أنوار رمضانية

الإفطارات الجماعية في البلقان بين السياسة والعمل الخيري

TT

تقيم جمعيات خيرية وهيئات اجتماعية ودينية وأحزاب وشخصيات سياسية ومالية في البلقان إفطارات جماعية يحضرها العشرات والمئات من المدعوين، سواء لمرة واحدة خلال شهر رمضان المبارك أو لأيام عديدة أو طيلة الشهر الفضيل. ويلاحظ أن الإفطارات التي تكون ليوم واحد هي التي تقيمها السفارات وبعض الأحزاب السياسية وبعض وجهاء المجتمع سواء كانوا سياسيين أو رجال أعمال أو شخصيات اعتبارية. مما يضفي على تلك الافطارات إلى جانب بعدها الاجتماعي طابعا سياسيا يهدف لتوثيق العلاقات مع المدعوين ويرسم انطباعا خاصا لدى الناس حول صاحب الدعوة أو الجهة التي نظمتها. وتتسم دعوات الافطار التي تنظمها سفارات الدول الإسلامية ولاسيما سفارة المملكة العربية السعودية في سراييفو بالحضور الكبير للمدعوين من مختلف طبقات المجتمع والجالية العربية في البوسنة حيث يحرص السفير فهد الزيد على الكم والكيف سواء فيما يتعلق بمائدة الافطار أو المدعوين، إذ يشاهد المرء كل أصناف الطعام وكل أصناف الناس وطبقاتهم من دون تمييز. وتحضر بعض الأكلات السعودية في موائد الافطار التي تقيمها سفارة خادم الحرمين الشريفين في سراييفو ولاسيما طريقة طبخ الأرز مع الخروف المشوي بطريقة خاصة معروفة جدا في دول الخليج. أما الأحزاب السياسية في البوسنة، وبعض قادتها فإنهم غالبا ما يدعون بعض الأفراد الذين يعدون أحيانا على أصابع اليد الواحدة، وفي مطعم مغلق وغير معروف لدى عامة الناس. وفي مثل هذه الافطارات تطغى الرمزية والانتقائية، لاسيما إذا تعلق الأمر بالعنصر العربي في البوسنة، فإلى جانب اختيار أشخاص بعينهم يعملون في مجالات لها علاقة بالسياسة والحالة الاجتماعية، ويمكن الاستفادة منهم في العلاقات العامة، داخليا وخارجيا. الأمر الذي يعطي لتلك الافطارات بعدا سياسيا محض قد يخرجها عن أهدافها المفترضة كعمل اجتماعي مستمد من مقاصد الشرع الحنيف. وقد يكون حزب العمل الديمقراطي الذي يتزعمه الرئيس البوسني الأسبق سليمان تيهيتش يعزف عزفا منفردا في هذا السياق إذا تكتسي الافطارات التي يقيمها بعدا جماهيريا، مما يجعلها حديث الناس.

ويكسب الحزب من خلالها رضا شعبيا من خلال تغطية تلك الافطارات عبر وسائل الإعلام بين من حضر ومن لم يحضر. الهيئات الإغاثية الإسلامية العربية والتركية وغيرها ورغم الضرر الكبير الذي لحقها بعد أحداث 11 سبتمبر، إضافة للمشيخة الإسلامية في البوسنة لا تزال تقيم الافطارات الجماعية التي لا تلقي فيه أي اعتبار لشخصية المدعو ومركزه في المجتمع، وإنما هي إفطارات للصائمين بقطع النظر عن الوظائف التي يمارسونها، بل إن الأولوية لدى الهيئات الإغاثية الإسلامية هي للفقراء والمحتاجين والعاطلين عن العمل والطلبة الذين يدرسون بعيدا عن ذويهم ومدنهم وقراهم في المقام الأول.

وتستمر الافطارات الجماعية في البلقان طيلة شهر رمضان المبارك، بعضها في أماكن قارة كمركز خادم الحرمين الشريفين في سراييفو، أو مركز الأميرة الجوهرة في بوغوينو أو جامع خادم الحرمين الشريفين عبد الله بن عبد العزيز في توزلا، أو المركز الإسلامي في موستار والقريب من الجسر التاريخي الكبير، أو داخل مطاعم في مختلف أنحاء البلقان، وهي أماكن غير قارة حيث يتم استبدال تلك المطاعم بأخرى في بعض الأحيان. ورغم أن إفطارات الهيئات الإغاثية الإسلامية غير باذخة إلا أنها توفر الكثير من احتياجات الصائم، الذي لا يدخلها ببطاقة دعوة رسمية، أو عملية انتقائية وإنما كصائم له حق طلب الطعام ممن يملكه بنفس عزيزة، وليس أمام المعنيين سوى القبول به بصدر رحب وحب يميز كل ذي حظ عظيم.