«السبورة» سبيل لممارسة حرية الرأي ووسيلة للغش في الاختبارات

رفيق دائم في رحلة التحصيل الدراسي

TT

مع حلول موسم الامتحانات تتحول السبورة إلى بطاقة تعريفية لا تتجاوز معلوماتها عدد الطالبات الحاضرات والغائبات عن أداء الامتحان، وبيان تفصيلي حول مادة الاختبار، يرسم القائمون عليه ملامح المدة الزمنية، والحالة التي تعيشها السبورة خلال هذا الموسم بعد مرور عام دراسي كامل كان يملأه ضجيج الطباشير وأصوات القبلات التي تطبعها رؤوس الأقلام على سطح السبورة الرفيق الدائم في رحلة التحصيل الدراسي للتلاميذ، والتي كما أوضحت فاطمة البنوي طالبة الثانوية العامة بقولها «تعتريها فوضى صخب ما بعد الفسحة المترافق مع كيل الشتائم والسباب المنثورة على جنباتها».

والسبورة التي تعتبر أداة المعلم الأولى في الشرح، تتجاوز كونها وسيلة ينقل من خلالها الطالب المعلومات إلى أداة للتعبير عن المعارضة والشجب للقرارات المدرسية التي يرفضها عقل ووجدان الطلاب، بل تتحول إلى كتاب مفتوح عنوانه الأبرز لا يخرج عن كونه مذكرات تلميذة تحكي قصصا عاطفية لا تلبث أن تكتب حتى تمحى في أقل من الوقت الذي صرف في كتابتها وباختصار شديد لا يتجاوز في وصف المشاعر سوى بضع كلمات تجدها متوجة في أعلى السبورة بمقاطع من أغنيات مشهورة ومذيلة بتوقيعات تصف حال كاتبها، كما أوضحت ذلك الطالبة عهود باعيسى في المرحلة الثانوية «المشتاقة، والولهانة، غالبا هي التوقيعات التي انهي بها المقطع الغنائي الذي أقوم بكتابته».

وبين كتابة المذكرات القصيرة وممارسة حرية إبداء الرأي المعارض، تطل السبورة كواحدة من وسائل الغش البدائية التي يحاول من خلالها الطلاب كتابة بعض المقاطع من النصوص الأدبية الطويلة عليها كما أوضح أحمد منصور قائلا «نكتب أحيانا الأبيات الشعرية صعبة الحفظ على اعتبار أنها درس من دروس الحصة المنصرمة أو كتابة حلول بعض المسائل الحسابية على جوانب السبورة بشكل لا يلفت الأنظار إليها»، إلا أن بدائية الطريقة جعلت من السبورة واحدة من أساليب الغش التي يحرص المعلمون على مسحها ونظافتها قبل نظافة الفصل نفسه تفاديا لأي إشكالات تؤدي لتعطيل الاختبارات.

ومن أبجديات النحو والصرف تنطلق أمثلة عديدة، تسطرها معلمة اللغة العربية على السبورة، تتأرجح بين دخول عمرو وخروج زيد، ومن بين الجمل التي تملأ السطح الناصع البياض لها مذيلة بالقاعدات، والتكامل في معادلات الرياضيات تبرز حلول المسائل الرياضية التي لا تترك حتى المساحات الضيقة أو تلك المخصصة لكتابة التاريخ والعنوان إلا واحتلتها عنوة مع سبق الإصرار والترصد على سطح القطعة المستوية التي تتوسط الفصل الدراسي، والتي يتهافت التلاميذ طوال العام الدراسي على من يقوم بمسحها من رأسها لأخمص قدميها.

منذ السبورة الجدارية السوداء التي يعلوها النتوء، مرورا بذات الديباج الأخضر التي كانت الطباشير تزين وجهها كما عبرت عن ذلك المعلمة نجاح القحطاني بلغة يملؤها الحنين لزمن الطبشورة «الألوان الزاهية والتي تتفاوت بين الأزرق والزهري وتسيد الطبشور الأبيض المساحات الكاملة للسبورة، كان يمثل إغراء لنا على الرغم من نثر غباره على وجوهنا»، بين السبورة البيضاء ذات الملمس الناعم، وعالم السبورات الذكية «الإلكترونية» التي يعتلي مقصورتها القلم الأسود الأكثر انتشارا بين المعلمين، يبرز تغيير تصاميم السبورة التي حاولت التكنولوجيا الحديثة أن تلعب دورا فيها، إلا أن القطعة الصماء المعلقة في جدار الفصل وإن تعددت أشكالها وتغيرت لا تخرج في نظر مستخدميها عن وسيلة للبوح يمنع الاقتراب منها في مواسم الامتحانات.