«عرفات» على صعيد عرفات

فرح وضياع وتضرع .. ومشاهد أخرى لحجاج بيت الله

TT

الحج عرفة: تلخيص إلهي لمناسك الركن الخامس من أركان الاسلام. ولهذا استحق محمد المصري ،32 عاما، الحصول على صفة «حاج» من أبناء قريته المجاورة لمحافظة المنيا المصرية، وذلك بعد أن نفر منى إلى عرفات للاستماع إلى الخطبة والصلاة بمسجد نمرة، وصعوده إلى جبل عرفات، ومغادرتها إلى مزدلفة قبل الغروب.

ووسط قبلات وابتسامات وخجل محمد المصري عامل الميكانيكا، والذي يحج لأول مرة، كان هناك أكثر من 3 ملايين حاج جلسوا داخل خيم وعلى أرصفة عرفات يتلقون التهاني أيضا بقيامهم بالمنسك الأهم في مناسك الحج.

ولكل هذا لم يكن مستغربا للعديدين، مظاهر أخرى صاحبت تلك الاحتفالية الإسلامية التواق لها أكثر من مليار مسلم حول العالم، فالافتراش كان الحاضر الأقوى، والتزاحم ظهر من حين لآخر، ومخلفات أطعمة الحجاج تكررت كالعادة.

وفي الوقت الذي كانت فيه كل من فاطمة ،55 عاما، 50 عاما،) وصديقاتهن القادمات من المغرب يسرن في شكل طابور تمسك كل منهن بطرف ثوب الأخرى، ويمررن التمر من آخر الطابور حتى أوله بينهن، كانت حافلة «الخير» ـ كما كتبت مالكها عليها ـ تقف في منتصف الطريق لتوزيع حبات البرتقال على الحجاج لكسب الأجر.

ولكن هذا الأجر المأمول أصبح مشقة لطابور النساء المغربيات بعد تزاحم الحجاج وتنافسهم للحصول على إحدى برتقالات حافلة «الخير»، ولكن رأفة القدر حالفتهن بتدخل حجاج أخريين لسحبهن من وسط أمواج الحجاج التي حاصرتهن، وأخذت تذهب بهن يمينا وشمالا.

وعلى الرغم من مرور رجال الأمن على ذلك الموقف، ومشاهدتهم لحافلة «الخير»، وغيرها من الحافلات التي حملت الأطعمة، والوجبات، والعصائر، والمياه، كهدية للحجاج القادمين من 166 دولة لكسب الأجر، إلا أن ذلك لم يدفعهم للتدخل والاهتمام فقط بسير الحافلات التي اصطفت على مسافة كيلو مترين.

والتزاحم والتدافع اللذان ظهرا على مدار ثلاث فترات زمنية هي وقت الوصول لعرفات، والخطبة والصلاة، والمغادرة لمزدلفة، كانا سببا لمشقة إحسان الذي لم يتجاوز العاشرة، وضل طريقه عن عائلته المكونة من 49 فردا حضروا لأداء مناسك الحج، لينتظر في مركز إرشاد التائهين بالطريق رقم 6 عند الدائري المتوسط.

ولم يخفف دموعه وبكاءه إلا لطف شباب الكشافة المشاركين في أعمال الإرشاد بالمشاعر المقدسة، والذين بدا حضورهم ضعيفا عن مواسم الحج الماضية، وأرجعه بعضهم تحفظوا على أسمائهم ـ إلى الاختبارات النهائية التي انتهت قبيل أيام من انطلاق الحج.

دموع إحسان واجهها بالمقابل فرحة غارمة بمستشفى نمرة في عرفات لأحد الحجاج بقدوم مولودته في أكثر الأيام بركة وخير لدى المسلمين، وهذا الخبر الذي كان حديثا متناقلا ما بين الإعلاميين، وخصوصا عند علمهم بإطلاق والدها «عرفات» اسماً لها.

وبعد زيارة جبل الرحمة، وسماع الخطبة، وأداء الصلاة، والجلوس قبيل الغروب، غادر محمد المصري، والحاجتان أمينة وفاطمة، والطفل إحسان الذي تسلمه والده، متجهين إلى مزدلفة لجمع الحصى والاستعداد لرمي الجمرات بعد المبيت بها، وعلى موعد للحاق الرضيعة «عرفات» بهم، ليس اليوم ولا غدا بل في السنوات المقبلة.