس «يشلوط» ويؤكل، بالاضافة الى الالية، والكرش والمصران والمعلوق وملحقاته من كبدة ورئة وكلاوي، مشدداً بالقول إن البعض يأكل اللحم نيئاً ثم يلحقه بكمية من البصل، كما أن الكبدة تؤكل نيئة بعد ذر الملح عليها.ويضيف بأن الجلد يُهدى لمن يحتاجه لعمل القرب والجاعد وغيرهما من الاستخدامات، والشيء الوحيد الذي يرمى من الاضحية هو المرارة فقط.