د. حنان الفاسي: التمويل المادي لمراكز الأبحاث مسؤولية المجتمع

متخصصة إدارة تربوية: ضمان الجودة والنوعية في التعليم العالي يساهم في استقطاب رؤوس الأموال

TT

مستقبل التعليم العالي الأهلي في دول مجلس التعاون الخليجي، والوضع الراهن له، كان هدفا لدراسة متخصصة أجرتها الدكتورة حنان الفاسي المعيدة بجامعة أم القرى بمكة المكرمة ـ سابقا ـ والمتخصصة في الإدارة التربوية والتخطيط العالي تحت عنوان «رؤية مستقبلية للتعليم العالي الأهلي في دول مجلس التعاون الخليجي» لنيل درجة الدكتوراه، وأمنت الفاسي على أهمية الاستثمار في التعليم الأهلي من خلال مواءمة المخرجات مع احتياجات سوق العمل، وقالت في حوارها مع «الشرق الأوسط» ان التجربة السعودية في التعليم الاهلي تعتبر متميزة خليجيا، لانها ولدت بضوابط وقوانين منظمة لمسيرتها، مثمنة دور رقابة الدولة على التعليم الأهلي للحد من الرغبات الربحية للمستثمرين في هذا المجال. إلى نص الحوار....

> لماذا اخترت مستقبل التعليم الأهلي العالي موضوعا لرسالتك؟

ـ صدر قرار التعليم الجامعي الأهلي في عام 1420هـ، وتمثلت البداية الفعلية له في عام 1412هـ، فكان لا بد من رؤية مستقبلية لهذا النشاط، يتم من خلالها تحديد المسار الصحيح له.

> كيف تقيمين التعليم الجامعي الأهلي في المملكة خلال السنوات الخمس الماضية؟

ـ تعتبر تجربة المملكة متميزة جدا مقارنة بدول مجلس التعاون الخليجي، لأنها بدأت مع وجود ضوابط وقوانين ولوائح تنظمه، لكن بالتأكيد هناك سلبيات، منها عدم فتح مجال واسع للبحث العلمي، نحن نحتاج للتركيز على الجودة والنوعية في التعليم الأهلي العالي.

> بمناسبة ذكرك للجودة، هل تعتقدين ان معايير الجودة تنطبق على مخرجات التعليم الأهلي الجامعي الآن؟

ـ هناك ستة معايير لقياس الجودة منها الطالب وهيئة التدريس، البرامج، الاعتماد الأكاديمي، المكتبة والبحث العلمي، فيمكن القول ان هذه المعايير متوفرة بالطبع، لكن يظل البحث العلمي أقلها وجودا.

> كيف يمكن توسيع نطاق البحث العلمي في ظل الافتقار لمراكز بحث مستقلة، وعدم قيام مراكز أبحاث الجامعات بدورها المطلوب؟

ـ تعد مراكز الأبحاث من العوامل الهامة لتقدم الأمم، وهي تحتاج لأموال طائلة، ولا شك ان عدم قيام الجامعات بدورها يعطل مسيرة التنمية، ـ مع الأسف ـ هناك فكرة خاطئة تلقي بمسؤولية هذه المراكز على الحكومة، لأن هذه المراكز في كل دول العالم إنما هي نتاج مساهمات مجتمعية بالدرجة الأولى من خلال الوزارات ورجال الأعمال، واعتقد أن الوقف التعليمي في النظام الإسلامي تدخل ضمنه مراكز الأبحاث، لكن ـ مع الأسف ـ نحن نفتقد الوعي بهذه الأمور.

> في تصورك ما السبب في عدم إيجاد مراكز أبحاث مستقلة؟

ـ أتصور أنها مشكلة مادية بالدرجة الأولى، الأمر يحتاج الى التمويل المادي.

> البعض يرى أن تكاليف التعليم الأهلي في الداخل باهظة، مقارنة بتكاليفه في الخارج، إذا ما أخذ بعين الاعتبار كم الخبرات المتراكمة ونوعية التأهيل، كيف تنظرين لهذه المسألة؟

ـ بالعكس تكاليف التعليم الأهلي بالخارج أعلى منها بالداخل لأنها تشمل مصروفات الإقامة والمعيشة وخلافه، ولابد أن ننتبه لأمر هام جدا، والذي يتمثل في العامل الثقافي وتغير القيم من مجتمع لآخر، أعتقد ان التعليم في الخارج يساعد على اكتساب القيم السالبة.

> التعليم الحكومي يفتقر إلى تخصصات دقيقة تتلاءم مع احتياجات سوق العمل، هل ترين ان التعليم الأهلي سيوفر مثل هذه التخصصات؟

ـ أرى النقص في بعض التخصصات في التعليم الجامعي الأهلي لا يعني بالضرورة عدم توفرها.

> إلى ماذا ترجعين إصرار التعليم الحكومي على استمرار بعض التخصصات النظرية التي لا تتواءم مع احتياجات سوق العمل؟

ـ استبدال بعض التخصصات التي تم الاكتفاء منها يحتاج لتغيير اللوائح والأنظمة والقوانين، وهذا لا يتم بجهود فردية وإنما بتشاور بالدرجة الأولى مع وزارة العمل والقطاع الخاص الذي يقوم برفد المجتمع بما تحتاجه سوق العمل، إضافة للطلبة أنفسهم، وهم الفئة الأكثر شكوى من هذه التخصصات، ونجدهم عند قبولهم في الجامعات يتجهون للتخصصات السهلة، وهي في العادة تخصصات نظرية.

> هل نحن ما زلنا بحاجة للتخصصات النظرية في ظل احتياج سوق العمل لتخصصات علمية؟

ـ المجتمع يظل بحاجة لكل التخصصات النظرية والعملية، لكن الفرق في النسب والأعداد التي تحتاجها الدولة.

> كيف يمكن أن تنجح المملكة في استثمار التعليم الجامعي الأهلي من خلال استقطاب رؤوس الأموال في ظل محدودية عدد الجامعات؟

ـ أولا، لا بد من ضمان الجودة بمعاييرها الست، ثم مواءمة مخرجات التعليم مع سوق العمل بتمويل كاف، وهذا يحتاج لتضافر الجهود بين مؤسسات التعليم والجهات المعنية.

> كيف يتم إقناع رجال الأعمال بأهمية الاستثمار في التعليم الأهلي الجامعي؟

ـ هذه مسألة يحكمها الفكر والوعي، الذي يأتي من إقامة الندوات واللقاءات، التي هي من مهام الغرف التجارية في التعريف وتوضيح أولويات الاستثمار في التعليم من خلال إيضاح المزايا ليس المادية فقط وإنما صناعة العقول التي تعطي المردود على المستوى الوطني، بعض رجال الأعمال ذوي المستوى الأكاديمي استطاعوا استيعاب هذه الفكرة.

> تضمنت توصيات دراستكم أن الاستثمار في الكليات الأهلية التي يحتاجها سوق العمل تساعد على دفع عجلة التنمية في دول مجلس التعاون الخليجي. كيف؟

ـ هذا يتوقف على مدى توافق مهارات الخريجين مع متطلبات سوق العمل، مما يساعد على رفع التنمية المستدامة على المستوى البشري والاقتصادي والاجتماعي، بعكس الوضع في حالة وجود فائض.

> خضوع التعليم الأهلي لرقابة الدولة واحدة من ضمن توصيات الدراسة. ما الحكمة منها إذا ما قورنت بالرقابة الموجودة في الجامعات الحكومية، وتأثيرها على مخرجات التعليم؟

ـ الأعداد الكبيرة لطلاب التعليم الأهلي تشكل عبئا آخر على الدولة إذا ما اضطرت الجامعات الأهلية للإغلاق في حالة الخسارة، لذلك لا بد من ضمان حكومي، حتى لا تخضع لأهواء المستثمرين ورغباتهم الربحية، وجود هذه الضوابط هو ما ميز التجربة السعودية عن باقي التجارب في الدول الأخرى.