جمعية حقوق الإنسان: الشرطة كانت على علم مسبق بتعذيب غصون

طفلة التسع سنوات استمرار حبس والدها وزوجته على ذمة التحقيق

TT

أعادت جريمة قتل الطفلة «غصون» (9 سنوات)، والتي وقعت قبل أيام بمكة المكرمة، إلى الأذهان عددا من قصص العنف ضد الأطفال، والتي عانى منها، وراح ضحيتها أطفال أبرياء في الآونة الأخيرة.

وكانت الطفلة قضت جراء التعذيب المستمر على يد والدها، طوال فترة عام هي كل المدة الزمنية التي عاشتها تحت وصايته، حيث إن الوالد قام بتطليق زوجته أثناء حملها بـ «غصون»، وظلت طوال 9 سنوات في عهدة والدتها، إلى أن أخذها للعيش معه قبل عام بأمر صادر عن المحكمة الشرعية.

وعلمت «الشرق الأوسط» من مصادر خاصة بأن تقرير الطب الشرعي أثبت بأن الطفلة تعرضت للتعذيب المستمر طوال فترة طويلة، وتظهر على جسدها، آثار الحروق، والضرب، وسكب الكيروسين، والقيود الحديدية، التي كانت تقيد بها لفترات طويلة، كما أن الأب الذي لا يتجاوز مؤهله التعليمي الصف الثاني المتوسط، منع الطفلة من الذهاب إلى المدرسة، بحجة أنها «متخلفة عقلياً»، في الوقت الذي كانت طوال فترة دراستها من المتفوقات في المدرسة، كما أكدت المصادر بأن الأب اعترف بقيامه بضرب ابنته وتعذيبها بمساعدة زوجته الثانية التي لا تزال موقوفة بدار الفتيات بمكة للتحقيق معها حول الدور الذي لعبته في عملية التعذيب؛ فيما لا يزال الأب (32 عاماً) موقوفا لدى مركز شرطة المنصور بمكة المكرمة. فرع جمعية حقوق الإنسان بمنطقة مكة المكرمة، ممثل برئيسة لجنة الأسرة، الجوهرة العنقري، أبدى عزمه على متابعة القضية، وقالت العنقري «للأسف لم نكن على علم بالقضية، لكننا سنتابعها، خاصة وأن المسألة كما عرفنا، ليست مسألة عنف عابر، وإنما جريمة متكاملة».

وأضافت «المعلومات التي حصلنا عليها أكدت أنه تم طلب الحماية من الشرطة، وتحذيرهم بأن هناك طفلة صغيرة تتعرض للعنف، وللأسف فإن هذه الجريمة تؤكد ما نقوله دائماً عن أهمية الحماية، وعلى الجهة الأولى التي تستقبل الشكاوى وهي الشرطة، أن تأخذ كل حالة عنف بجدية قصوى، خاصة عندما يكون الذي يمارس العنف، أو يهدد هو الأب، فعلى الرغم من أنه قد لا يتبادر إلى ذهنهم أنه يمكن أن يتمادى إلى حد قتل فلذة كبده، لكننا نصر دائماً على أن لا تعاد الضحية للمُعنف حتى لو كان الأب، لأن المعنف من هذا النوع، قد ينتهي به الأمر إلى القتل، وأكثر من قضية أثبتت هذا».

وقالت «نطالب وبشدة بتطبيق مفهوم الحماية، وتطبيق العقوبات الرادعة منذ البداية، فلا يكفي أن يوقع المعنف تعهداً، وكما نقول دائماً، لدينا مؤشر عال للعنف، ونرى ضرورة اتخاذ الإجراءات التي تحد من الظاهرة، وأولها أن يعلم كل مُعنِف بأنه ستنفذ بحقه أقسى الإجراءات القانونية، فالمجرمون من هذا النوع يجب أن توقع بهم أقصى العقوبات لردعهم، أسوة بمروجي المخدرات الذين تتخذ بحقهم عقوبة الإعدام، فمن أمن العقوبة أساء الأدب».

أستاذ علم الاجتماع بجامعة الملك سعود بالرياض، الدكتور عبد الله اليوسف، شكك بسلامة عقل الأب، وعزاها إلى إدمان المخدرات أو المشكلات النفسية العميقة، وأضاف «هناك عدة تفسيرات، لكن من الثابت أن هذا السلوك إجرامي وغير مقبول، ولا يدل على شخصية سوية أبداً، وأكاد أجزم بأن هذا الشخص يعاني من أزمات نفسية أدت في المحصلة إلى هذا السلوك، وهذا ليس تبريراً لتصرفه بقدر ما هو تقرير للواقع». وتابع «الحالات التي تتسم بهذا الجانب من العنف نعزوها في الأغلب إلى إدمان المخدرات، أو مشكلات نفسية عميقة، لكن السؤال الذي يطرح نفسه هنا هو لماذا ظلت الأسرة تشاهد الوضع، من دون تدخل إلى أن وصل الأمر إلى هذه النتيجة المفجعة؟».

واستطرد قائلاً «التساؤل الحقيقي الذي يجب أن نواجه به أنفسنا هو: هل وصلنا إلى مرحلة التفكك، لدرجة أن لا يوجد من يتدخل لمنع المجرم، أو يوقفه عند حده، وأين كانت الأسرة، والأصدقاء، والجيران من كل هذا؟». وشدد اليوسف على ضرورة تصحيح الدور الذي يلعبه الإعلام في مثل هذه القضايا بقوله «للأسف نرى أن بعض الطروحات الإعلامية، «تطبل، وتغني على إيقاع هذه الجرائم المؤلمة والمأساوية، بدلاً من أن تكون دافعاً لها لتكثيف التوعية حول تفشي العنف، وأسبابه وطرق الوقاية منه، يجب أن نقرأ الأرقام الحقيقية لمؤشرات العنف في المجتمع، وأن نفعل كل مؤسساته لمواجهتها».

وأعطى اليوسف أهمية كبرى للوقاية، وقال «يهمني التحدث عن الوقاية من السلوك الإجرامي، والعنف هو أحد أشكاله، ونحن بحاجة لامتلاك روح المبادرة للوقاية عبر برامج مدروسة لاجتثاث هذه الظواهر والتقليل منها، بدلا من أن تكون أفعالنا عبارة عن ردود فعل لها»؛ وتابع «يجب أن ننظر إلى الأسرة والمجتمع المحيط بها على أنها إحدى أهم شبكات الأمان لمنع وقوع هذه الجرائم، ومن الغريب حقاً، أن تموت طفلة في مجتمع يفترض به أن يكون مترابطاً كمجتمعنا، دون تدخل من أحد».