أنوار رمضانية

الفضائيات الدينية وشهر رمضان

TT

شهر رمضان المبارك، يشهد فيه إيقاع حياة المسلمين طقوسا خاصة جدا. وإذا كانت مختلف الفضائيات أثثت برامجها بمادة اعلامية جذابة، تجمع بين التاريخي والكوميدي والاجتماعي، فإن الفضائيات الدينية التي بدأ عددها يتكاثر وعدد مشاهديها يتعاظم، تتعاطى مع شهر رمضان باعتباره مناسبة فريدة من نوعها، لاستقطاب المزيد من المشاهدين من جهة ولتمرير أكثر ما يمكن من الرسائل الدينية من جهة أخرى.

طبعا هذه الفضائيات المختصة في الاعلام الديني من حقها رسم الطموحات التي ترنو إليها والزيادة في حجم مشاهديها الذين تحسدها عليهم الفضائيات ذات التوجهات الاعلامية الشاملة. ولكن ما نعتقد أنه بحاجة الى إعادة التفكير والمراجعة والانتباه هو ما يتعلق بمضمون هذه الفضائيات وطبيعته، خصوصا أن شهر رمضان، كمناسبة يتزايد فيها عدد المشاهدين، من المهم جدا استثمارها في ما يعود على وعي المسلمين كافة بالتألق وبالتبصر. ونقصد بذلك أنه عوض التركيز على تفاصيل التفاصيل في الدين الاسلامي وجعل ما هو ثانوي محور اهتمام رئيسي، من الأجدر تأمين خطاب ديني اسلامي، يتصف بالعقلانية وبالنظرة التقدمية، مع ربطه بعمق القضايا والمعضلات، التي تتخبط في شباكها غارقة المجتمعات العربية والإسلامية.

ومن يتأمل مضمون أغلب الفضائيات الدينية اليوم، يلحظ تركيزها على جانب العبادات وما يمس المرأة لباسا وسلوكا وواجبات، في حين أن أهمية الدين الاسلامي، تتجاوز هذه الإشكاليات، الى ما يتصل بالمضمون الحضاري والثقافي للإسلام وهو ما نحن اليوم في أمس الحاجة الى استيعابه وإعادة قراءته واكتشافه وتصديره الى الآخر أيضا.

وعندما نتعاطى بصدق مع طبيعة المعضلات التي نعيشها، سنرى مدى عمق التازم الأخلاقي والثقافي والحضاري الذي يلازمنا منذ عقود وقرون، لذلك فإن الاسلام كدين حامل لثقافة ذات بعد انساني يستند الى منظومة قيمية ونمط ثقافي يتغذى من مفهوم الخير وتمظهراته، يحتاجان في زمن يتحكم فيه الاعلام والفضائيات، الى خطاب اعلامي ديني، يولي الاعتبار الأكبر لمفاهيم وقيم العمل والتسامح واحترام الذات والغير وكيفية تقديس المعرفة والعلم والعقل ومبدأ الشورى. ولا ننسى أن أغلب مجتمعاتنا الاسلامية اليوم، تعيش تدهورا على المستويات الاقتصادية والسياسية والاجتماعية، بل وحتى على المستويين الأخلاقي والإنساني، الشيء الذي يعزز من أهمية إعادة بناء الانسان المسلم وفق القيم الكبرى، التي تؤمن «هندسة» الكائن المسلم وترميم ما تآكل منه وأصبح آيلا للسقوط.

إن الدور الموكول للفضائيات الدينية أعمق بكثير من تعليم المسلم احتقار الدنيا لصالح الآخرة بل على العكس المطلوب هو مصالحة المسلم مع حياة التقدم والابتكار والاختراع وجعله يعرف كيف يفتك منها الموقع المغري عن طريق العلم والنموذج الثقافي، الذي ينتمي اليه. لذلك فالرهان الذي من المفروض الاحتكام اليه، يتعلق بمدى قدرة هذه الفضائيات على تجذير مفاهيم اليسر والعمل والنجاح واحترام الذات في المطلق وفي الواقع، بمعنى أن تلعب دور الحافز والدافع للتحلي بروح المثابرة والإرادة، خصوصا أن التخلف الاقتصادي العربي وعدد العرب والمسلمين العاطلين عن العمل. كل هذا وغيره يؤكد الحاجة الى خطاب اعلامي يحمس ويشجع على التفكير في المستقبل، ضمن أطر عملية تسيرها قوة العمل وإعمال العقل وخصلتا الحلم والطموح.

ولا نعتقد أن إحياء مقولات الاسلام الكبرى، مسألة هي من خارج العبادة أو من خارج الدين أو أن شهر رمضان ليس موعدها المناسب. كما أن بعض نجوم هذه الفضائيات من علماء الدين والذين يمتلكون الجاذبية الشعبية، على دراية تامة بأهمية الدور الحضاري، القادرين على تأمينه من خلال الخروج من إشكاليات الدوائر الضيقة والمنتجة لثقافة التشدد والعسر، الى ما يهم ملايين من الشعوب في حاضرها ومستقبلها وما يمنحها الطاقة والقوة للنهوض من السبات العميق خصوصا أن الدين قائم على مبدأ الفاعلية.

Amelmoussa @yahoo.fr