«وادي حنيفة».. جرح مائي في خد الرياض

الأمير سلمان يقترب من علاجه بـ 360 مليون ريال

TT

يخترق التاريخ السعودي من الشمال الغربي إلى الجنوب الشرقي، ويمر بعاصمتي الدول السعودية الثلاث، بطول يبلغ 120كيلومتراً، وعمر يتجاوز آلاف الأعوام، ويحمل في كنفه مزارع من نخيل وبيوت من طين، تجري من تحتها مياه قادمة من أربعة آلاف كيلومتر مربع، وله من الأبناء أكثر من 40 «وايا» و«شعبا»، صورته من أعلى تشبه غصن زيتون أخضر، ينام في كف العاصمة السعودية.

إنه «وادي حنيفة»، ذلك الجرح المائي الذي ما كاد يندمل، لولا تعهد ورعاية أمير الرياض له منذ أكثر من عقدين من الزمان، حيث وجه الأمير سلمان بن عبد العزيز بنقل الكسّارات ـ أماكن لتفتيت الصخور ـ وأنشطة نقل التربة من محيط الوادي، وتكثيف مراقبة الوادي للحد من الأنشطة المخلة ببيئته، والحد من التعديات على مجاري السيول والأراضي العامة في منطقة الوادي.

ثم كلف أمير الرياض بتشخيص حالة وادي حنيفة بشكل دقيق، ووضعت على أساسها استراتيجية لتنميته وتطويره من قبل «الهيئة العليا لتطوير مدينة الرياض» في 1987، توجت بإقرار استراتيجية شاملة لتطويره بشكل نموذجي ومثالي في 1995، حيث حازت هذه الاستراتيجية جائزة مركز المياه بـ «واشنطن»، كأفضل خطة لتطوير مصادر المياه على مستوى العالم، من بين 75 مشروعاً قدمت من 21 دولة، بعد أن اعتبرت لجنة التحكيم هذا المشروع بادرة رائدة في المخططات الشاملة، ومشروعا عالميا وضع بمعايير عالمية جديدة.

وفي 1999 شكل أمير الرياض لجنة خاصة لإعداد مشروع موحد لتطوير الوادي حنيفة، لوقف التدهور البيئي للوادي، والعمل على المحافظة على موارده وتنميتها، وكانت وصفة علاجه ـ كلفت 360 مليون ريال ـ قد شملت تنظيف وتهذيب القناة المائية، ومعالجة وضع خطوط المرافق العامة وشبكة الطرق، وإعادة استعمالات المياه ونظم توزيعها، والتخطيط لإقامة نظام ترويحي، وترميم وتحسين المنشآت التراثية، وتحديد عرض بطن الوادي الرئيسي، والأودية الفرعية، ومجرى المياه، ومعالجة المخططات غير المطورة خلف شعاب الوادي وحوافه، وتنمية القطاع الزراعي فنياً وإدارياً، إلى جانب إنشاء محطات مراقبة ثابتة، وتسوير الأراضي العامة ومناطق الحماية البيئية، وتنفيذ مشاريع لتنقية المياه بالوسائل الطبيعية، وإنشاء نماذج للجيوب الترويحية، وإنشاء مجموعة من نقاط المشاهدة، وممرات المشاة، وتنسيق المواقع على الوادي، وإنشاء طريق رئيسي في الوادي، وطرق مرصوفة للأودية الفرعية، وطرق تتصل بالجيوب الترويحية لإعادة الغطاء النباتي، وتنفيذ مشروع التشجير.

وتزأمن مع مرحلة علاج الوادي، منع قيام أنشطة صناعية جديدة في الوادي، عدا الحرف اليدوية، والعمل على نقل الأنشطة الصناعية القائمة حالياً خارج الوادي، وإلزام القائم منها بالمعايير البيئية المتعارف عليها إلى حين يتم نقلها، والحد ما أمكن من إنشاء خطوط جديدة للمرافق العامة الأرضية والهوائية العابرة للوادي، وتجنب مجاري السيول عندما تقتضي الضرورة، عند إنشاء مثل هذه الخطوط، وحظر رمي مخلفات البناء والنفايات فيه.

وبين الفينة والأخرى، يعود أمير الرياض وادي حنيفة، ويقف على مراحل علاجه وتأهيله شخصياً، واليوم تماثل الوادي للشفاء بنسبة فاقت الـ70 في المائة، ولم يبق سوى برهة من الزمن، ليتحول «حنيفة» من «واد» إلى متنزه عام كبير للعاصمة السعودية، من خلال تشجير بطنه، وتوفير ممرات المشاة على طول الوادي والمصليات، وإنشاء المتنزهات العامة في مناطق مختلفة من الوادي واستغلال مجرى المياه الدائمة لأغراض الترويح والنزهة وتحويل منطقة البحيرات جنوب الوادي إلى مناطق ترويحية كبرى.