الفنان اليوناني اليو فيتس لـ«الشرق الأوسط»: لست مسلما لكنني لم أنقطع عن صيام رمضان منذ 30 عاما

الجو الرمضاني في السعودية روحاني جدا ومختلف عن العالم * والدي كان مهندسا معماريا وهو الذي رمم مسجد «دنكز» في دمشق

TT

قد تجذب المشاعر الإسلامية بعض الافراد من غير المسلمين إلى درجة الإعجاب والإشادة، وقليلا من يقوم بأداء هذه المشاعر ولو من قبيل التجربة أو حب الاستطلاع، إلا أن سمير اليو فيتيس الفنان العالمي اليوناني غير المسلم اقتنع بالصوم منذ 30 عاما، وقام فعلا بالصوم طوال هذه السنوات الطويلة بلا انقطاع، حتى انه أصبح يجدول أعماله وزياراته للسعودية وفق التقويم الهجري. وهنا نص الحوار:

* هل يمكننا التعرف على سمير اليو فيتس؟

ـ انا فنان يوناني عمري حاليا 60 عاما، حاصل على دكتوراه في الفنون الجميلة (التصوير والنحت)، حاصل على العديد من الشهادات العالمية في التصوير الفوتوغرافي، متزوج وأب لثلاثة بنات، وأقيم حاليا باليونان. ولقد نفذت العديد من المعارض الفنية العالمية كان اشهرها في ألمانيا، بولندا، وفرنسا التي منحتني وسام العمل الفرنسي على إحدى لوحاتي التي صورت فيها والدي.

* متى بدأت علاقتك بالإسلام؟

ـ علاقتي بالإسلام بدأت منذ ولادتي، فقد ولدت في سورية، حيث كان والدي يعمل هناك، ولم نكن نشعر خلال فترة وجودنا بسورية بأننا غير مسلمين أو أن هناك عنصرية، فقد كان التسامح يجمعنا جميعا، ولقد أسندت إلى والدي الذي كان من اكبر المهندسين المعماريين والنحاتين وقتئذ عملية ترميم وتوسعة مسجد (دنكز) قرب سوق الحميدية، إضافة إلى بناء مقر لجنة مياه عين الفيجة، وكان والدي يرتدي الزي السوري ويعمل معه أكثر من 40 موظفا مسلما، وكان شقيقي يمتلك معرضا للمجوهرات جداره الداخلي كان محراب الجامع الأموي الذي جدده الوليد بن عبد المالك، فكنت أزوره وازور المسجد الأموي يوميا، وكنا جميعا نزور المساجد السورية الاثرية ولم نفرق يوما بين مسجد أو كنيسة.

* متى بدأت صيام رمضان؟ ـ بدأت الصيام منذ 30 عاما ولم افطر ولو لمرة واحدة خلال هذه الفترة، وللحقيقة لاحظت العديد من الأشياء التي شجعتني بشكل كبير على صيام الشهر، فمثلا في واحدة من زياراتي المتعددة لدول العالم كنت في هوليوود بأميركا وتقابلت مع أشخاص هناك يحافظون على صيام شهر رمضان، وبالطبع هم مسلمون، إلا أن ذلك جعلني أتساءل عن قوة هذه العقيدة التي جعلت هؤلاء الناس يصومون وهم في بيئة هوليوود وبعيدون عن بلادهم وأدركت أن هناك قوة لهذا الصيام ومعاني كبيرة، وبحكم علاقتي القديمة والتراث الذهني عن الإسلام والمختزن من أيامي الأولى في سورية لم أجد مانعا من الصوم نهائيا أو عائقا يقول لي إن الصيام شعيرة اسلامية فقط لا يجب على غير المسلمين القيام بها، فانا انظر إلى القيمة الروحانية العالية للصوم، ولأنني من عباد الله فيجب علي السعي لإرضاء الله.

* من المؤكد خلال الـ 30 عاما انك صادفت أياما رمضانية طويلة وشديدة الحرارة، مما يعني معاناة للصائم، فهل حدث أن شعرت بأنه لا داعي لتحمل مشقة الصوم؟ ـ أحب أن أؤكد أن صيامي ليس حب استطلاع، ولكنني أعيشه حتى أنني كثيرا ما أتخلى عن كل أعمالي للتفرغ لهذا الشهر واعتبره شهر لله، وللعلم فاني أصوم تماما كما تصوم أنت حيث أتسحر وابدأ الإمساك في موعده قبل الفجر، وافطر عند أذان المغرب مع الصائمين، واكره أن أنام طوال النهار لأني أحب أن أحس بالصيام طوال النهار.

وأحب أن أشير إلى أن الرسول محمد قال «صوموا تصحوا» وذكر بالقران الكريم الذي نص على فرض الصيام، ومن هنا فإنني أرى أن الصيام ليس وقفا على دين محدد، بل هو عمل روحاني مفروض على كل الأديان والبشر. فمع اختلاف ديانتي إلا أن عقلي وفكري وروحي معلق برب العالمين، ولذا لم يرهقني الصيام في أجواء السعودية برغم ساعاته الطويلة، وارى الصيام تحديا للنفس وتهذيبا لها، فهناك من يتحمل الصوم في هذه الظروف.... فلماذا لا أكون أنا واحدا مثلهم؟

* خلال هذه الفترة هل حدث أن فطرت ولو مرة؟

ـ لقد حرصت خلال الـ 30 عاما السابقة من عمري الحفاظ على صيامي كل عام، ولم افطر ولو لمرة واحدة، وأتعمد أينما كنت في العالم أن احضر إلى السعودية خلال هذا الشهر.

* ولماذا السعودية بالذات وخاصة أن أجواء الدول الإسلامية المجاورة قد تكون اقل حرارة خلال شهر رمضان في بعض السنوات؟

ـ الجو الرمضاني في السعودية روحاني جدا ويختلف في هذا الشهر عن بقية دول العالم الإسلامية، وأنا بحكم معيشتي وعملي في السعودية أصبح هناك ارتباط روحي كبير بالبلد وأهله، وبالمكان الذي أقيم به والأذان المنطلق من المساجد المحيطة بشقتي وتلاوة المقرئين في المساجد أثناء صلوات التراويح والقنوت طوال ليالي شهر رمضان، فكل هذه العبادات تجعلني أحس إنني اصلي معهم وأعيش جو العبادة التي يؤديها المصلون.

* ماهو رد فعل أهلك على صيامك لشهر إسلامي وأنت غير مسلم ؟ ـ أهلي يقدرون رغبتي ويعلمون تماما أن برنامجي في رمضان هو الذهاب إلى السعودية للصيام دائما وأنا دائم الحديث معهم عن الصيام وفوائده وعن الإسلام وتسامحه والمظاهر التي تصاحب الصيام في السعودية من إنفاق وكرم وضيافة للصائمين وتحول العالم الإسلامي إلى شخص واحد وكأنه قانون سماوي يوحدهم. ولقد شاركتني زوجتي صيامي أيام كانت في السعودية.

* قد يقال إن الصحة هي دافعك للصوم؟ ـ ليس هناك عيب في ذلك، فقد قال الرسول صوموا تصحو وهذه حكمة الرسول منذ 1400 سنة، وأتوجه إلى المسلمين الراغبين في تخفيض وزنهم أن يتبعوا سيرة الرسول بدلا من الجري خلف الأدوية والأطباء.

* كيف يرى الشعب اليوناني الإسلام؟ ـ ردي على هذا السؤال يتلخص في سرد قصة بسيطة وقريبة، فقد أقامت السعودية في صيف عام 2004 معرض التآخي اليوناني ـ السعودي بمناسبة الدورة الاولمبية في اليونان، وأقيم في منطقة تيفادا التي اسكن فيها، وضم المعرض مجسمات للاماكن المقدسة في كل من مكة والمدينة، وفقد أحسست شخصيا أن المعرض لبلدي وكنت شديد الحماس لدعوة الأهل والأقارب والجيران لزيارة المعرض، وقد كان الإقبال كبيرا، أما عن النظرة للإسلام فقد كان الزوار اليونانيون يزورون المعرض في خشوع تام وكأنهم في زيارة لمسجد وليس فقط لزيارة مجسمات، ومن المظاهر التي لقيت استحسان كبيرا لدى اليونانيين هو اصطفاف السعوديين وأداؤهم للصلاة، فقد كان منظرا مبهرا لكل اليونانيين الحضور.

* هل لنا التعرف على أعمالك الفنية خلال الفترة التي تقيم فيها بالسعودية؟ ـ لقد سجلت بالكاميرا الكثير من الأحداث في السعودية وأيضا صورا لأفراد الأسرة المالكة السعودية بحكم الصلة التي تربطني بهم، ولقد قمت بالعديد من الأعمال الفنية أهمها تنفيذ 60 لوحة ارسم فيها الفضاء بطبيعة سعودية، ولقد جاءتني الفكرة بعد رحلة الأمير سلطان بن سلمان إلى الفضاء، وكان مقررا أقامة معرض فني لهذه اللوحات في واشطن إلا أن الظروف الصحية حالت دون ذلك، سوف ابحث حاليا القيام بهذا المعرض في الرياض والتبرع بـنصف ريعه إلى جمعية المعاقين السعوديين. علاوة على قيامي حاليا بعمل فني جديد ولأول مرة في السعودية; وهو حفر صور لأشخاص انتقلوا إلى رحمة الله على الجرانيت. وسوف ابدأ برسم الأميرين الراحلين فيصل بن فهد، احمد بن سلمان، نظرا لعلاقتي الطويلة التي كانت تربطني بهم في حياتهم وخاصة.