الشيخ تاج الدين الهلالي : لا بد من مراجعة فكرية لأولويات وأبجديات العمل الدعوي

مفتي أستراليا : المسلمون الأستراليون يجسدون سماحة الإسلام في رمضان ويعيشون ضيوفا على الرحمن

TT

أكد الشيخ تاج الدين الهلالي، مفتي استراليا، أن المسلمين الاستراليين يجسدون سماحة الاسلام في رمضان ويعيشون ضيوفا على الرحمن بسماع القرآن من قراء العالم الاسلامي . كما ان هناك نشاطا مكثفا يقوم به ابناء الجالية الاسلامية في رمضان لإحياء الاواصر بين المسلمين وتصحيح المفاهيم المغلوطة عن الاسلام لدى المسلمين وغير المسلمين، وذلك من خلال اللقاءات وحفلات الافطار الجماعي التي يدعى اليها غير المسلمين . وقال الشيخ الهلالي، في حديث لـ«الشرق الاوسط» خلال زيارته أخيرا للقاهرة، إنه «برغم المحنة التي تمر بها الامة الاسلامية الا ان هناك بريقا من الامل لتجاوزها ولكن علينا تحمل هذا الدين بوسطيته واعتداله على كل بقاع الارض ». وهذا نص الحوار :

* ما هي ابرز السمات التي يتميز بها شهر رمضان في استراليا وبخاصة مقتضيات الخطاب الديني والدعوي في هذه الايام؟

* الله عز وجل تكفل بحفظ دينه ونشره وإعلاء كلمته، والمسلمون هم الأوعية التي يقوم بها هذا الدين، ومن ثم اذا قدم شراب طاهر نقي في إناء ( ملطخ متسخ ) عافته النفوس ونفرت منه الاذواق وزهدت فيه ، والاسلام مع الاسف محسوب بأهله، فما اعظم الاسلام وما اسوأ حال المسلمين . ولقد اوضح الله عز وجل الغاية والمقصد من بعثة خاتم المرسلين محمد صلى الله عليه وسلم بقوله تعالى : «وما ارسلناك الا رحمة للعالمين » ثم يعلن رسول الله صلى الله عليه وسلم عن أهداف بعثته في جملة قليلة المبنى عظيمة المعنى فيقول : ( انما بعثت لأتمم مكارم الاخلاق ) . وفي إطار الرحمة والاخلاق تتجسد روح الدعوة الاسلامية مع المسلمين ومع غير المسلمين . ومن هنا فإننا أبناء الجالية الاسلامية الاسترالية نحاول ابراز هذه المعاني بطريقة عملية تطبيقية ، ومن ذلك أن بعض الكنائس الاسترالية تدعو اتباعها الى صيام يوم خلال شهر رمضان على سبيل المجاملة والتضامن ثم نقيم افطارا عاما في المركز الاسلامي العام في لاكمبا بسيدني ندعو اليه المسلمين وغير المسلمين، وخلال هذا اليوم نخصص برنامجا هادفا مثل زيارة المسجد ، والتعرف على صلاة المسلمين ، وشرح تعاليم الاسلام لغير المسلمين، ويتم تبادل الكلمات وتوزيع الكتب والنشرات الدعوية ، وانني اعتبر هذا من اعظم الوسائل الدعوية والعلاقات الانسانية التي تجسد سماحة الدين الاسلامي .

* هل هناك برنامج خاص تنظمه الجالية الاسلامية الاسترالية خلال شهر رمضان المبارك؟

* لما كان شهر رمضان موسما للطاعة والنفحات وله مكانته لدى المسلمين في كل مكان، ولما كان جل المسلمين من اصول عربية واسلامية، فاننا نعد لشهر رمضان برنامجا خاصا في مركزنا الاسلامي الكبير، وكذلك تقوم بقية المراكز والمساجد في مختلف المدن والولايات الاسترالية، ومن ذلك استقدام علماء ودعاة ومقرئين من البلاد الاسلامية حيث يعيش المسلمون على موائد القرآن ضيوفا على الرحمن بسماع التلاوة قبل صلاة الفجر والعصر والعشاء، اما عن صلاة التراويح ففي بعض المساجد اعتاد المسلمون على ختم القرآن الكريم كله خلال ليالي الشهر الكريم وبعضها يصلي ثماني ركعات بالتخفيف ثم يعلن عن قيام صلاة قيام الليل ( التهجد ) في الثلث الاخير من الليل ، كما ان الندوات العلمية يتم نقلها مباشرة على الهواء عبر اذاعة القرآن الكريم واذاعة الصوت الاسلامي . ويوضع برنامج خاص للافطار الجماعي بمواعيد مرتبة حسب الدعوات الموجهة من الجمعيات الاسلامية وابناء المناطق ، هذا فضلا عن المسابقات العلمية والادبية والقرآنية التي تمنح جوائز قيمة للمتسابقين . عموما فان الجالية الاسلامية تنتظر شهر رمضان وتشتاق اليه، شوق المحب الى لقاء حبيبه، لصقل النفوس وشحن القلوب بالطاقات النورانية والقرآنية التي تنصف الروح من ماديات الجسد العاتية وبخاصة في مثل هذه المجتمعات الغربية المادية التي تطغى فيها الشهوات والنزوات .

* على ضوء المستجدات العالمية المعاصرة التي استوجبت متغيرات على كافة الاصعدة والتي منها العمل الدعوي ، ما موقع العمل الدعوي في استراليا من هذه التداعيات؟

* هذا سؤال مهم ويبحث عدة محاور تحتاج الى مؤتمرات ومجلدات تعالجها من زوايا مختلفة والتي يجب على المؤسسات الاسلامية العالمية مجتمعة ان تقف حيالها بالنظر والفهم والتحليل ، ويمكننا ان نحصر الجواب في عدة محاور أو قضايا . المحور الاول : هل الأمة الاسلامية في حالة حوار أم صدام مع ( العلمنة ـ أو المدنية ) الغربية التي يطلقون عليها الحضارة الغربية، واذا كنا نراها حالة حوار فما الذي اعددناه من مواد ومقومات الحوار ، ومن يراها حالة صدام من ذوي النظرة التشاؤمية فما هي الامكانات التي اعددناها لتحقيق قول الله تعالى : «واعدوا لهم ما استطعتم من قوة ». المحور الثاني : معرفة الفارق الكبير والبون الشاسع ما بين تطوير وتغيير الخطاب الديني وتبرير وتزوير الخطاب الديني . المحور الثالث : ان نراجع حساباتنا بتقييم شامل لمسارات توجهاتنا الدعوية على الصعيد الاسلامي ـ الاسلامي علاقة الجماعات والمؤسسات الدعوية بعضها مع بعض، وعلى الصعيد الاسلامي وغير الاسلامي علاقة الدعوة مع غير المسلمين، وسنجد ان هناك عللا وامراضا داخلية من وراء كل المصائب التي حلت بالامة الاسلامية. هذه محطات وعناوين عامة تحتاج الى مزيد من التخصيص والتحليل ، وثمة امر مهم أود ان يعلم به كل مسلم ليكون باب الدخول الى ساحة الامل والمواجهة، لنتذكر عبارة أوردها مكوك السياسة الاميركية هنري كيسنجر في مذكراته الاخيرة ، ونصها ان كافة الدلائل والمؤشرات تثبت ان نجم حضارتنا الاميركية آخذ في الافول وانه سيصيبها ما اصاب غيرها من الحضارات المادية (وذلك بحكم قانون التدافع ) ونعلم ان الحضارة البديلة التي تملك مقومات الظهور والتربع على قيادة البشرية هي حضارة الاسلام ، ولكننا نحاول تعطيل هذا القدر ما استطعنا الى ذلك سبيلا . وعلى ذلك فنحن بحاجة الى مراجعة فكرية لأولويات وابجديات العمل الدعوي وبخاصة مع الشعوب الغربية التي تعاني من فراغ روحي وخواء ايماني لا يملك سداده وملأه وعلاجه إلا هدي الاسلام الحنيف، وما علينا الا ان نخلص النية لله عز وجل، ونبرد ما في القلوب من السخيمة والعداء والضغينة بين اتباع هذا الدين اولا، وان نحمل هذا الدين بوسطيته وسماحته واعتداله الى شتى بقاع الارض حتى لا يحرم أحد من رحمة الله عز وجل .