رغم إقرارها رسميا.. عقبات اجتماعية تحول دون امتلاك السعوديات بطاقات شخصية

سيدة: حرمت من حقي في الاكتتاب * أخرى: زوجي أقترض باسمي وأنا من يسدد الدين * قانوني: بصمة العين واليد لتجاوز مخاوف صورة النساء في الهويات

TT

تمنت السيدة «سناء. غ» أن تشارك باسمها في عملية الاكتتاب بالأسهم التي تطرحها البنوك أو عمل محفظة استثمارية، غير أنها تواجه مانعا اجتماعيا يتمثل في رفض والدها السماح لها بذلك كونها لا تمتلك بطاقة شخصية خاصة بها.

وتواجه العديد من السعوديات مثل تلك المعضلات، فعلى الرغم من سماح الجهات الرسمية في المملكة باستخراج البطاقة الشخصية للسعوديات كخطوة اعتبرت احدى مكتسبات المرأة المهمة، إلا أن بعض أولياء الأمور لا يزال يرفضها. وتبين سناء بعض أسباب رفض أولياء الأمور بقولها «والدي يرفض ولا يسمح لي، لأنه يريد أن يشارك هو باسمي واسم كل أفراد العائلة».

وتلخص سناء معاناتها ومثيلاتها ممن يتمنين تحقيق ذاتهن بقولها «كم أصاب بالحسرة عندما يتصرف والدي في أسهمي بعد بيعها، وكأن من حقهم البناء والتفكير للمستقبل في حين أنني لا أملك ذلك الحق كوني لا أملك بطاقة أحوال أستطيع أن أدير بها أموري، وأنا ما أزال استخدم «كرت العائلة» في معاملاتي».

وتستدرك قائلة «عندما أريد أن أضع في رصيدي أي مبلغ لا بد من وجود «كرت العائلة» كإجراء روتيني لا تزال تصر عليه أكثر البنوك».

من جهتها اتهمت منال العاطي، البنوك في دعم اتجاه وصاية الأب والزوج والأخ على معاملات النساء البنكية، وقالت «لقد أصبح من حقي كفتاة سعودية أن استخرج بطاقة أحوال قانونا، ولكن عرفيا واجتماعيا ما زال الأمر كما كان في السابق».

وتورد موضي حمد معاناتها في هذا الصدد بقولها «رفض زوجي استخراج بطاقة أحوال لي ليس له أي مبرر، إلا أنه يريد أن يظل يستخدم اسمي في عمليات الاكتتاب التي يحرمني منها، لكونه الولي ولا شيء آخر، كما أنه أخذ قرضا باسمي، ولا أدري إن كان ينوي تسديده أم لا، وبذلك أنا من سيقع تحت المسائلة من قبل البنك الذي لا يعترف بي إلا «بكرت العائلة»، مبينة بأنه لن يدقق على هذه المسألة إذا أراد المطالبة بالأقساط التي لم يدفعها له زوجها حتى الآن والتي لا تزال متراكمة عليها، مؤكدة بأنها لو كانت تمتلك بطاقة أحوال منذ البداية ما حدث كل هذا.

وتؤيد ذلك من وحي تجربة خاصة «أم أحمد» حيث تؤكد بأنها تدفع الآن أقساط السيارة للبنك بانتظام، مع أن زوجها هو المستفيد، وقالت إنها لم تكن راضية عن أخذه القرض، لكنها فوجئت باتصالات من البنك تدعوها إلى ضرورة التسديد، فبدأت بالتسديد وهي حتى الآن لا تعلم كيف تم أخذ القرض باسمها دون أن تعلم، وناشدت صناع القرار إلى ضرورة التدخل والمساهمة الفعالة في هذه المشكلة، ومحاسبة كل متلاعب داخل البنك يسهل مثل هذه العمليات نظير عمولة أو غيرها.

وتتعجب بدرية المطيري من أحقية المرأة المطلقة في الحصول على بطاقة أحوال لإثبات هويتها فقط، مع أنها لا تستفيد منها إلا بما يوافق عليه وليها، وإن كان أصغر منها سنا، حينما يكون الأخ هو الولي مثلا، ويمنعها من أي استخدام آخر غير ذلك الإثبات للهوية والانتماء للأسرة، كون الرقابة الاجتماعية عليها كمطلقة تمنعها من استخدامها لأي غرض آخر. وشددت على أن لكل قاعدة شواذاً ولكنها جدا قليلة، ولا تكاد تذكر، في حين تظل العزباء التي لا تكون عليها تلك القيود بشكل كبير، مرفوض اقتناؤها للبطاقة الشخصية لمطامع لن تنتهي، حتى وإن تزوجت، فالزوج سيرثها كاسم في «كرت العائلة» يتاجر به ويقترض به.

فيما ترى فدوى الحسن أن ذريعة وجود صورة المرأة ـ عزباء كانت أو متزوجة ـ على البطاقة الشخصية يجعل أي امرأة تطالب باستخراج بطاقة أحوال تواجه مشكلة الصدام العائلي، حول جواز الصورة من عدمه أو الدخول إلى مفاهيم العيب، ما يعني فشل النقاش مسبقا وكأنه كان أمرا مقصودا من قبل صناع القرار الذين تركوا الأمر مرتبطا برغبة المرأة وحاجتها للبطاقة من عدمه وتحت شرعية فكر الولي، مؤكدة بأنه لا تفسير آخر لذلك طالما أن صناع القرار أدرى الناس بكيفية تفكير المجتمع السعودي، خصوصا الرجال منهم، لذا فهي تتوقع ان تظل المرأة بلا أي حماية قانونية.

وتطمح شهد الحازمي إلى استخراج بطاقة أحوال في أسرع وقت ممكن كي تستقل ماديا نافية أن يكون هذا الاستقلال مخالفا للشرع أو للولي، مؤكدة على أن ذلك من شأنه أن يضمن لها حقها المادي في إلزام البنك بالتعامل معها هي فقط دون غيرها، وأن ما يتم من عمليات مخالفة بعد ذلك تتم محاسبة الموظف المقصر في البنك، وطالبت إلزام ولي المرأة من قبل الدولة باستخراج بطاقة أحوال لها، مستبعدة أن يحدث ذلك بالتراضي كون الإلزام سيزيل الحرج لدى بعض أولياء الأمور، الذين يتحرجون من الإقدام على هذه الخطوة خوفا من نظرة قاصرة من المجتمع.

وأضافت «إنني أعرف رب أسرة قام باستخراج بطاقات لبناته، لكنه رفض تسليمها لهن إلا عندما يكون معهن خوفا على بناته من التفسيرات السيئة التي قد يتعرضن لها من قبل المجتمع كما أنه إذا سأله أحد عن ذلك أنكر بالرغم من قناعته بأهميتها».

وتستنكر د. هناء المطلق أستاذة علم النفس بجامعة الملك سعود ورئيسة قسم العنف الأسري بالجمعية الوطنية لحقوق الإنسان ما يحدث قائلة «لا يمكن أن يبقى أي إنسان بهذه الدنيا بدون هوية، لأننا بذلك نسمح للغش بالتفشي وبمختلف الطرق». وتشدد على أهمية «الإسراع في عملية استخراج بطاقة أحوال للمرأة مع ضرورة إنزال اسمها من كرت العائلة بشكل إلزامي» معللة ذلك بــ «أن ذلك من شأنه أن يلغي حق الولي الشرعي بالمساس بحقوق المرأة». متوقعة أن «يساهم هذا في التقليل من عدد الضحايا، كما أنه سيسهم بشكل فاعل في حل كثير من المشاكل التي تعاني منها المرأة المطلقة وأبناؤها لا سيما إن كانوا إناثا».

وتسرد قصة امرأة لها 8 بنات كبار هجرهن والدهن منذ 11 سنة ما زلن ينتظرن حل كثير من مشاكلهن فلا كرت للعائلة معهن ولا بطاقة أحوال، مناشدة صناع القرار إلى ضرورة البت في قضية هوية المرأة بشكل إلزامي وفاعل لإنقاذ ما يمكن إنقاذه.

وتقول أريج عبد العزيز السليمان مديرة المنطقة الوسطى لمصرف الراجحي إنه من المستحيل تنفيذ طلب قرض للعميلة دون حضورها شخصيا ـ تطبيقا لنظام اعرف عميلك ـ فلا يمكن تنفيذ أي طلب مصرفي إلا بوجود بطاقة الهوية للعميلة، التي صدرت حديثا من الأحوال المدنية أو دفتر العائلة الأصل مع ضرورة وجود المعرف، وذلك حفاظا على حقوق المرأة.

وتؤكد أن بطاقة الأحوال المدنية تمكن المرأة من إنهاء جميع إجراءاتها المصرفية بدون الاعتماد على حضور المعرف، مشددة على أنه من النظام عدم تنفيذ الطلبات للقروض إلا في أقسام نسائية ومن النادر وجود طلبات يتم تنفيذها من قبل الأقسام الرجالية، وإن حصل فيجب حضورها شخصيا مع ضرورة المعرف في تلك الحالة.

وتضيف أريج السليمان: إننا بالبنك حريصون كل الحرص على عميلاتنا ودائما ما نقترح عليهن استخراج البطاقة الشخصية لتسهيل أمورهن البنكية وحفظ حقوقهن.

وتشير بإصبع الاتهام للمرأة بشكل محدد فاطمة الريمي مديرة فرع بنك الراجحي بحي طويق، بقولها: «نحن في البنوك لا حاجة لنا بالرجل كأقسام نسائية طالما كانت العميلة تحمل بطاقة أحوال، وأنا كمسؤولة دائما ما أنصح العميلات بالمبادرة لاستخراج بطاقات أحوال لكنهن إما يعانين من رفض داخل حدود الأسرة مع أن ذلك حق مشروع لهن كفله الدين للمرأة كما تحرص الحكومة عليه، أو أنهن لسنا مقتنعات بجدوى البطاقة وتلك هي المشكلة نافية بذلك أن يكون البنك أو الرجل هو من يفرّط في حقوق المرأة المالية أو أن المرأة هي دائما الضحية».

من جانبه يرى المحامي محمد العريفي بأن حصول المرأة على بطاقة أحوال شخصية بات أمرا ضروريا وذلك لاعتبارات كثيرة ذكر منها «التعامل في العمليات المصرفية»، فمثلا في عملية الأسهم قد يقوم الزوج باستغلال اسم زوجته الموجود بدفتر العائلة ويساهم باسمها وغالبا يبيع بدون علمها أو إذنها، وقد يكون ضد رغبتها، حيث إن بعضهن لا يرضين بالمساهمة في بعض الشركات التي يرين أنها ربوية، أو قد تكون ترغب بالاستفادة من اسمها ومساعدة والدها أو المتاجرة بها، أو قد تكون مطلقة حديثا ولم يسقط اسمها من دفتر العائلة، وجميع ما سبق من حقها هي وليس له الحق في الاستغلال ومصادرة إرادتها وإلغاء شخصيتها الاعتبارية وتهميشها وإلغاء حق قد أعطاه الله سبحانه إياها وهو حق المتاجرة والبيع والشراء، وهو من الناحية الشرعية ليس وصيا ولا وليا عليها.

ويضيف «الميزة الوحيدة التي ميز الله الرجل على المرأة هو حق القوامة، والتي لها حدود وضوابط شرعية وأركان وواجبات وشروط معروفة وليس من ضمنها الاستيلاء على أموالها إطلاقا أو منعها من البيع أو الشراء الحلال أو استغلالها تجاريا مثل إرغامها على العمل أو استغلال اسمها فرضا عليها أو بدون علمها والحل من ـ وجهة نظره ـ يتمثل في حصول المرأة على بطاقة أحوال شخصية بشكل إلزامي».

وأشار إلى إحدى القضايا الأخلاقية «والتي يقوم فيها بعض الرجال الأشقياء باستغلال دفتر العائلة لدى الفنادق بغرض الخلوة بإمرأة أجنبية، وهذا واقع يجب ألا ننكره لكن لا يرقى إلى ظاهرة». معتبرا أن «الحديث عن المشاكل عقيم وسمج إذا لم يقترن بحلول، والحل هنا بحصول المرأة على بطاقة أحوال شخصية، وإلزام الزوج بإحضار صورة عقد النكاح لمطابقة اسم الزوجة مع صاحبة البطاقة لدى استقبال الفندق، وأرى تطبيق ذلك فقط في حالة عدم اصطحاب الزوج للأولاد».

وأكد على ضرورة «استخدام بطاقة الأحوال الشخصية للمرأة لدى نقاط التفتيش الأمنية ولدى القاضي وكاتب العدل لعمل الوكالات وغيرها».

وأضاف «إن وجود بطاقة الأحوال الشخصية مع المرأة أمر ضروري لكن لا يستفاد منه حتى الآن، فهناك العقبة التي تمنع ذلك وهي صعوبة التحقق من وجه المرأة ومطابقته مع الصورة التي على البطاقة أمام القاضي أو رجل الأمن أو كاتب العدل، فيقوم بتكليفها بإحضار معرفين لها، وذلك فيه مشقة عليها وعلى المعرفين، حيث إن ذلك يكون خلال وقت العمل الرسمي والكل مشغول بعمله، إضافة إلى أن بعض النساء ليس لهن أقارب من الدرجة الأولى مثل إخوان أو أخوال أو أعمام، فتضطر إلى الطلب من أبناء العم أو أبناء الخال فيحدث حوار بينهم وحديث قد يجلب الفتنة، وقد تكون المرأة أجنبية ليس لها أقارب، إضافة إلى أنها قد تكون ترغب بالتوكيل لشكوى أخيها أو زوجها وهي بالكاد تحصل على فرصة للحضور لكتابة العدل فكيف لها بإحضار معرفين».

واقترح العريفي حلا لذلك بأن «أن نحدث وظائف نسائية لمطابقة وجه المرأة مع صورتها بالبطاقة وذلك بالمحاكم وكتابة العدل والنقاط الأمنية على غرار ما هو معمول به في المطارات».

وأكد على ضرورة أن يثار هذا الموضوع ويعرض على مجمع الفقه الإسلامي أو اللجنة الدائمة للإفتاء، للنظر في الحكم الشرعي في جواز أو عدم جواز رؤية القاضي أو كاتب العدل أو رجل الأمن لوجه المرأة، إذا كان ذلك ضروريا، انطلاقا من القاعدة الشرعية، الضرورات تبيح المحظورات، على قدر الحاجة، قياسا على رؤية الطبيب لوجه المرأة للضرورة. وما يفتي به العلماء يكتسب صيغة القطيعة.

ويرى أن الاستغناء عن وجود الصورة في بطاقة الأحوال الشخصية تماما للتحقق من الشخصية أمر عقيم بالنسبة للمرأة والرجل، فبالنسبة للرجل يوجد أشخاص متشابهون وآخرون متطابقون، وكذلك توجد عمليات جراحية تجميلية وتنكرية، ويوجد مجرمين محترفين، ويوجد أقنعة مصنعة من مواد الجلاتين والبلاستيك وغيرهما لعمل أي وجه مطلوب التنكر به. وطرح المحامي العريفي طرقا أخرى وصفها بــ «الأدق والأسهل وتجنب الحرج لرؤية وجه المرأة وكذلك للقضاء على حيل المجرمين باستخدام بصمة العين واستخدام بصمة الأصبع، وهذا الحل هو حل فني بحت، ولكن ليس مستحيلا إنما الصعوبة فيه هي: أين نجد من يبادر بدراسته؟».

وأضاف «يبقى الحل الفني هو أن نقوم بتخزين معلومات بصمة الأصبع وبصمة العين بالشريط الموجود ببطاقة الأحوال الشخصية، مع العلم أنها قابلة لخزن جميع المعلومات الخاصة بالشخص خاصة المعلومات الطبية، حيث إن بعض الأشخاص لديهم أكثر من ثلاثين أو أربعين ملفا طبيا بالمستشفيات بمختلف المدن وكذلك نستطيع أن نخزن معلومات المرور والجوازات والجمارك والتعليم والشرطة والبلدية والهاتف والمعلومات البنكية ويكون لكل نوع رقم سري لدى الجهة صاحبة العلاقة، لكن هنا وبحكم الموضوع الذي نتحدث عنه نتطرق إلى إضافة معلومات بصمة الأصبع وإضافة معلومات بصمة العين وحذف صورة المرأة وتزويد جميع النقاط الأمنية والجهات ذات العلاقة لجهاز فك شفرة البطاقة الشخصية، مقرونا بجهاز قراءة بصمة العين وبصمة الأصبع ومطابقتها مع ما بداخل البطاقة. ونحن بالمملكة فعلا نحتاج إلى بطاقة بدون صورة للحرج الدائر حول كشف وجه المرأة».وتابع «وجود أشخاص كثيرين متشابهين بالصورة وكذلك أشخاص متشابهين بالصورة وأشخاص متطابقين من التوأم، كما أن هناك عمليات جراحية لتغيير الشكل ويعلمها المجرمون المحترفون إضافة إلى وجود أقنعة للوجه مصنوعة من جلاتين وبلاستيك وغيرهما تطابق شخصية أخرى بنسبة 99 بالمائة تقريبا وهي تعمل في الخارج على حسب طلب الشخص».