«المحمدية الابتدائية».. رابع مدرسة بالرياض تتحول من جامعة صغيرة إلى مؤسسة لتعليم غير الناطقين بالعربية

طلابها قرأوا لتشارلز ديكنز والمنفلوطي وجبران وشاهدوا الملك سعود على الطبيعة

TT

المدرسة المحمدية الابتدائية في الرياض واحدة من أعرق وأقدم المدارس في العاصمة السعودية، واتخذت المدرسة التي تأسست قبل 54 عاما من شارع سلام وبالقرب من ميدان دخنة والمعروف في الأوساط الشعبية بميدان العلماء مقرا لها وخرجت المدرسة على مدى أكثر من خمسة عقود أجيالا من الطلاب أصبح لهم شأن كبير في المجتمع.

ولا زال مبنى المدرسة الذي كانت تستخدمه منذ تأسيسها عام 1952 باقيا يحكي قصة في سلسلة تاريخ التعليم في البلاد، ويختزل المبنى من ساحات وفصول وممرات ذكريات مرت كالطيف على مدى 54 عاما هي عمر المدرسة.

وتحولت المدرسة حاليا الى ما يشبه المدارس الخاصة لغير الناطقين بالعربية نظرا لأن جُلَ طلابها من غير العرب وبالتحديد من جنسيات دول إفريقية استحوذ التشاديون على النسبة الأكبر منهم، ما ضاعف مسؤولية الجهاز الإداري والتعليمي للتعامل مع هؤلاء الطلاب وصعوبة تعليمهم نظرا لعدم إتقان غالبية الطلاب اللغة العربية وهي لغة التعليم السائدة في السعودية.

تقع المدرسة في شارع سلام الذي كان شريانا رئيسيا لربط جنوب الرياض بوسط المدينة حيث مقر الإمارة وميدان دخنة ومعهد إمام الدعوة العلمي وجامع الرياض وسوق المقيبرة، كما أن المدرسة تقع بالقرب من قصر الأمير عبد الله بن عبد الرحمن أخو المؤسس، وعلى بعد عدة أمتار من أول مدرسة للبنات تأسست في الرياض بعد نحو ثماني سنوات على تأسيس المدرسة المحمدية، وقد هدما قصر الأمير عبد الله بن عبد الرحمن ومدرسة البنات، وأدخلا ضمن مشروع منتزه سلام الذي يعد أكبر منتزه في العاصمة السعودية وحمل اسم الشارع أو الحي الذي يقع فيه.

وحظي طلاب المدرسة المحمدية وعلى مدى عدة سنوات بمشاهدة الملك سعود على الطبيعة يوما في الأسبوع، فقد كان مشهدا مألوفا أن يرى الطلاب موكب الملك وهو يمر من أمام مدرستهم، وكان صوت المنبه الونان يسترعى انتباه الطلاب أثناء خروجهم قبل الظهر من المدرسة ليتابعوا انطلاق الموكب من جنوب الشارع إلى شماله ليتوقف في وسطه حيث قصر الأمير عبد الله بن عبد الرحمن عم جلالته، رحمهما الله، لقد اعتاد الملك سعود أن يأتي إلى هنا مرة في الأسبوع للسلام على عمه في قصره المقابل للمدرسة، ويتزأمن ذلك مع خروج الطلاب في أحد أيام الأسبوع وعند سماعهم لصوت منبهات سيارات الحرس الملكي «الونان» يتوقف الطلاب ويرددون بصوت واحد! جاء الملك·· جاء الملك، وبسرعة يرمون حقائبهم المدرسية المثقلة بالكتب والدفاتر أمامهم ويقفون لتحية الملك بالتصفيق والتصفير بل أن بعضا من الطلاب يتمادى في الترحيب بالملك ويرمي بطاقيته (غطاء الرأس) في سيارة الملك المكشوفة ذات اللون الأحمر وقد أحاط بها رجال من الحرس الملكي وبعض الخويا الذين انشغلوا بالتقاط الطواقي من داخل سيارة الملك والسيارات الأخرى المرافقة له وإعادتها الى مصدرها لتبدأ معركة بين الصغار لأخذ طواقيهم التي اختلط عليهم تمييزها، لقد كان الطلاب يفعلون ذلك طمعا في أن يضع الملك في طواقيهم بعض النقود مع أن البعض فعل ذلك تعبيرا عن المحبة للملك وفرحا بمشاهدته على الطبيعة.

وعودة إلى المدرسة المحمدية التي تعد رابع مدرسة للبنين أنشيءت في الرياض بعد المدرسة التذكارية والفيصلية والأعشى فإن المدرسة في السابق كانت عامل جذب للطلاب نظرا لمبناها المسلح الذي يضم فصولا جيدة الإنارة والتهوية وممرات مبلطة وأرجوحات وساحات لممارسة الألعاب المختلفة إضافة إلى مقصف مدرسي يقدم فطيرة الجبن بالمربى وهو ما لا يتوافر في المنازل الطينية التي يسكنها الطلاب ولا توجد بها دورات مياه كتلك الموجودة في المدرسة، كما تضم المدرسة ساحة لإجراء التطبيقات الخاصة بمادة العلوم من زراعة وإجراء تجارب على مراحل الإنبات وإعداد المربيات من القرع والشمام وهو ما كان غائبا في منازل الطلاب.

وتميزت المدرسة بتفوقها في المسابقات الثقافية على مستوى مدارس المملكة التي كانت سمة من سمات التعليم في العقود الماضية، وكانت المسابقات تجري بنظام التصفيات بين المناطق وكان الفائزون يحصلون على جوائز مادية وعينية أهمها مجموعة من الكتب يتذكر المشاركون فيها أنها روايات ودواوين شعر مثل رواية بين مدينتين لشارلز ديكنز والنظرات والعبرات للمنفلوطي والأجنحة المتكسرة لجبران خليل جبران واستقطبت المدرسة في العقود الماضية مجموعة من خيرة المدرسين ذوي التأهيل الجيد من سعوديين ومن جنسيات عربية لعل أبرزهم السعودي الراحل عبد الله الغرشي معلم اللغة العربية والفلسطيني محمد زكي معلم الرياضيات وعلى السعيد الذي تقاعد من العمل منذ سنوات وهلال زيد الهلال وعبد الرحمن البحيري ومحمد المعثم الحكم السابق وتضم المدرسة حالياً معلمين متميزين منهم ناصر الجديع ومحمد العبود وعبد الله العريفي وخرجت المدرسة طلابا في قسميها النهاري والليلي الكثير منهم يشغلون مناصب قيادية في عدد من القطاعات الحكومية إضافة الى رجال أعمال وأكاديميين وأطباء وصحافيين وإعلاميين وعسكريين من مختلف مناطق السعودية، كما خرجت المدرسة عددا من الفنانين التشكيليين والخطاطين وتحتفظ المدرسة حاليا بعدد من استمارات النجاح والشهادات الخاصة بامتحان شهادة اتمام الدارسة الابتدائية منذ إنشائها قبل أكثر من نصف قرن وحتى منتصف التسعينيات الهجرية وقد طبعت الاستمارات الخاصة بها في مصر في حين حررت شهادات التخرج في مكة المكرمة ثم في الرياض لجميع طلاب السعودية وبعضها حمل توقيع وزير المعارف آنذاك الأمير فهد بن عبد العزيز (الملك الراحل فهد بن عبد العزيز).

وتجاوز عدد طلاب المدرسة في العقود الثلاثة الأولى من إنشائها الألف طالب وكانت المدرسة تحتضن اختبارات شهادة إتمام الدراسة الابتدائية لعدد من مدارس الرياض نظرا لوقوعها وسط المدينة ووجود صالات وقاعات كبيرة لاستيعاب أعداد الطلاب المتقدمين للامتحان من خلال أرقام جلوس متسلسلة على مستوى المملكة.

وكانت المدرسة مثل المدارس في وقتها تعطي أهمية للطابور الصباحي وتحرص إدارة المدرسة على أن يشارك جميع الطلاب فيه دون تأخير بل أن عقابا صارما سيواجه المتأخرين عن حضوره، ويبدأ اليوم الدراسي برفع علم السعودية من قبل الكشافة والأشبال ثم إجراء تحية العلم حيث يقف طالب من كل فصل أمام زملائه ويردد: «تحيا المملكة العربية السعودية، يعيش جلالة الملك المعظم»، والطلاب يرددون ثم يبدأ البرنامج الصباحي للإذاعة المدرسية بإلقاء كلمات متنوعة تحمل مضامين توجيهية ومعلومات جيدة ومسابقات والغازا سريعة في حين أن الإذاعة تبدأ في وقت مبكر ببث آيات من القرآن الكريم بصوت المقرئ عبد الباسط عبد الصمد أو محمد سعيد نور، وفي أحيان كثيرة تلتقط إذاعة المدرسة، إذاعة الرياض ليستمتع الصغار بأغنية الفلاحة لفريد الأطرش أو أغنية وردك يا زارع الورد أو وطني الحبيب لطلال مداح أو أغنية صباح الشوق يا بريدة وغيرها من الأغاني القصيرة التي كانت تبثها إذاعة الرياض في الفترة الصباحية وفي الدقائق التي تسبق نشرة الأخبار الأولى.

ويقول مدير المدرسة الحالي على بن منصور الراجحي أنه تسلم إدارة المدرسة قبل ست سنوات بعد ثلاثة مدراء تعاقبوا عليها وهم: حمد آل الشيخ، سعد الصفيان، جار الله الخطيب مضيفاً بأن إدارة المدرسة ومعلميها الحاليين وجدوا أنفسهم أمام تحد كبير للحفاظ على سمعة المدرسة التي ميزتها طوال العقود الماضية وصولاً لاهداف المدرسة ورسالتها التربوية والتعليمية وهو ما تحقق رغم أن هناك صعوبات كبيرة واجهت الجميع نظرا لأن أغلب طلاب المدرسة حاليا من جنسيات إفريقية غير عربية من تشاد والنيجر ونيجيريا وبوركينا فاسو وعدد محدود من السعوديين والمصريين والسودانيين والمصريين الذين لا يتعدون الـ 20 طالبا من مجموع عدد الطلاب البالغ حاليا 320 طالبا مشيرا إلى أن الصعوبة تكمن في أن أغلب الطلاب لا ينطقون اللغة العربية ويحتاج التفاهم معهم إلى مترجمين كما أن العلاقة بين المنزل والمدرسة شبه مقطوعة كون الآباء يجيدون التحدث بالعربية كما أن الخلفية الاجتماعية والثقافية لأسر الطلاب تضاعف من مسؤولياتنا تجاه الطلاب وتعليمهم خصوصا وأنهم يتحدرون من أسر فقيرة· مضيفا أن التاريخ يعيد نفسه فعندما كان طلاب المدرسة قبل العقود الماضية يأتون إلى المدرسة مشيا على الأقدام فإن طلاب المدرسة الحاليين (60 في المائة منهم من تشاد) يحضرون إلى المدرسة على أقدامهم أيضا نظرا لأنهم يسكنون بالقرب من المدرسة وأغلب آبائهم لا يملكون سيارات.

وذكر الراجحي أن المدرسة وضعت لجانا أهمها لجنة الأمن الفكري لتحقيق جملة من الأهداف بخصوص عدم انحراف الصغار وراء الشعارات واستغلالهم من قبل اصحاب الفكر الضال لافتا في هذا الصدد الى أن المدرسة نظمت رحلات للمواقع المتضررة من العمليات الإرهابية التي شهدتها الرياض وشاهد الطلاب على الطبيعة مسرح الجريمة والأضرار التي خلفها الإرهاب وهو أسلوب أجدى من أساليب الوعظ المباشر.