رمضان بنكهة التنوع في مينابوليس التي يمثلها أول نائب مسلم في الكونغرس

مدينة يتعايش فيها عرب ومسلمون من جميع الأصقاع

كيث أليسون مع أسرة مسلمة في مينابوليس («الشرق الأوسط»)
TT

يختلف شهر رمضان في هذه المدينة عنه في أية مدينة أميركية أخرى. ذلك أن مدينة مينابوليس يعيش فيها عرب ومسلمون من جميع أنحاء العالم الإسلامي، ولا توجد غلبة لأية جنسية على أخرى، حتى أطراف العالم العربي وأكثر دوله تمزقاً توجد منهم جالية في حجم الجاليات الأخرى، بل وأضحت لهم حكاية تناقلتها جميع الصحف وشبكات التلفزيون الأميركية. حكاية كادت تتحول إلى مشكلة بل إلى أزمة بسبب رفض شريحة من الصوماليين يعملون سائقي سيارات أجرة نقل زبائن يحملون مشروبات كحولية، وهي حكاية سنعود إلى تفاصيلها.

تبدو مينابوليس التي تعد أكبر مدن ولاية مينيسوتا (شمال الولايات المتحدة) نموذجاً مصغراً للعالم الإسلامي في عاداته وتقاليده وطقوسه الرمضانية. جميع الطقوس الرمضانية للمسلمين من أقصى آسيا إلى مجاهل أفريقيا توجد بعض ملامحها في مينابوليس، بما في ذلك كيفية تمضية نهارات رمضان وأمسياته ولياليه. جميع الأكلات التي يتناولها المسلمون في الإفطار والسحور توجد هنا. سكان المدينة من الأميركيين تعايشوا واعتادوا مع هذه التقاليد التي كانت تبدو لهم غريبة في وقت مضى، ومن ذلك ذهاب الأطفال الصغار رفقة آبائهم إلى المراكز الإسلامية في المدينة، خاصة في نهاية الأسبوع والبقاء داخل المسجد لساعات طوال لأداء صلاة التراويح. بل أن الأميركيين لم يعودوا يستغربون أن وجبة أساسية من وجبات المسلمين خلال ليالي رمضان في مينابوليس تتكون من لحم الجمل، الذي لا يقترب منه أهل هذه الأصقاع، مخلوطاً بالمعكرونة، وهي وجبة رمضانية أساسية للمسلمين من منطقة القرن الأفريقي. ونظراً لهذه الأجواء المتسامحة في مينابوليس فقد عرفت المدينة تشكيل جمعيات للمسلمين تضم شباناً من أصول متباينة، ينشطون في رمضان بدعوة الناس إلى تعاليم الدين الإسلامي الصحيحة، التي تنبذ التطرف والغلو. ومن هذه الجمعيات التي تستفيد كثيراً من شبكة الانترنت في أنشطتها، جمعية «الاتحاد الإسلامي التقدمي»، ومن أعضائها شيرين فاكر وهي هندية مسلمة هاجرت من جنوب أفريقيا إلى أميركا، وكريمة بشنيل وتريش كانوس واريك كامبر وهم من الاميركيين البيض وحسن الباكوري من المغرب. على الرغم من هذا التنوع في الثقافات والخلفيات الإثنية، يجمع بينهم إيمانهم بالإسلام المتسامح غير المتعصب. لذلك يدعون إلى دور أوسع للنساء في حلقات الوعظ في المساجد. ويلتقي أعضاء الجمعية في أمسيات رمضان من أجل دراسة القرآن الكريم والأحاديث النبوية، والنقاش حول معانيه وأداء الصلوات، لكن من دون وجل من التطرق إلى جميع الأمور.

تقول كريمة بشنيل التي اعتنقت الإسلام بعد أن كانت تدين بالمسيحية: «عادة عندما نذهب إلى المساجد نلتقي بأناس محبوبين لكن من الصعب أن تكون أنت كما تريد.. هناك الكثير من الذي لا يمكن الحديث عنه، لكن في جمعيتنا نرحب بالجميع، رجالا ونساء، أشخاصا من أعراق مختلفة ولدوا مسلمين أو اعتنقوا الإسلام.. هناك مكان يتسع للجميع».

بيد أن هذه الصورة المتسامحة لمدينة مينابوليس كادت أن تخدش السنة الماضية، عندما رفض سائقو سيارات الأجرة، ومعظمهم من الصوماليين الذين تم توطينهم في وقت سابق في ولاية مينيسوتا بسبب الظروف التي تمر بها بلادهم، نقل مسافرين يحملون معهم مشروبات كحولية من المطار إلى باقي أحياء المدينة. وفي حين قال معتدلون إن على السلطات المحلية أن تلائم القوانين بحيث لا تتعارض مع معتقدات الناس، طالب متطرفون إلزام السائقين بعدم رفض نقل أي مسافر. وكان السائقون طلبوا من الموظفين الذين يوزعون طلبات النداء على سيارات الأجرة تخطيهم إذا كان المسافر يحمل معه مشروبات كحولية. وبعد مناقشات دامت مدة طويلة تم التوصل إلى حل يقضي بأن يضيء السائقون المسلمون مصباحاً في أعلى سيارة الأجرة يشير إلى أنهم لا يقبلون نقل زبائن يحملون معهم مشروبات كحولية. عدا هذه الواقعة فإن مينابوليس لم تعرف ما يعكر صفو أجواء التسامح التي تعيشها، والتي جعلت منها مدينة أميركية تجمع فيها مسلمون من جميع أركان المعمورة، يتجلى تساكنهم وتوادهم في الزحام الذي تعرفه المساجد الثلاثة في المدينة أثناء صلوات التراويح. وكذلك في انتشار الأزياء الإسلامية في ليالي رمضان. وتقول شركة «ديش نيت» إن شبكتها التي تنقل القنوات العربية تعرف إقبالاً ملحوظاً في المدينة. ذلك أن سكان مينابوليس مثل العرب في كل مكان تستهويهم المسلسلات الرمضانية التي يتابعونها حتى مطلع الفجر في نهاية الأسبوع بسبب فارق التوقيت. أما موائد رمضان فإن التنوع العرقي، جعل جميع الأكلات موجودة في مطاعم ومحلات توجد في شارع «سنترال افيني»، وهو في هذه الأيام يكون شبيهاً بما يعرفه شارع «إدجوار روود» في لندن، الذي يعد مربط خيل العرب في العاصمة البريطانية.

وثمة ظاهرة طريفة توجد في هذه المدينة للذين لا يستهويهم التسوق. وهي أن المحلات التي تبيع المأكولات التي تُستهلك في رمضان، يرسلون عبر خدمة بريد خاصة إلى زبائنهم في المنازل قبل موعد الإفطار كل شيء، خاصة الحلويات. وفي بعض الأحيان يجلبون هذه المأكولات من ولايات بعيدة مثل ولاية كاليفورنيا.

التماسك الإسلامي في مينابوليس يتجلى في مسألة أخرى، جعل من اسم هذه المدينة يطوف العالم في نوفمبر (تشرين الثاني) من العام الماضي. في ذلك الشهر جرت انتخابات الكونغرس، وكان من بين الفائزين في انتخابات مجلس النواب الديمقراطي كيث أليسون (44 سنة) وهو أول مسلم في تاريخ الكونغرس، وساهم في فوز أليسون تحالف يضم المسلمين والليبراليين ومعارضي حرب العراق. وفي ظل ردة الفعل التي عرفتها المدن الأميركية بعد هجمات 11 سبتمبر، فإن مينابوليس تقدم نموذجاً جذاباً للتعايش، وتثبت أن تنوع الأصول العرقية للمسلمين كان عاملاً مساعداً لتعيش المدينة أجواء رمضانية مختلفة تماماً عن الأجواء التي تعرفها المدن الأميركية الأخرى.