صيغ الزواج في المجتمعات الإسلامية.. حكاية لن تنتهي

سعودية: قنبلة المجمع الفقهي أشد فتكا من قنبلة إيران > مأذون: تحليل «المسيار» سيزيد من الاقبال عليه

TT

أصدر المجمع الفقهي الإسلامي، التابع لرابطة العالم الإسلامي، في دورته الثامنة عشرة، والتي عقدت في الفترة 8 ـ 12 إبريل (نيسان) الحالي، بمقر الأمانة العامة للرابطة في مكة المكرمة، عدداً من القرارات والتوصيات بعد مناقشتها في الدورة، من خلال البحوث المقدمة، ومن ذلك ما يتعلق بعقود الزواج المستحدثة، كالزواج بشرط الطلاق، والزواج المؤقت، ونكاح السر، والزواج العرفي، وزواج الأصدقاء (الفرند)، والزواج المدني، والزواج بالتجربة.

وأولى صيغ الزواج التي أصدر فيها المجمع الفقهي فتوى بجوازه، زواج «المسيار» أو ما شابهه، شريطة أن يتوافر فيه أركان الزواج وشروطه وخلوه من الموانع، واستدرك المجمع أن هذا الزواج «خلاف الأولى»، ويعتبر زواج «المسيار» إبرام عقد زواج، تتنازل فيه المرأة عن السكن والنفقة والقَسْم أو بعض منها، وترضى بأن يأتي الرجل إلى دارها في أي وقت شاء من ليل أو نهار، ويتناول ذلك أيضاً، إبرام عقد زواج على أن تظل الفتاة في بيت أهلها، ثم يلتقيان متى رغبا في بيت أهلها، أو في أي مكان آخر، حيث لا يتوافر سكن لهما ولا نفقة.

ثم حكم المجمع الفقهي بفساد صيغة الزواج المؤقت بالإنجاب، وهو عقد مكتمل الأركان والشروط، إلا أن أحد العاقدين يشترط في العقد، أنه إذا أنجبت المرأة فلا نكاح بينهما، أو أن يطلقها، وسبب فساد صيغة هذا الزواج، وجود معنى المتعة فيه، لأن التوقيت بمدة معلومة كشهر، أو مجهولة كالإنجاب، يحول هذا الزواج إلى زواج المتعة، والذي أجمع على تحريمه سلفاً.

فيما منع المجمع صيغة الزواج بنية الطلاق، على الرغم من أن جماعة من العلماء أجازوه، إلا أن المجمع يرى منعه لاشتماله على الغش والتدليس، إذ لو علمت المرأة أو وليها بذلك، لم يقبلا هذا العقد، ولأنه يؤدي إلى مفاسد عظيمة وأضرار جسيمة، تسيئ إلى سمعة المسلمين، وصيغة الزواج بنية الطلاق، أنه زواج توافرت فيه أركان النكاح وشروطه، وأضمر الزوج في نفسه طلاق المرأة بعد مدة معلومة كعشرة أيام، أو مجهولة كتعليق الزواج على إتمام دراسته، أو تحقيق الغرض الذي قدم من أجله.

وقبل اصدار الفتاوى السابقة، قدم أعضاء المجمع الفقهي تعريفات لأنواع الزواج التي عرضتها البحوث، مع بيان الفروق التي بينها، ومناقشة الحكم الشرعي لكل منها، وتوصلوا إلى فتاوى أدرجت ضمن القرارات والتوصيات التي أصدرها المجمع.

كما أطلق أعضاء المجمع تحذيراً للمجتمع الإسلامي حول قضايا الزواج، والتي اعتبروها من أخطر منافذ المعصية والسخط الإلهي، لا سيما إذا ظن الزوجان أن علاقتهما مشروعة، وأن ذريتهما طيبة، من خلال الاعتماد على الهوى الشخصي أو الجهل بأحكام الشريعة، أو الأخذ بفتوى خاطئة، لأن قضايا الزواج مبنية على الورع والاحتياط، حتى لا يتسرب الحرام إلى مؤسسة الزواج.

وأوضحت البحوث المقدمة في قضايا الزواج، أنه يشترط لصحة الزواج عدد من الشروط، وهي أن لا تكون المرأة محرمة على الرجل تحريماً مؤقتاً، كأخت المطلقة في العدة، أو تحريماً فيه شبهة، كالمطلقة ثلاثاً ما دامت في العدة، وأن تكون صيغة الإيجاب والقبول مؤبدة غير مؤقتة، ووجود الشهادة من شاهدين عدلين، والرضا والاختيار من العاقدين، بالإضافة إلى الشروط التي نص عليها الفقهاء، كما أكد المجمع أن عقود الزواج المستحدثة، وإن اختلفت أسماؤها وأوصافها وصورها، لابد أن تخضع لقواعد الشريعة المقررة وضوابطها، من توافر الأركان والشروط وانتفاء الموانع.

في المقابل، اتصلت بـ«الشرق الأوسط» امرأة سعودية متزوجة، تكني نفسها بأم منى، وهي حديثة زواج، تبدي اعتراضها على عنوان الصحيفة في عدد أمس، «المجمع الفقهي: زواج المسيار جائز»، وذكرت بأن المجمع الفقهي يسعى إلى زعزعة استقرار الأسر، مضيفة أنه كان من الأجدر بالمجمع الفقهي أن يناقشوا موضوع انتشار الطلاق في أوساط المجتمعات الإسلامية، مشيرة إلى أن المطلقات في السعودية يعشن على المساعدات التي تقدمها الجمعيات الخيرية لهن.

واعتبرت أم منى أن قنبلة المجمع الفقهي أشد فتكا من قنبلة ايران، مشيرة، إلى أن الرجال ـ بالمعنى الحقيقي للكلمة ـ في هذا الزمن نادرون جداً، والظروف الاقتصادية قاهرة، ومتطلبات الحياة أصبحت مكلفة، حتى تطورت أيضا مسميات الزواج، فأصبح زواجاً بلا نفقة ولا أبناء ولا سكن، فقط للتمتع وإشباع الحاجة، وذلك كله بهدف محاربة»الفاحشة»، ولكن ماذا عن استقرار الأسر واستمرار الزواج والتربية الصحية للأبناء.

وعلى أرض الواقع، وخارج أروقة المجمع الفقهي الإسلامي، دخلت المجتمعات الإسلامية في دوائر جدل عديدة حول صيغ الزواج، التي أوجدتها يوميات الناس، أو بعض الظروف الاقتصادية أو الاجتماعية، ثم انتشرت هذه الصيغ الزواجية في مختلف الدول والأقليات الإسلامية، وبدأ العوام في السؤال عنها لدى المتصدين للفتاوى، سواءاً أفراد أو هيئات، وتباينت حولها الاجتهادات، ما جعلها تدرج بشكل عاجل في أجندة أعمال المجمع الفقهي في دورته الـ18.

وعلى الرغم من محاولة المجمع الفقهي لتناول صيغ الزواج الجديدة، إلا أن التحولات الاجتماعية والظروف المتغيرة، تظهر في كل فترة سلوكيات جديدة، حتى في شؤون الزواج، حيث برز في الآونة الأخيرة زواج «المصياف»، والذي يجمع بين صيغتي «المسيار» و«المتعة»، فما أن يحين موعد العطلات الصيفية، حتى يتبدل مصطلح «المسيار» إلى «مصياف»، ولا يمكن تمييزه إلا من خلال اشتراطات المتقدمين للزواج، حيث لاقى إقبالا خليجياً، من الرجال والنساء على حد سواء.

وذكرت حنان 28 عاماً، إحدى من تزوجن بصيغة الزواج بشرط عدم الإنجاب، أن مواصفات الزوجة الثانية هي مواصفات السكرتيرة، إذ لابد أن تكون ذات مقاييس جمالية رفيعة، وإجادتها للغة الانجليزية، إلى جانب تمتعها بثقافة جيدة، والأهم من ذلك كله، اشتراط عدم الإنجاب، مضيفة أنه «ما أن تبدأ مناداة الزوجة بتوفير حقها الشرعي من السكنى، وتمل السفر المتقطع سواء في الصيف أو خلال العام، حتى تجد ورقة طلاقها مرسلة عبر شق باب المنزل».

فيما رأى سعيد القحطاني، مأذون أنكحة، أن خروج المجمع الفقهي بتحليل زواج «المسيار» سيزيد من حجم زيجات هذه الصيغة، على الرغم من وجودها في المجتمع السعودي منذ فترة، ولكن هذا الوضع سيثير حفيظة النساء المتزوجات، خوفاً من الزواج عليهن بهذه الصيغة، مؤكداً أنه لم يدخل في توثيق زواج «المسيار»، ولن يدخل في ذلك مستقبلاً، حتى بعد تمريره في المجمع الفقهي. وكان سعي المرأة و بالأخص سيدة الأعمال، خلف عريس زواج «المصياف» له بعدا آخر، وهو البحث عن محرم، تتمكن من خلاله السفر إلى أي جهة تريدها، دون فرض أية قيود عليها، ولا إشكالية في أن يصغرها سنا بعدة أعوام وإنما قد يكون متطلبا في حالات أخر.

وتحت شعار «الحلال» تم استنساخ عقود زواج مختلفة، إما لإشباع رغبات وحاجات متنوعة، أو استجابة لقيود يفرضها المجتمع، فالمهم أن لا يكون مؤقتاً بزمن معين، ومع إشهاره، ووجود الولي، والصداق.

واشتهر زواج «المسيار»، وهو الأكثر رواجا في المجتمع الخليجي في الوقت الحالي، كونه زواج مستكمل للشروط الشرعية، من حيث الإعلان ووجود ولي، كما أنه غير محدد بزمن، إلا أن الفارق ما بينه وبين النكاح المعتاد، هو تنازل المرأة عن بعض حقوقها الشرعية كالمبيت والنفقة.

وقد أطلق عليه بعض رجال الدين في السعودية أخيرا لفظا آخر، وهو الزواج «الميسر»، عله يكون سببا في تقديم الدعم اللازم له، وعدم الخجل من الاعتراف بهذا الزواج أمام الجمهور، حيث ـ وكما برر بعض رجال الدين في إحدى المقابلات التليفزيونية ـ أن التيسير في عدم مقدرة الزوج من تطبيق مبدأ «العدل» ما بين الزوجتين، ونادت أصوات بافتتاح أقسام في المحاكم الشرعية؛ لاستقبال حالات زواج «المسيار» في أوساط المجتمع.

أما زواج (الفرند) فانتشر في المجتمع المصري، و بالأخص ما بين أوساط الشباب في الجامعات، وهو ما تسقط فيه الزوجة حقها في المبيت والنفقة في معظم الأوقات، وتطالب الزوج بسكن مستقل أو نفقة مستمرة إلى حين اللقاء، وهذا ما كان سببا في تشبيهه بزواج «المسيار» أو «الميسر» بحسب بعض الأشخاص.

وعرف هذا الزواج في الأوساط اليمنية، بعد أن حلله الشيخ عبد المجيد الزنداني للشباب المغترب فقط، وتكمن اشكاليته ورفض بعض الناس له، كون الشهود على مثل هذا الزواج عادة ما يكونوا من بين رفقاء العريسين من الأوساط الجامعية دون علم الوالدين.

أما زواج «المتعة» والذي يقصد فيه الطرفان الاستمتاع الجسدي بينهما لفترة محددة من الزمان، يتم الاتفاق عليها مقابل أجر معين، أجمع عدد كبير من العلماء على تحريمه، لاعتباره بمثابة «الزنا».

ولقي الزواج بنية الطلاق، أيضا، إقبالا متزايدا بعد أن حلله وأباحه جموع كبيرة من العلماء، رغم عودة البعض منهم، وتبديل فتوى إباحته، للآثار السلبية التي ترتبت عليه. فكان المعني بهذا الزواج الشباب المغترب، حيث أبيح له الاقتران بإحدى الفتيات سواء أكانت مسلمة أو غير ذلك طوال مدة إقامته، مع تطبيق كافة الشروط الشرعية للنكاح الإسلامي، إلا انه ينوي تطليقها فور عودته إلى دياره، بعد الانتهاء من الدراسة أو العمل، حيث وجد الفقهاء في ذلك سبيلا لإبعاد الشاب عن الفحشاء وصونا للفتيات المسلمات في الغرب. من جهة أخرى تصدى فقهاء عدة وعلى مدار أعوام عديدة لما يسمى بالنكاح «العرفي» أو «السري»، فالأول هو عقد مستكمل لشروطه الشرعية، إلا انه لم يوثق بأي وثيقة رسمية كانت أو عرفية، ويكون بشهادة شهود وبصداق ووجود الولي، إلا أنه غير معلن، أما النكاح «السري» فهو زواج يتم باتفاق العريسين، دونما وجود ولي للمرأة أو إعلان وإشهار الزواج.

أما الزواج المقيد بالإنجاب، فهو ما يكون باشتراط احد الزوجين استمرار الزواج بإنجاب الأطفال، وان لم يحدث ذلك فيكون الانفصال والطلاق مباشرة. وشكل بحث المجمع الفقهي قضية الزواج «المدني» سابقة جديدة، إذا يعد عقد الزواج خارج الكنيسة، متمثلا بصك واتفاق أمام السجل المدني، ويواجه معارضة شديدة أمام الكنيسة لإلغائه صفة القدسية، كأحد أسرار الكنيسة المقدسة.

إلى جانب تأمين الزواج المدني إمكانية الافتراق، إلا أن الإقبال عليه تضاعف في المجتمعات الإسلامية التي تكثر وتتعدد فيها الطوائف، لما يجدون فيه من تعميق الوحدة الوطنية وإزالة الحواجز الطائفية.