المغاربة يستفتون المشارقة.. وعلماء المغرب يفضلون الوعظ والإرشاد

هل هو الافتقار إلى قوة الحجة والدليل أم أن «مطرب الحي لا يطرب»؟

مغاربة يستمعون لخطبة الجمعة من أحد الخطباء في جامع محمد بن يوسف في الدار البيضاء («الشرق الأوسط»)
TT

لا شك ان المغاربة ما زالوا يتذكرون الرد الذي صدر قبل عام عن الهيئة العلمية للإفتاء في المجلس العلمي الأعلى في المغرب، على فتوى الشيخ يوسف القرضاوي، والتي أجاز فيها للمغاربة الاقتراض من البنوك الربوية من اجل اقتناء السكن للضرورة، لانه، حسب فتواه «يجوز لهم ما يجوز للاقلية المسلمة في أوروبا»، الامر الذي اثار حفيظة علماء المغرب، فهاجموا الدكتور القرضاوي بشكل غير مسبوق، لتوجيه رسالة مفادها انه تجاوز الحدود بالافتاء لسكان المغرب.

والمثير في هذا الموضوع، هو ان الهيئة المذكورة لم تكن معروفة لعموم المغاربة قبل إصدارها لردها، إذ فوجئوا بوجودها، وهم الذي ينتظرون دورهم على الخطوط الهاتفية لطرح أسئلتهم على المشايخ والعلماء المشارقة عبر القنوات التلفزيونية الفضائية، او يبحثون عنها بين صفحات كتبهم.

انتهت الضجة التي اثارتها فتوى الشيخ القرضاوي، ولم يتغير شيء، وواصل معظم المغاربة طلب فتواهم من المشارقة لعدة اسباب نحاول التعرف اليها من خلال آراء بعض الوُعاظ المغاربة الذين يعملون في حقل الدعوة والإرشاد، والذين اظهر عدد من الذين اتصلنا بهم «تحفظا» كبيراً في الحديث عن الموضوع بشكل غير مبرر، فمنهم من تحجج بالاستعداد للسفر، ومنهم من اكتفى بالتعليق على الموضوع بجملة واحدة لا اكثر، ردا على سؤال: لماذا يفضل المغاربة طلب الفتوى من المشارقة، قائلا: «مطرب الحي لا يطرب». يذكر أن المجالس العلمية المحلية لديها لجنة للافتاء تقدم فتاواها للمواطنين يوم الجمعة من كل اسبوع، ويلجأ اليها من له معرفة بوجودها، للسؤال عن بعض أمور دينه، الا ان مسؤولا في المجلس العلمي للرباط اكد لـ«الشرق الاوسط» ان اللجنة المذكورة تسمى لجنة الوعظ والارشاد وليس الافتاء «فنحن لا نقوم بالافتاء ومهمتنا هي الوعظ والارشاد»، كما قال، وكأنه يدفع عن افراد هذه اللجنة تهمة اسمها الافتاء.

وفي هذا السياق، قال محمد الزياني، واعظ ديني تابع للمجلس العلمي «اننا لا نحتاج الى اثبات كفاءة العلماء المغاربة وخبرتهم، فالمشارقة انفسهم يعترفون بالمشيخة على يد العلماء المغاربة».

واوضح الزياني ان الاعلام المغربي مقصِّر في حق العلماء المغاربة، بل انهم لا يشاركون حتى في الندوات او المحاضرات.

لكن اذا كانت القنوات الدينية العربية تفتح ابوابها في وجه علماء من جنسيات مختلفة، فلماذا يغيب عنها العلماء المغاربة؟ فيرد الزياني ان القنوات الفضائية العربية لا تستدعي العلماء المغاربة ربما لأنهم علماء مذهب الفقه المالكي، وهي ميزة خاصة بأهل المغرب العربي، حسب رأيه، في حين يوجد في الدولة الواحدة بالمشرق اكثر من مذهب.

ولإعادة الاعتبار للفقهاء المغاربة، اقترح الزياني استدعاء نخبة من العلماء المتخصصين في مجال الافتاء الذي يجب، من وجهة نظره، ألا يُسمح بممارسته لكل من هب ودب، و تقديمهم للناس عبر قنوات تلفزيونية متخصصة. من جهته، فسر الدكتور محمد الادريسي بخات، وهو إمام وخطيب وواعظ ديني، تفضيل المغاربة طلب الفتوى من العلماء المشارقة، بانه يرجع بالدرجة الاولى الى انهم يجدون لديهم الاجابة السريعة والمقنعة، نظرا لآفاقهم الواسعة، وتكوينهم المتعمق واستعدادهم الدائم لخدمة الناس، في مقابل التحجر الذي يتسم به بعض الفقهاء المغاربة، مشددا على انه لا ينكر وجود فقهاء وعلماء مغاربة لديهم كفاءات وشهرة منذ القدم بالرسوخ في العلم والرزانة وعدم التسرع، إلا انه على الدولة ان تشجعهم وتفتح لهم ابواب الاعلام، كما هو الشأن في المشرق بحيث ان العلماء هناك يعملون ويجتهدون ويشجعون ويكتشفون المواهب ايضا.

واضاف ان القنوات التلفزيونية الدينية العربية لا تستدعي العلماء المغاربة للإفتاء لان لديهم فكرة سيئة عنهم، الا ان اللوم لا يوجه اليهم بقدر ما يوجه الى الاعلام المحلي. واستدل على ذلك بحذف برنامج «ركن المفتي» من شبكة برامج القناة الرسمية الاولى بالرغم من انه كان يحقق نسبة متابعة عالية من قبل المشاهدين المغاربة وينفع الناس كثيرا. وتم استبدال البرنامج المذكور بوضع خط هاتفي اخضر، يتم الاتصال به للاستفسار عن امور العبادات والمعاملات وطلب الفتوى، الا ان هذا الخط الهاتفي لم يجد أيَّ اقبال بسبب ضعف مستوى تكوين الذين كلفوا به. وأوضح الزياني انه عرضت عليه الاجابة عن فتاوى المتصلين عبر الخط، الا انه رفض ذلك لان اختصاصه هو الوعظ والارشاد وخطبة الجمعة، وليس الافتاء الذي لا يمكن ان يمارسه أي إمام، حسب تعبيره.

ويرى الدكتور محمد لبيد ابو مروان، خريج دار الحديث الحسنية «ان تجاوب المغاربة مع فتاوى المشارقة، امر بديهي، طالما ان المشارقة لديهم وسائل اعلام كثيرة وبالتالي فالمواطن المغربي يتوجه اليهم بشكل تلقائي، اما نحن فلدينا منابر جد محدودة، وعندما يطرقها المغربي، إما انه لا يجد الاشباع من الناحية الفقهية او قوة الدليل، او انه لا يجد اصلا من يجيبه».

وأشار ابو مروان الى عامل آخر يتمثل في ان «المشارقة غير متقوقعين في مدرسة فقهية معينة، بل كل واحد منهم يتكلم انطلاقا من قناعاته المأخوذة من مدارس فقهية متعددة، اما بالنسبة للمغرب، فاذا توجهت لمنبر فقهي معين، يجيبك انطلاقا من المذهب السائد في البلد، وبالتالي يمكن ان يصطدم السائل المغربي بسوء فهمه للمذهب، او للاجتهادات المذهبية، بآراء الاخرين، فيقع في حيرة، خاصة اذا رأى ان الجواب المغربي المعتمد على المذهب المالكي لا يتوفر على قوة الاقناع والحجة، لانه يقدم بطريقة تقليدية تختلف عن طريقة العالم او الفقيه المشرقي الذي يقدم فكرة بسيطة، يلفها بمجموعة من الادوات الاقناعية، فيشعر السائل انه يميل الى المشرقي اكثر من المغربي».

ويضيف ابو مروان أن المنابر الاعلامية العربية اكتسحت الساحة، فلا يمكن ان نمنع المغاربة من التوجه اليها فالمسألة اختيارية، وتدخل في اطار الحرية، اضف الى ذلك ان الاتصال بالشيوخ عبر وسائل الاعلام والتكنولوجيا الحديثة اصبح ميسرا للغاية، حتى عن طريق الجوال والرسائل القصيرة.

واكد انه لا يمكن اغفال نقطة مهمة جدا برايه، وهي «مسألة الدليل، فمن الناحية الفقهية، يحب السائل التوجه الى الجهة التي تقنعه بقوة الدليل، ولا تعطيه جوابا جامدا بدون حجة»، ثم قال مستدركا: «هذا لا يعني ان المذهب المالكي ليست له حجته او دليله، بل العكس فان اقوى الادلة تجدها في المذهب المالكي، كما ان التشدد في مسائل العبادات والعقائد تجدها في هذا المذهب لانه مذهب اهل المدينة. ورغم ذلك فان فقهاء المالكية، برأيه، لم يحاولوا الاستفادة من الاجتهادات الفقهية الموجودة في باقي المدارس وينقحوا مذهبهم بالمذاهب الاخرى، علما ان المذاهب ليست وحيا بل هي قضايا اجتهادية، وبالتالي يمكن ان تصيب وتخطأ، مستشهدا بقول الامام مالك رحمه الله: «كلٌّ يأخذ من قوله ويُرد إلا صاحب هذا القبر» (يقصد قبر النبي صلى الله عليه وسلم).

واشار ابو مروان الى انه توجد في المغرب فئتان من العلماء، الفئة الاولى وهم الفقهاء الاكفاء وهؤلاء مغضوب عليهم وممنوعون من وسائل الاعلام، والفئة الثانية فقهاء وتكوينهم ضعيف وثقافتهم تقليدية، غير قادرين على مواكبة العصر والتجاوب مع قضايا الناس، يدخلون الى مؤسستهم ويغلقون الباب ومن خلالها يصدرون احكامهم»، مضيفا ان هذا النوع من الفكر لابد سيختفي لان ليس له نفس ليعيش ويتطور.

وتأسف ابو مروان لكون المؤسسات الدينية في المغرب «إما انها تولد ميتة، او انه يوضع لها زمان محدد من حياتها وتموت بعد ذلك، لانها لا تتوفر على شروط الحياة والنمو»، مستدلا بهيئة الافتاء المغربية «التي لم توجد الا لترد على الشيخ القرضاوي، لا لتنتج الفكر او الفقه او تجيب عن قضايا الناس، والواقع يؤكد ذلك، متسائلا: اين ندواتها او انتاجاتها، فهذا النوع من المؤسسات غير مجدٍ ولا يفيد في شيء؟».