الغلاء والفقر وراء كساد أسواق غزة في رمضان

الغزاويون يقبلون على البضائع المهربة لانخفاض سعرها

فوانيس للأطفال تباع في أحد محلات الضفة الغربية كهدية للصغار في الشهر الفضيل (إ. ب. أ)
TT

كان نهاد مسترخياً على كرسيه بينما كان يسترسل في الحديث مع أحد الزبائن القلائل الذين كانوا يوجدون داخل بقالته الكبيرة الكائنة في معسكر المغازي، وسط قطاع غزة. فبخلاف ما كانت عليه الأمور في الأعوام الماضية، لم تكن البقالة هذا العام عشية رمضان تعج بالزبائن الذين كانوا يتدافعون لشراء المواد الغذائية التي عادة ما يستهلكونها في رمضان. فعدد قليل من النساء والرجال كانوا يقومون باختيار مواد لسحور اليوم التالي. سوق «الزاوية» لبيع المواد الغذائية في مدينة غزة، الذي ـ بالنسبة للفلسطينيين في القطاع ـ يرتبط بشهر رمضان، كون المحال التجارية فيه متخصصة في بيع مستلزمات رمضان من مواد غذائية ومشروبات على مختلف أنواعها؛ وبخلاف ما عليه الحال في بقالة نهاد، فإن الآلاف من الناس كانوا يتدفقون على الشراء. لكن قلة قليلة منهم تشتري، فمعظم الذين يمرون من امام محلات السوق يتجهون في الواقع الامر الى المسجد العمري الكبير الذي يفضي اليه السوق من الناحية الشرقية. إبراهيم شريف، صاحب احد المحال التجارية في السوق، يقول إن من أصل كل عشرة يقومون بالاستفسار عن اسعار المواد الغذائية، لا يكاد يشتري في النهاية الا اثنان فقط. وخلال تجول «الشرق الاوسط» في السوق، يتبين أن المحلات التجارية التي تلقى اقبالاً كبيراً هي تلك المحال التي تبيع اللحوم والأسماك المجمدة حيث أن اسعارها اقل بكثير من سعر اللحوم والأسماك الطازجة، الى جانب أن هناك إقبالا على المحال التي تتخصص في بيع المواد الغذائية المهربة من مصر، حيث أن اسعارها أقل بكثير من المواد المستوردة، فمثلاً سعر كيلوغرام من التمر المهرب من مصر يبلغ ثلث سعر التمر المستورد. والإقبال على البضاعة المهربة تتعاظم في غزة رغم المحاذير الصحية والتحذيرات التي توجهها وزارة الصحة بعدم شراء أي مواد لا تتم اجازة بيعها من قبل وزارة الصحة. وتأتي مظاهر انخفاض القوة الشرائية للمواطنين الفلسطينيين في قطاع غزة على هذا النحو بسبب معدلات البطالة والفقر العالية الى جانب الارتفاع الكبير في الأسعار الناجم عن الحصار، والذي جعل تجار الجملة يقومون برفع الأسعار على اعتبار أنه لا يوجد أمام المستهلكين بد سوى الشراء بالاسعار المطروحة. فحسب تقرير صدر أمس الخميس عن الجهاز المركزي للإحصاء، فقد سجلت الاسعار بقطاع غزة الشهر الماضي رقماً قياسياً، إذ بلغت نسبة الارتفاع في الاسعار 4.19%، وذلك بسبب ارتفاع أسعار المواد الغذائية بنسبة 79%. وحسب معطيات الجهاز فإن 57% من الأسر الفلسطينية يقل دخلها الشهري عن خط الفقر الوطني، في حين تبلغ نسبة الأسر التي يقل دخلها عن خط الفقر الشديد حوالي 44%.

في ظل هذه الأوضاع، فإن الأغلبية الساحقة من الفلسطينيين يعتمدون على المساعدات المقدمة من المؤسسات الدولية والجمعيات الخيرية التي استنفرت لملء الفراغ الذي نجم عن عدم قدرة مؤسسات السلطة عن دفع مخصصات الضمان الاجتماعي المحدودة للفقراء، وذوي الشهداء. عدنان ابو حسنة الناطق بلسان وكالة غوث وتشغيل الفلسطينيين في قطاع غزة قال لـ«الشرق الاوسط» إن عدد المواطنين الفلسطينيين الذين يعتمدون على المساعدات التي تقدمها وكالته في قطاع غزة يقدر بـ860 الفا، مشيراً الى أنه يتوقع أن يزداد هذا العدد في غضون عدة أسابيع»، محذراً من أن الناس سيعتمدون بشكل كلي على المساعدات التي تقدمها المنظمات الدولية والجمعيات الخيرية في حال ظلت الأوضاع على ما هي عليه الآن. لكن مما لا شك فيه أنه بالنسبة لمعظم العائلات في غزة، فإن شهر رمضان مرتبط بالمساعدات التي تقدمها الجمعيات الخيرية الإسلامية التي شرعت في توزيع عشرات الآلاف من الطرود الغذائية على الفقراء والمنتمين للطبقات الضعيفة في المجتمع.

علي نصار، مسؤول جمعية الصلاح الاسلامية في المنطقة الوسطى بقطاع غزة، قال لـ«الشرق الاوسط» إن جمعيته قامت بالفعل بحصر اسماء العائلات المحتاجة وشرعت بتوزيع الطرود الغذائية عليها. وتخطط الجمعيات الخيرية الى زيادة عدد الإفطارات الجماعية التي تقيمها في المساجد عما كانت عليه الأمور في الأعوام الماضية.