رمضان في موريتانيا يعكس تفاوت الطبقات

تيمنا بالشهر الكريم.. حلق الرؤوس وإقامة حفلات الزفاف الجماعية

شراب «أزريك» المكون من الحليب الممزوج بالماء والسكر هو المشروب المفضل لمختلف الطبقات والشرائح الاجتماعية في موريتانيا («الشرق الأوسط»)
TT

يعتمد سكان موريتانيا في غذائهم اليومي طوال الشهر المبارك على تناول اللحوم والألبان مع اختلاف طفيف في طريقة التحضير، حيث تتنوع الوجبات بالنسبة لأغنياء البلد مع الحرص على وجود مادة اللحم في مختلف الأطباق.

وفي الأيام القليلة السابقة لشهر رمضان تشهد أسعار المواشي في موريتانيا عادة ارتفاعا مذهلا، وتعج أسواق بيع اللحوم والألبان في العاصمة نواكشوط بطوابير المتسوقين من مختلف أنحاء أحياء المدينة الفسيحة والقرى القريبة منها سعيا للعثور على لحوم صغار المعز والضأن بأسعار مقبولة في ظل الترقب المستمر لتزايد أثمان هذه المواد مع حلول الشهر الكريم.

وفي ما يكثر تناول الموريتانيين للحوم الإبل والبقر في أغلب أشهر السنة الأخرى، يعزف معظم سكان نواكشوط وكبار المدن الموريتانية عن استهلاك هذه اللحوم طوال شهر رمضان واستبدالها بشواء المعز والضأن الذي يعتبر أفضل غذاء لدى سكان الصحراء، ولا يقدم في الغالب إلا للضيوف الكبار في المناسبات الخاصة.

وتبلغ تكلفة الخروف الواحد أكثر من 100 دولار في شهر رمضان وعيد الفطر وكذلك عيد الأضحى، حيث تحرص كل عائلة على شراء الأضحية لأفراد أسرتها في ما لا يتجاوز مبلغ 50 دولارا في الفترات الأخرى.

وأما بالنسبة لذوي الدخل المحدود فيكتفون بوجبة واحدة أساسية وتعوض الباقي بمرطبات خفيفة والإكثار من شرب الشاي الصيني الأخضر. أو شراب «أزريك» وهو المشروب المفضل لمختلف الطبقات والشرائح الاجتماعية في موريتانيا. ويتكون هذا المشروب من الحليب الممزوج بالماء والسكر يتم تناوله طوال الليل.

وتعود أصول «أزريك» الذي تتفق عليه كل الطقوس الاجتماعية في موريتانيا إلى سنوات الجفاف التي اجتاحات البلد قبل عقود وتسببت في نفوق المواشي التي تشكل المصدر الوحيد لتغذية سكان الصحراء مما دفعهم لمزج كميات الحليب القليلة بالماء وأطلقوا عليه اسم «أزريك» وبقي هذا المشروب جزءا أساسيا من النظام الغذائي لسكان المنطقة حتى اليوم. وتعكس استعدادات الموريتانيين لاستقبال شهر رمضان حجم التباين الكبير في مستوى الدخل بين الفئات المختلفة في العاصمة نواكشوط. ففي الأحياء الراقية من المدينة حيث يقطن رجال الأعمال وكبار المسؤولين تتعالى الصحون الهوائية على سطوح المنازل لتمكين أبناء الأسر الغنية من التقاط القنوات الفضائية لمتابعة آخر الأفلام والبرامج المسلية من أجل التخفيف من معاناة الصوم في موسم الخريف الساخن، فيما توزع المكيفات الهوائية على مختلف بيوت المنزل وتمتلئ الثلاجات بأنواع العصائر والفواكه في انتظار أن يحين موعد الإفطار.

وفي جنوب العاصمة، حيث تقيم فئات زنجية وشرائح أخرى متحدرة من مناطق موريتانية نائية وفقيرة، تغيب أبسط مقومات الحياة من بنى تحتية ومنشآت حيوية، فيما يتطلب الحصول على الماء الصالح للشرب جهدا كبيرا لضرورة اللجوء إلى جلب الماء من خارج هذه الأحياء عبر العربات التي تجرها الحمير. وفي ظل الانقطاع المستمر للتيار الكهربائي في هذه الأحياء من جهة وانتشار البطالة وتراجع الدخل الشهري من جهة أخرى، يجد سكان جنوب العاصمة نواكشوط أنفسهم مضطرين للبحث عن أماكن أكثر راحة من مساكنهم، ما يدفعهم للبقاء معظم الوقت تحت ظل الأشجار وشواطئ المحيط الأطلسي في وقت يصادف فيه شهر رمضان هذه السنة مناخا قاسيا لتزامنه مع موسم الخريف شديد السخونة. ومع حلول رمضان ترتفع أسعار المواد الاستهلاكية الأساسية مثل القمح والتمور والبطاطا ويقوم كبار التجار بزيادة كميات المواد المستوردة نتيجة تزايد الطلب عليها.

وفي المقابل تقوم السلطات الموريتانية بفتح محلات لبيع المواد الغذائية بأثمان مخفضة لتسهيل حصول ذوي الدخل المتدني على بعض ضروراتهم اليومية وغالبا ما تقتصر تلك الخدمات على الأيام الأولى من الشهر.

ويدور جدل كبير في الليلة الأولى من الشهر بين اللجان الرسمية المكلفة مراقبة رؤية الهلال مع المشايخ وكبار الفقهاء حول إثبات الرؤية وحسم وجوب الصوم في ذلك اليوم.

وفي ما تستند اللجان المكلفة مراقبة الأهلة على الرؤية المباشرة لما يسمونه «مستفيضة» مكونة من مجموعات من المواطنين العاديين، يطالب بعض المشايخ بضرورة التحري في رؤية الهلال واشتراط العدالة في من يدعي رؤيته.

وتتضمن طقوس رمضان للموريتانيين حلق الرؤوس قبل حلول الشهر بأيام سعيا، حتى يتزامن نموه من جديد مع أيام الشهر المبارك ويسمى «شعر رمضان». كما تقوم بعض الأسر بتأجيل زفاف أبنائها لأيام هذا الشهر تيمنا به وتفاؤلا باستمرار المعاشرة الزوجية لهذه الأسرة في مجتمع يبلغ فيه معدل الطلاق أبعد حدوده. وفي شوارع العاصمة الرئيسية تنشط الحياة الليلية وخصوصا مع منتصف الليل بعد الانتهاء من صلاة التراويح وتناول وجبة العشاء حيث تفتح الأسواق والمتاجر الكبرى أبوابها حتى الساعات الأولى من الصباح. وفي النهار تنام المدينة بكاملها وتخلو الشوارع من المارة.