الشيخ أحمد الباقوري.. الإخواني الذي انفتح على الجميع

جمال البنا *

TT

ولد الشيخ أحمد حسن الباقوري سنة 1909 في باقور من اعمال صعيد مصر من اسرة لعل نسبها الأعلى يعود إلى تونس، وتعلم في الكُتّاب وحفظ جزءاً من القرآن ثم دخل المعهد الديني في اسيوط وانتمى لإحدى الطرق الصوفية وأخذ العهد ثم جاء إلى القاهرة ليتعلم في الأزهر وليظفر «بالجراية».

كان الشيخ الباقوري مولعا بالشعر منذ صباه وحفظ المعلقات قبل أن يبلغ السابعة عشرة، ثم جاء شوقي حتى رسخت ملكته الشعرية، وتعرف في شبابه على الإخوان المسلمين عندما كانوا في حارة «الشماشرجي» المتفرعة من شارع محمد على، وكان من الرعيل الأول من الازهريين الذين انضموا إلى الإخوان في تلك المرحلة كالشيخ الغزالي والشيخ شريت والشيخ سيد سابق، وسبقهم الشيخ حامد عسكرية واعظ شبراخيت، وكان الباقوري قريبا من الاستاذ البنا، ومن ادلة ذلك أن البنا هو الذي خطب له كريمة الشيخ دراز وزوجه منها.

وعرف الباقوري الشاب بتمرده، وكان يجلس في مقهى «الحلمية»، فلما أخذ عليه هذا بعض زملائه قال «لا ابالي». وهذه الروح الثورية هي ما جعلته يقود إضراب طلبة الأزهر عندما ناصروا الشيخ المراغي شيخ الأزهر المعزول على الشيخ الظواهري الذي عين محله ونجح اضراب الطلبة في اعادة الشيخ المراغي.

ورغم ذلك نال حظه من الاعتقال في وقت مبكر في معتقل فاقوسة بالمنيا وكان معه الرئيس السابق انور السادات. والصحفي القبطي موسى صبري الذي توثقت علاقات الصداقة بينه والباقوري.

وعندما حلت جماعة الإخوان المسلمين في ديسمبر سنة 1948 واعتقل كل كبار أعضائها لم يعتقل الشيخ الباقوري لعلاقته بالشيخ دراز الذي كان قريبا من الحزب السعدي الحاكم، وفي احدى الليالي في أواخر ديسمبر، أو أوائل فبراير استدعى الامام البنا الشيخ الباقوري لمقابلته في دار الشبان المسلمين، ولم يحضر هذا الاجتماع سوى الاستاذ عبد الكريم منصور وهو زوج الشقيقة الصغرى للإمام البنا. في هذا الاجتماع عهد البنا إلى الباقوري برعاية اسر المعتقلين حتى يقضي الله أمره. وعندما استشهد الامام البنا قام الشيخ الباقوري بهذه المهمة واعانه عليها الشيخ مصطفى السباعي رحمه الله قائد الإخوان في سورية الذي قدم العديد من المعونات، ولما رفعت الأحكام العرفية سنة 1951 وعاد الإخوان إلى الوجود الشرعي قدم الشيخ الباقوري تقريرا بما قام به وسلم الأمر اليهم وكان هو أحد الاربعة الذين رشحوا لمنصب المرشد العام (كان الثلاثة هم عبد الرحمن البنا وصالح عشماوي وعبد الحكيم عابدين) ولما لم ينجحوا في الاتفاق على احدهم جاء ترشيح الاستاذ حسن الهضيبي القاضي السابق في محكمة الاستئناف والذي كان على صلة وثيقة وإن لم تكن معلنة بالإمام البنا.

بقيام حركة 23 يوليو، بدأت صفحة جديدة، كان في مكتب الإرشاد فريق يرى أن من الخير مهادنة الضباط ومقابلة أيديهم التي مدوها اليهم وكان من هؤلاء الباقوري وعبد الرحمن البنا والشيخ محمد الغزالي والشيخ سيد سابق. ولكن الخط المقرر للمكتب كان غير ذلك. وعندما اختار مجلس قيادة الثورة، كما كان يسمى، الشيخ الباقوري وزيرا وقبل دون أن يستأذن مكتب الارشاد غضب عليه المكتب واضطر للاستقالة من كل مناصبه الإخوانية.

ورويت عنه واقعة لها دلالتها التاريخية، إن صحت، اذ عندما استقبله عبد الناصر في بيته في غرفة صغيرة على يسار الداخل دعاه للجلوس على كنبة وقال له «هنا كان يجلس الإمام الشهيد».

عمل الباقوري مع عبد الناصر الذي كان في حاجة إلى مثله بعد أن تنكر للإخوان واصطحبه في زياراته للدول الإسلامية حيث كان هو الخطيب ومارس مسؤوليته كوزير للأوقاف بروح انسانية سمحة واستخدم صفته ليقدم معونات إلى سيدات من أفقر أسر الاخوان والى سيدات من الأسرة المالكة جردن من املاكهن واصبحن فقيرات، كما حاول اصلاح الطرق الصوفية ومستشفيات الأوقاف. وبعد سبع سنوات في الوزارة وصلت وشاية إلى عبد الناصر، فأمره بالاعتكاف في منزله وظل سنوات حتى ظهر زيف هذه الوشاية، وعين مديرا لجامعة الأزهر. وكان الشيخ الباقوري خطيبا مفوها وشاعرا مطبوعا وقد وضع للاخوان المسلمين اعذب اناشيدهم وهو يبدأ...

يا رسول الله هل يرضيك انا فتية في الله للإسلام قمنا وكان اسلام الشيخ الباقوري اسلاما سمحا يؤثر الحسنى واليسر والانفتاح ولا يثور على الفنون، أو على صور من الفنون والاستماع، ولا يقبل التضييق على المرأة، وقد ناصر بقوة قانون الاحوال الشخصية الذي صدر في عهد السادات وقابله في ايامه الأخيرة الفنان نور الشريف وسأله عن السند الشرعي لسلامة اشتراط المرأة في عقد الزواج أن لا يتزوج عليها بأخرى، فرد عليه الباقوري بحادثة رفض الرسول صلى الله عليه وسلم البات أن يتزوج علي بن أبي طالب على فاطمة.

وكانت بينه وبين كثير من الأقباط صداقة ومحبة وبوجه خاص الاستاذ موسى صبري منذ أن كان زميله في معتقل فاقوسة.

* كاتب مصري