يوم في حياة أسرة عراقية في رمضان

بعض العوائل تدخر المواد الغذائية الفائضة عن حاجتها ضمن الحصة التموينية للشهر الفضيل

TT

أكثر ما يثير قلق ربات البيوت العراقيات خلال أيام رمضان هو نفاد قنينة الغاز اليتيمة التي تحصل عليها الأسرة بداية كل شهر، وتكفيهم عادة لأسبوع أو أكثر، وعليهم تدبير أمورهم بقية الشهر بشرائها بسعر تجاري يصل إلى 18 دولارا أو الاستعاضة عنها بالطباخ النفطي، أو كما يسمونه في العراق بـ«الجولة» بالجيم الأعجمية. فيما أطلقت عليها أم عمار اسم «محبوبة العراقيين».. فكل بيت يحتفظ بـ«جولة» أو أكثر والكل مستعدون للاستغناء عن أي حاجة يملكونها إلا «الجولة» التي بينت أم عمار أن فطورهم الذي ستشاركهم فيه «الشرق الأوسط» سيطهى عليها.

وكما نعرف أن لشهر رمضان ميزانية خاصة يؤمنها رب الأسرة عبر استقطاع جزء من دخله الشهري وادخاره لهذا الشهر وأيضا أيام العيد الذي تكون فيه المصاريف مضاعفة، وعن استعداد العائلة المضيفة قال أبو عمار إن شهر رمضان هو شهر الخير والبركات، فنرى أن أي مبلغ تم ادخاره سيسد احتياجاتنا، خاصة أن اغلب العوائل تعودت على التكيف مع الأوضاع التي تمر عليها، فهي تدخر المواد الغذائية الموزعة ضمن الحصة التموينية والفائضة عن حاجتها لأيام أخرى قد لا توزع فيها أو تشح في السوق أو حتى بيعها والاستفادة من مبالغها لتأمين مواد أخرى لا تؤمن ضمن الحصة.

وكشف أبو عمار أنه يلجأ في بعض الأحيان إلى إعلان حالة التقشف داخل بيته، مؤكدا أنه يضطر لذلك للاقتصاد في النفقات أو الاحتياج إلى مبلغ نقدي، أو للاستعداد لشهر رمضان، وقال إنه أجبر نفسه وأفراد أسرته على الإقلاع وبشكل كامل عن شرب «الشاي». وهنا يكون قد وفر مبلغا نقديا يصل إلى عشرة دولارات شهريا، فيخصصها لشراء حاجة أخرى مثل البقوليات أو اللحوم وغاز الطبخ أو إضافة خمسة وثلاثين دولارا أخرى وإعطائها لصاحب مولدة الكهرباء في المنطقة.

وعن المشكلة الأكبر التي تواجه العوائل العراقية عموما، وعائلة أبو عمار خصوصا، أوضح أن أي عائلة ورغم أنها تتابع الأوضاع السياسية وحالة البلد لكنها تعاني من الناحية الاقتصادية بشكل اكبر، فالوضع العام أقحم العائلة العراقية في حروب طائفية وسياسية وصراع مع الوضع الأمني، لكنها صراعات تأتي في المرتبة الثانية بعد الاقتصادية. فكل شيء، بحسب رأي أبو عمار، سببه الوضع الاقتصادي. فحاجة الشباب للحصول على المال وبشكل يسير سار بهم نحو الانحراف، وإغداق الجماعات الإرهابية على المسلحين بالأموال رغب في الانضمام إليهم. ولو كان الوضع الاقتصادي جيدا لما كانت هناك مشاكل كثيرة يعاني منها المجتمع حاليا ومنها البطالة والأمن والبيئة والصحة والتربية وحتى مشكلة التهجير والزواج والطلاق.

وعن تحضيرات الفطور كان لنا لقاء مع ربة البيت أم عمار التي أكدت أن «تأمين سفرة رمضان يعتمد على تدبير ربة البيت أولا وأخيرا، فهناك مشاكل لا يعلم عنها رب الأسرة وخاصة المتعلقة بأمور البيت والملابس والطبخ وغيرها. فهو مثلا لا يعلم أنني اجري مناقلات سنوية بين أولادي الاثنين وبناتي الأربع تتعلق بملابس المدرسة والحقائب، كما أن العائلة لا تسألني كيف تؤمنين مادة غذائية محددة وطوال أيام السنة. وهنا فقد أجبرنا على استحداث طرق لادخار هذه المواد مثل التجفيف والتعليب».

وأكدت أم عمار أنها استغنت عن كثير من الأمور لصالح إسعاد عائلتها وأطفالها، وكشفت أن مرتب زوجها البالغ 360 ألف دينار (ما يعادل 280 دولارا) كان وقبل سنة ونصف تقريبا يكفي احتياجات الأسرة، «وكان هناك فائض نخصصه لأمور كمالية كشراء الملابس والحلويات والذهاب والسفر لخارج بغداد لزيارة أقارب لنا وغيرها أما الآن فأصبح المرتب لا يكفينا لنصف الشهر في حال بقينا على نفس مصاريفنا السابقة ولهذا علينا الاقتصاد بشكل كبير» معربة عن قلقها حيال هذا الأمر خاصة ان العام الدراسي على الأبواب، وأصبح لديها الآن ابنان في الجامعة وثلاثة في المراحل الثانوية والأخيرة تستعد لمرحلة نهاية الابتدائية.

وعن ذكريات العائلة عن رمضان في السابق بيَّن الجميع أن رمضان في العراق له طابع خاص وأجمل ما فيه الزيارات بين الأقارب بعد الفطور أو الذهاب في نزهة داخل بغداد، فيما كانت هناك تنقلات سريعة بين أطباق الطعام قبل الفطور، والاهم من ذلك كله صوت طبل المسحراتي الذي أكدوا أنهم لا يعولون عليه كثيرا للاستيقاظ على السحور فهو يمر ليوم أو يومين ويغيب بقية الأيام، و«نحن لا نلومه وكان الله في عونه فالوضع الخطر وصعوبة التنقل في الشوارع وغيرهما من المشاكل قد تجبره على عدم شمول كافة المناطق بصوت طبله».

وكانت محطتنا الأخيرة عندما أطلق مدفع الإفطار، رغم أن أهالي بغداد يشتبهون بينه وبين أصوات المدافع الأخرى وهنا تكون عقارب الساعة هي الفاصل في إعلان وقت الفطور، فوجدنا أم عمار قد أعدت سفرة رمضانية عراقية غاية في الكرم فحرصت على تنويع أطباقها بين الأكلات الشعبية القديمة ومنها طبق اللبلبي والباذنجان المشوي والثريد فيما تفننت في صنع طبق الدولمة العراقية التي كانت بمذاق شهي جدا، عكس حب العراقيات للطبخ ومقدرة عالية على التكيف مع بيئتها.