التسول أثناء شهر رمضان في كردستان العراق

صبية كردية تعرض ما حصلت عليه من التسول («الشرق الأوسط»)
TT

لم تعد ممارسة التسول من قبل النساء والصبية مجرد حالات استثنائية في بعض مدن وقصبات اقليم كردستان، كما لم تعد مقتصرة على النساء الارامل اللائي يحملن الاطفال الرضع في احضانهن او يسحبن وراءهن عددا من الاحداث بملابسهم الممزقة ومناظرهم المؤلمة، او على الصبية الذين لا يكفون عن ملاحقة المواطنين في الاسواق والساحات العامة وهم يتوسلون ويطلقون الدعوات طلبا للمساعدة، بل غدت ظاهرة مثيرة للانتباه والقلق بالنسبة للسلطات المحلية في الاقليم، لاسيما في ظل التزايد المطرد لعدد هؤلاء المتسولين من مختلف الاعمار والقوميات والاديان، فشارع الاطباء احد اشهر المناطق في مدينة السليمانية مثلا وتحديدا عيادات الاطباء، وبالاخص المشاهير منهم الذين تعج عياداتهم بالمرضى في اوقات العصر والمساء، غدت مسرحا لهؤلاء المتسولين الذين صاروا يتفننون ويبدعون في صياغة تعابير وأساليب الاستجداء، فعلى سبيل المثال لا الحصر تجد امرأة شابة ترتدي الحجاب كسيدة محترمة تقتحم فجأة عيادة احد الاطباء المعروفين وتبدأ بإلقاء خطبة قصيرة تؤكد فيها انها جاءت بوالدتها التي اصيبت بشظايا انفجار في بغداد لتجري لها عملية جراحية في احد مستشفيات السليمانية الا ان نفقات العلاج فاقت ما كانت تحمله من مال، لذلك تطلب مساعدتها للعودة الى بغداد، وهكذا تلملم في دقائق قليلة وفي عيادة واحدة فقط، مبلغا يتراوح احيانا بين (10– 30) الف دينار، ولو اضطررت انت لمراجعة العيادة المذكورة، يومين متتاليين ستجد ان السيدة ذاتها تأتي في نفس موعدها وتطلق النشيد ذاته، عندها ستكتشف حضرتك انها استغلت طيبتك وطيبة الاخرين، وهناك المزيد من تلك الحالات والظواهر المضحة المبكية، الدالة على مدى التفكك والانحلال الاجتماعي الحاصل في اغنى بلد نفطي في العالم.

وتؤكد مصادر الشرطة في السليمانية ان حالات عديدة للسرقة حدثت في المدينة في غضون الاشهر القليلة الماضية، وان التحقيقات اثبتت ان مرتكبيها متسولون، ما حدا بالسلطات المعنية في الاقليم، خصوصا وزارة الداخلية الى وضع خطة تهدف الى مكافحة تلك الظاهرة غير الحضارية، وقطع الطرق امام تكرار حالات السرقة، او غيرها من الحالات التي تهدد أمن وسلامة المواطنين، لذلك بدأت السلطات المحلية في اقليم كردستان، وتحديدا في مدينتي السليمانية واربيل منذ يومين بحملة واسعة النطاق لمكافحة ظاهرة التسول التي اتسع نطاقها في معظم مدن الاقليم بحلول شهر رمضان الفضيل، وقد جرى في مدينة السليمانية وحدها القبض على اكثر من (50) متسولا من كلا الجنسين.

وقال قائمقام قضاء مركز السليمانية زانا محمد صالح، في تصريح صحافي، ان سرية الحماية في المحافظة، تولت تنفيذ حملة مكافحة التسول في اسواق وساحات المدينة وان الحملة ستتواصل لحين القضاء التام على تلك الظاهرة كليا التي تثير مشاكل عديدة بالنسبة للمواطنين، موضحا ان الحملة لا تشمل الاحداث والصبية العاملين في الاسواق، وان لا نية لدى السلطات المحلية لمنع الاطفال والصبية من العمل.

ومن جانبه قال اللواء رزكار علي عزيز، مدير شرطة السليمانية، ان ظاهرة التسول ممنوعة حسب القانون، وان مفارز الشرطة تقوم بين حين وآخر بحملات من ذلك القبيل لكن الظاهرة تعود الى البروز بعد فترة اخرى.

وفي مدينة اربيل القت مفارز الشرطة القبض على اكثر من 90 متسولا جلهم من الاحداث والصبية، الذين تزايدت اعدادهم بشكل كبير مع حلول الشهر الفضيل. يذكر ان ظاهرة التسول تبدو واضحة وجلية في الكثير من مدن وقصبات الاقليم نتيجة لتدفق اعداد كبيرة من العوائل النازحة من مناطق وسط وجنوب البلاد صوب اقليم كردستان، التي لا يجد معظم أفرادها خصوصا الشباب والنساء فرصا للعمل فليجأون الى ممارسة التسول، ناهيك من ان الاقليم يعاني اصلا من وجود المئات من عوائل الغجر ذات الاقوام والاديان المختلفة والتي لايجيد افرادها، خصوصا النساء سوى التسول لكسب القوت.

(تصوير: جمال بينجويني)