معرض الكتاب.. غادر الرياض وبقي جدله

بسبب ما أثارته فعالياته الثقافية وتحولها من الهامش إلى المتن

TT

عندما أغلق معرض الرياض الدولي للكتاب أبوابه، مساء الجمعة الماضي، بسبب انتهاء الفترة المحددة له ـ من 22 فبراير (شباط) الماضي إلى 3 مارس (آذار) الجاري، ظنّ الكثير أن رحلة المعرض انتهت عند هذا الحد، استناداً للمعارض السابقة التي كانت تنظم في بعض الجامعات السعودية، لكن الظن خاب هذه المرة، لا سيما بعدما أثارت بعض جلسات «منتدى عكاظ« جدلاً واسعاً، بسبب بعض الشخصيات المشاركة فيه، أو ما طرح فيه من أوراق، وقبل ذلك كله، بعض المداخلات والتعقيبات التي وصفت شخصيات رسمية واجتماعية بجمل لا يليق ذكرها، وأقل ما توصف بأنها «بذيئة» وخارجة عن أدب النقاش أو «الحوار».

غير أن بعض الفضائيات العربية، وكذلك ومعظم منتديات الإنترنت والمواقع الإلكترونية، إلى جانب مساحات واسعة من الرأي في الصحف السعودية وغيرها، ما زالت تتناول معرض الرياض الدولي للكتاب، إما بالكتابة عن ارتفاع سقف حرية المعروض من الكتب، وإما بمناقشة محتوى الفعاليات الثقافية التي أقيمت على هامش المعرض، ذلك الهامش الذي تحول إلى متن، وهذا ما يؤكده التناول الإعلامي لها.

الأحد الماضي ناقش برنامج «الحدث» ـ الذي يبث من الفضائية اللبنانية ـ ملف معرض الرياض الدولي للكتاب، خصوصاً تلك التعقيبات والأحداث التي صاحبت بعض الندوات الثقافية، حيث استضافت مقدمة البرنامج الدكتور محمد النجيمي، وهو الذي اعترف أنه لم يحضر المعرض أو أي من ندواته، لكنه برر بضراوة ما حدث، استناداً الى ما نقله بعض المقربين له، مرجعاً ذلك لسوء تمثيل التيارات الفكرية في المجتمع السعودي، حيث أكد النجيمي في حديثه أن هناك تيارين «إسلامي» و«ليبرالي» في السعودية.

أما الأكاديمية أميرة كشغري، فقد ذكرت بأن معارض الكتاب السابقة في السعودية، مرت دونما أثر، ولم يبق منها في الذاكرة سوى المنع والرقابة، وأضافت أن «روايات مثل «بنات الرياض« و«فسوق« فسحت في آخر يومين للمعرض، حتى وإن ظلت مقلوبة على ظهرها منعاً للإثارة على ما أظن، ومع ذلك لم تكن في منأى عن المتبرعين بالتحريض ضدها».

وأرجعت كشغري سبب ما حدث في بعض الجلسات الثقافية إلى عدم الاعتياد «على مثل هذا المستوى من المكاشفة والحوار، (ولذلك) خرجت بعض الفعاليات عن إطارها الموضوعي، وأدخلتنا في دوائر الاتهام والعنف اللفظي الذي وصل إلى حد التهجم والحكم على النوايا وتغليب سوء الظن».. «حتى اضطررنا إلى فرض طوق أمني مكثف داخل قاعة الفعاليات وخارجها».

غير أن كشغري استدركت في مقالها أن نجاح المعرض يكمن في «إسهامه في الانطلاقة الاجتماعية الواقعية لتعزيز وجود ومشاركة المرأة في المعرض، ولا يقتصر الأمر على مشاركة المرأة في الفعاليات الثقافية المصاحبة، بل في وجود المرأة داخل أروقة المعرض باحثة ومفكرة ومثقفة بسيطة، ووجدت المرأة في المعرض بشكل لافت للنظر من كل الأعمار».

وكتب منصور النقيدان مقالاً عن معرض الكتاب، ذكر فيه أن الشتائم وعبارات التفسيق والتكفير التي انهالت على وزير الإعلام الأسبق محمد عبده يماني، والوزير الحالي إياد أمين مدني، ورئيس هيئة الصحافيين السعوديين تركي السديري «لم تكن حدثاً نادراً في أي تظاهرة ثقافية يتماس فيها إسلاميون متشددون بشخصيات إعلامية، ومفكرين وأدباء سعوديين أو أجانب، شكلوا دائماً هدفاً لفتاوى التكفير وخطب التفسيق».. مضيفاً أنه «قد شهدت (الجنادرية) من قبل، ونواد أدبية سعودية، مثل تلك المواجهات الكلامية، وملاسنات تصل حد التجريح والإهانة، وقد تعرض الأديب المصري محمد إبراهيم أبو سنة، ورئيس جمعية الثقافة والفنون في القصيم علي الخليفة، للضرب قبل سبعة عشر عاماً، حيث حوصر الأخير عند سيارته، وانهالت عليه اللكمات والركلات».

وأكد النقيدان أن ما جرى «يجب ألا يمضي هكذا، وأن الأسماء التي شاركت في الفوضى، وقادت الرعاع الذين تطاولوا بالشتائم والسباب والتكفير والتهديد، يجب أن تقدم إلى القضاء، والمطالبة بتأديبهم وعقابهم على ما حصل، والإصرار على ذلك، وإلا فإن لنا أن نتوقع تكرار ذلك إذا ما ترك الحبل لهم على الغارب، في ظل قناعة تترسخ لديهم أن خصومهم جبناء إباحيون لا مبادئ يؤمنون بها، ولا قيم يستبطنونها، وأنهم يفضلون دائماً الالتصاق بالجدار على أن يواجهوا أفكاراً مدمرة تعيث في البلاد والعباد فساداً».

بينما استعرض الكاتب محمد الهرفي في مقاله بعض الملاحظات عن المعرض، حيث ذكر أن «طريقة لبس العباءة كانت تثار وبكثرة، مع أنها لا تعني شيئاً، إذ الأصل هو الستر بأي طريقة»، وأسف الهرفي حيال ما حصل في بعض الندوات، مضيفاً أنه «لا يتفق مع العقليات التي كنا نتمناها، نادينا بأهمية الحوار وما زلنا ننادي به، لكن كل متحاور يجب أن يحترم الآخر وأن يوصل فكرته بصورة حضارية لائقة، أعتقد أن مديري الندوات كان يجب عليهم أن يكونوا أكثر حرصا على إدارة ندواتهم بصورة جيدة ولو فعلوا ذلك لما احتجنا إلى الاستعانة بآخرين لضبط المحاورين وفرض النظام الذي لم يفرض أصلا».

بينما ذكر عبد الرحمن اللاحم أن «ما حدث في الأنشطة الثقافية للمعرض، يؤكد مقولة بأن التيار المتطرف لن يرضيه أي من التنازلات حتى يعيدها (طلبانية غضّة) وأن يتولوا قيادة الدفة، من دون التعاطي مع أي متغيرات تدور رحاها حولهم وأن يحافظوا على مراكز التأثير في المجتمع».. مضيفاً أن «أبسط ما يمكن أن يقال في ما حدث من مداخلات من قِبل المتشددين في الندوات الثقافية المصاحبة للمعرض، بأنها (كارثة مخجلة) أمام ضيوف كانوا يأملون بأن يروا إرهاصات التحول الثقافي في السعودية»، مشيراً الى أن «عقلية (العنف) ما زالت كأمنة في خطابهم المتشدد حتى وإن تلاعبوا بالألفاظ ومارس بعضهم (التقية) لأن مثل هذه المناسبات تأبى إلا أن تعريهم، وفي الهواء الطلق».