الشيخ ابن حسين: والدي أنبني حين أطلت صلاة التراويح على المصلين

الشيخ ابن حسين («الشرق الأوسط»)
TT

قال الشيخ الدكتور محمد بن سعد بن حسين، ان استقبال شهر رمضان في الماضي يختلف اختلافا كبيرا عن هذه الأيام في عدة نواح معيشية.

ولم ينس الشيخ ابن حسين، لحظة أنبه والده، بسبب إطالته في أداء صلاة التراويح، حيث قرأ جزءا كاملا في ركعة واحدة.

وقال محمد بن حسين «قال لي أبي: أتريد أن تنفر الناس»، ذلك لأني أطلت في صلاة التراويح، والتي كان والدي يقوم بإمامة جماعة المسجد فيها.

ومن وجهة نظر ابن حسين، فإن الصلاة في الوقت الحاضر أشبه ما تكون بأمر يقضى ليس إلا. وقال: لا أبالغ إذا قلت ان الصلاة الآن تفتقد للطمأنينة، فلا هدوء في الركوع والسجود عند بعض الأئمة، هدانا الله وإياهم، وهذا ما لم يكن يوجد في الأيام السابقة نهائياً، بل كان البعض في الماضي إن أتى للمسجد وهو مرهق قد ينام في السجدة من طولها والطمأنينة التي كان يتحلّى بها الأئمة ذلك الوقت. وإلى نص الحوار... > ما هي أهم خواص شهر رمضان في السابق؟ ـ استقبال شهر رمضان في الماضي يختلف اختلافا كبيرا عن هذه الأيام في عدة نواحٍ، منها أسلوب المعيشة حيث لم تكن توجد الثلاجات وغيرها في الماضي، بل كانوا يبردون المياه بقربٍ تمتلئ بها المساجد ويوضع تحتها عدد من الأواني المعدة للشرب. وكانت هذه القرب تعد من بعد صلاة الظهر حتى يتسنى لها البرود في وقت المغرب، وكان الناس الضعفاء والغرباء منهم بشكل خاص يفطرون في المساجد، ولم تكن هناك خيام أو أماكن مستقلّة معدّة للإفطار، كما هو الحال الآن، بل كانت المساجد هي موضع الأكل والشرب وقت الإفطار، وكانت فترة الإفطار فيها قصيرةً، وكان الناس يقدّمون فيها التمر والقهوة وبعض المأكولات، وإن كانت قليلة، فقد كانوا يصنعون شراباً طيباً من الاقط وما أشبهه يقدّم مع التمر والقهوة، التي كانت أيضاً تعدّ إعداداً جيداً في تلك الأيام.

عند قرب رمضان كان الناس يستعدون بأشياء يسيرة ولم تكن هناك مشتريات وحاجيات كما هو الآن من الازدحام على محال المواد الغذائية. والناس اليوم ما عادوا يشعرون باستقبال رمضان كما كان في الماضي حيث يحسب حساب لرمضان من حيث المأكولات التي تختصّ بشهر رمضان، وليس كما يوجد اليوم من مأكولات هي بالأصل موجودةٌ في سائر الأيام. > هل لك أن تحدثنا عن أبرز المواقف والذكريات التي مرت بك خلال أشهر رمضان الماضية؟ ـ أذكر مما علق بالذهن من الذكريات التي بعدت المسافة بيني وبينها، أنّ أبي رحمه الله كان يصلي بالناس في القيام برمضان، وقد كانوا في السابق يجمعون القيام ويصلّونه في النصف الأخير من الليل، وفي يوم من الأيام قدّمني نيابةً عنه في صلاة القيام، وقد كان معتكفاً في غرفةٍ في المسجد، فأطلت في القراءة، وكانوا إذذاك يقرأون نصف جزء وما إلى ذلك، فأطلت على الناس إذ قرأت جزءاً كاملاً في الركعة الواحدة، ففوجئت بأبي عقب التسليمة الأولى وقد ذهبت إليه لأسأله عن رأيه، وإن كان من تصحيحٍ، فأنّبني تأنيباً لم أنسه حتى هذا اليوم وقال لي: هل تريد أن تنفّر الناس؟ وذلك لأني أطلت في القراءة على الناس. مع العلم أنّهم في رمضان كانوا يطيلون في قراءتهم في تلك الأيام في النهار، أما في الليل فنصف جزء أو ثلث جزء في الركعة الواحدة، وهذا كما ورد أنّ رسول الله صلى الله عليه وسلم: «كان يقوم الليل حتى تتفطّر قدماه»، أما في الوقت الحاضر فأعتقد أني لا أبالغ إن قلت انّ الصلاة أشبه ما تكون بأمرٍ يقضى ليس إلا أو أن أصفها بالرمز، فلا طمأنينة ولا هدوء في الركوع والسجود عند بعض الأئمة، هدانا الله وإياهم، وهذا ما لم يكن يوجد في تلك الأيام نهائياً، بل كان البعض في الماضي إن أتى للمسجد وهو مرهق قد ينام في السجدة من طولها والطمأنينة التي كان يتحلّى بها الأئمة ذلك الوقت. وأذكر أنني كنت مرهقاً في مرة من المرات، ونمت في آخر المسجد فجاء عمّي وغطّاني بثوبٍ، فجاء رجلٌ أعمى وداس عليّ دون أن يعلم، فقمت فزعاً. وأذكر أيضاً أنّ أحد العمال عندما كان هو وعددٌ من أقرانه يتناولون غداءهم جاء المبلغ بقدوم شهر رمضان وقد كان التبليغ في ذلك اليوم قد تأخر ووجب بتبليغ المبلّغ إمساك الناس لما تبقّى من يومهم إلا أن هذا العامل انطلق مسرعاً إلى أحد الآبار وكان بجوار البئر مكان صغيرٌ يتجمّع به الماء عندما يخرج من البئر ويفضي إلى بركة صغيرة يسمى «اللزا»، فانكب يشرب منه بدلاً من أن يمسك، وهذا لا يجوز شرعاً، وكان الواجب أن يتمضمض وينظّف ما علق من فمه ولا يطعم أو يشرب إلا عند غروب الشمس ثمّ يقضي هذا اليوم.

> هل كان هناك تأخير في الإبلاغ عن دخول شهر رمضان المبارك؟ ـ غالباً ما كان يتأخّر الإبلاغ عن دخول شهر رمضان إذ أن الطريقة التي كانت تستخدم هي باستخدام المبرقات للمناطق الرئيسية وبالنّسبة للقرى الصغيرة يتأخر الإبلاغ لطبيعة الوصول لظروف الحياة ذلك الوقت.

> هل كان هناك حرص من الناس على القيام بمناسك العمرة في شهر رمضان؟ ـ لم تكن متيسّرة بل كان الناس يجمعون أموالهم للحج، أما أهل اليسار من الناس ومن تتيسّر لهم العمرة، وهم قلّة، فيذهبون. أما الآن فللأسف أصبح الأمر كالعادة، ولذا نرى الحرم مزدحماً في رمضان كازدحامه في الحج، وهذا أمرٌ غير صحيح فالحج واجبٌ مرّةً واحدةً على المسلم والمسلمة عند الاستطاعة والعمرة تكفي مرّةً واحدةً في العمر أيضاً.

> كيف كنتم تعاملون ضيوفكم خلال شهر الصيام؟ ـ كان الضيف في رمضان يعامل كما يعامل الضيف في أي يومٍ من أيّام العام، يتعاقب الناس على ضيافته، فتجده اليوم عند صالح وغداً عند علي وهلمّ جرّا.. وفي رمضان هناك مجموعة من الناس يعتمدون بعد الله على ما يقدم لهم في المساجد من وجبات، وقد كانت تقدّم بعد التراويح وإن كانت بشكلٍ يسير، إذ أنّ الفقراء يتعفّفون قدر المستطاع عن إظهار حاجتهم، ومنها الأكل على حساب الناس، وكذلك الغرباء عن البلد وإن كانوا لا يجدون بدّاً من ذلك.

> كيف تستطيع باختصار مقارنة رمضان الأمس برمضان اليوم؟

ـ المقارنة بين رمضان سابقاً واليوم نؤكّد عليها بأمرٍ وهو أنّ الناس أصبحت العادات تصرّفهم وليس العكس للأسف، ولذلك نجد رمضان هذه الأيام أضحى عادةً وقد كان بالأمس عبادة، والوسائل التي كانت تقدّم في رمضان سابقاً غير الآن من سعة الرزق وسهولة تبريد المياه أو تسخينها كلّ بحسبه والإفطار كان يقدّم في المسجد، ولم تكن توجد أماكن يألف الناس تقديم الأكل فيها غير المساجد. والناس اليوم أصبحوا ينصبون الخيام لأجل إفطار الصائمين ويتّفقون مع المطاعم وتقدّم الوجبات بشكلٍ فرديٍّ ليس كما كان في الماضي باجتماعٍ ومن أكلٍ يعدّ للجميع ويأكل الصائم حتى يكتفي مما يقدّم له من طعامٍ وشرابٍ ومبيتٍ إن لزم الأمر أيضاً.