أن نكون خير أمة يجب أن نعمل بشروطها

TT

إنه لشرف أعتز به ان تكون المصافحة الاولى بيني وبين قراء جريدة «الشرق الاوسط» الرائدة في هذا الشهر الكريم شهر رمضان الذي فضله الخالق على سائر الشهور.

ولا ادري كيف ابدأ حديثي ولا ماذا اقول لقراء تعودوا ان يقرأوا لكتاب تميزت اقلامهم بالسلاسة وافكارهم بالسمو وعلمهم بالغزارة. وحاولت ان تكون اول مصافحة بموضوع خارج اطار شهر الصوم ولكن هيهات فرمضان روضة تستحوذ الالباب وتسبي الافئدة وتأخذ بمجامع العقول، وبحر لا شاطئ له يسبح فيه من تخلص من ماديته، وسما على شهواته، وصامت جوارحه لله عز وجل. ويغوص في ظلماته من غلبت عليهم شهوتهم ورضوا بالحياة الدنيا من الاخرة خلفا، وبذل الشقوة من كرامة الطاعة بدلا.

يسبح فيه من ادركوا ان رمضان راؤه ركض من الشر وسعي للخير، وميمه مجاهدة النفس والهوى، وضاده ضوء ينير للصائم طريقه الى خالقه بقية العام، وألفه إلفة النفس على عمل الخير وحب الناس، ونونه نشوة الصائم بما اعد الله له في نها ية رمضان كالأجير يؤتى اجره اذا اتم عمله.

شهر التضحية في سبيل الله وسبيل رسوله. واحد طرق هذه التضحية رعاية عيال الله بنيان الله في ارضه. قال صلوات ربي وسلامه عليه «الانسان بنيان الله. لعن الله من هدم بنيانه». هل قرأنا الحديث جيدا، الانسان بنيان الله دون تحديد لجنس او لون او عقيدة. وان نخضع ونطيع أمر الله سبحانه حين قال، في سورة الاحزاب آية 21 «لقد كان لكم في رسول الله اسوة حسنة لمن كان يؤمن بالله واليوم الآخر». وهذا هو رسول الله صلى الله عليه وسلم تمر به جنازة يهودي، بينما كان صلوات ربي وسلامه عليه جالسا بين اصحابه، واذا به يهم واقفا. ويستغرب مجالسوه، انها جنازة يهودي! ويرد صلوات ربي وسلامه عليه انه بشر انسان، انه خلق الله. لذلك اعجب ممن يهدمون بنيان الله ويسفكون دماء البشر تحت رايات دينية وشعارات عقدية لا تمت الى الدين من قريب او بعيد.

وقد استرعي انتباهي ما شاهدت على شاشة التلفاز منذ ايام واردت ان تشاركونى فيه، ان مجموعة من الاطباء (غير المسلمين) متخصصون في امراض القلب والدورة الدموية، جشموا انفسهم مخاطر صعود أعلى قمة جبلية في العالم، قمة افرست، في محاولة منهم للوصول الى دراسة تأثير تلك المرتفعات على القلب والدورة الدموية حتى يتمكنوا من مساعدة من يتعرضون لأزمات قلبية او هبوط في الدورة الدموية الى غير ذلك. وايا كان المريض فلم يحدد جنسه.

وقد اعاد ذلك الى ذاكرتي مقولة رسول الله صلى الله عليه وسلم حال وصوله الى المدينة مهاجرا من مكة وقد وجد يهود المدينة يصومون يوم عاشوراء فسأل عن سبب صومهم ذلك اليوم فلما اخبر انه ابتهاجا بنجاة موسى من فرعون وعملائه، قال «نحن اولى بموسى منهم» ثم امر اصحابه ان يصوموا ذلك اليوم. ولما كان الخالق سبحانه وتعالى قد امرنا بالاقتداء برسول الله والتزاما بذلك الامر اقول ألسنا اولى بذلك العلم منهم ألسنا الامة التي كانت اول آية انزلت على قلب رسولها صلوات ربي وسلامه عليه «اقرأ باسم ربك الذي خلق خلق الانسان من علق اقرأ وربك الاكرم الذي علم بالقلم علم الانسان ما لم يعلم».

لو تدبرنا، كما امر الله هذه الاية، لوجدنا ان لفظة اقرأ قد تكررت مرتين ولكن اقرأ الاولى اي تعلم يا محمد وامر امتك ان يتعلموا امر دينهم وهو فرض عين على كل مسلم ومسلمة، واقرأ الثانية ان تعلم يا محمد وامر امتك ان تتعلم علوم الدنيا وهو فرض كفاية فأنتم خلفاء الله في ارضه ولتعمروا هذا الكون فلا بد ان تملكوا مفاتيحه بالعلم. لقد وعى المسلمون الاوائل ذلك فملكوا الدنيا بالعلم وسطروا بأحرف من نور مجد الامة الاسلامية لأنهم قد تربوا في مدرسة الحبيب محمد صلوات ربي وسلامه عليه فكانوا وما زالوا مصابيح هداية للبشرية كلها كابن سينا والفارابي و غيرهما، لذلك حينما شاهدت هذه المجموعة من الباقين قلت ألسنا اولى بالامر منهم؟ لا أقلل من شأنهم ولا اقول ان عليهم ان يتنحوا عن الطريق ويتركوه لنا ولكن اقول انه كان الاجدر بنا ان نكون في المقدمة وان نقود المسيرة. ولكن كيف وقد شغلتنا اموالنا واهلونا عن تدبر كتاب الله في شهر الله في شهر القرآن؟

كيف وقد انحرفنا عن منهج الله الذي لا حول ولا قوة الا به الى من لا حول له و لا قوة فأصبحنا مستضعفين في الارض؟

كيف وقد اغلقنا ابواب الاجتهاد وقد انزل الله عز وجل القرآن دستور الحياة حتى يرث الله الارض ومن عليها. لذلك يتقدم الاخرون ونزداد تخلفا. خلقنا الله امة واحدة، قال تعالى «كنتم خير امة اخرجت للناس تأمرون بالمعروف وتنهون عن المنكر وتؤمنون بالله»، كل ما فهمناه من الاية صدرها وتعالينا على الاخرين واعتقدنا اننا اولى بالامر منهم دون الاخذ بالمقدمات، قدمنا النتائج على المقدمات، سرنا عكس اتجاه عقارب الساعة، تجاوزنا تلاطم الامواج ظنا اننا سنغلبها بدلا من ان نأخذ بالاسباب ونتعلم السباحة او الغوص لتنفادى تلاطم الامواج، وندخر جهدنا لما يحب الله ويرضاه، قصرت عقولنا ان نرى عجز الاية وان شروطا ثلاثة هي مناط التفضيل وهي الاحرى بالاتباع اولا اذا ما اشرأبت قلوبنا لان نكون الامة.

امر اخر ان ندقق النظر في ترتيب هذه الشروط الثلاثة ولماذا اخر الخالق عز وجل شرط الايمان به عن شرطه الامر بالمعروف والنهي عن المنكر. عندها سندرك عظمة الاسلام وبلاغة القرآن وان الامر بالمعروف والنهي عن المنكر لا يقفان عند حد المؤمن ولا يكون الايمان شرطا لها، اي ان حسن الخلق والمعاملة الطيبة ليست قصرا على المسلم فحسب وانما هي ممتدة تشمل الجميع بلا استثناء اذا اردنا الوصول الى الخيرية.