الساعة البيولوجية.. وارتباطها بشهر الصوم

لماذا نقلب دورتنا الحياتية في رمضان؟

TT

إن شهر رمضان المبارك وما فيه من أفضال وخيرات أعدها الله سبحانه وتعالى لأمة محمد صلى الله عليه وسلم، قد وضعت رحمة للمسلمين وعتقا لهم من النار، ولو عرف الإنسان المسلم كيف يستفيد منها لكان له في ذلك خير عظيم. والسائد في العالم، أن دورة الحياة تبدأ مع بزوغ الشمس وتتراخى إلى الحد الاقصى مع غروبها، إلا في المناسبات مثل الأعياد أو الأفراح، حيث يبدأ الإنسان تجميع شتات نفسه بعد عمل يوم كامل لأخذ قسط من الراحة أو ممارسة الرياضة أو الخوض في بعض الأعمال الاجتماعية مثل الزيارات وغيرها. وما نراه حاليا في بعض دول الخليج، أن الناس دأبوا على تغيير ناموس الساعة البيولوجية للإنسان بجعل نهارهِم ليلَهُم والعكس صحيح، فتراهم كسالى يتثاءبون في مكاتبهم، بل ينامون في بعض الأحيان. وترتفع نسب الغياب في المدارس والجامعات بدلا من أن تصبح في أقصى وأفضل حالاتها. لماذا؟ إنهم يضعون الملامة والذنب، دائما، على شهر الصوم.

تحدث الى «الشرق الأوسط» الدكتور مجدي بن حسن الطوخي (استشاري أمراض معدية)، مشيرا الى أن هذا الاعتقاد ليس صحيحا بل هو صنيعة الإنسان نفسه، فلم نقرأ في سيرة الحبيب صلى الله عليه وسلم، ولا السلف الصالح من بعده، عن شهر رمضان إلا انه شهر مبارك تمت فيه فتوحات إسلامية عظيمة أكبرها غزوة بدر في 17 رمضان، والتي منٌ الله فيها على المسلمين بالنصر وهم صائمون. ولم ينم المسلمون الأوائل صباحا بحجة أنهم يسهرون الليل.

أما الان فقد تغيرت الساعة البيولوجية لدى الكثيرين! إن الحقائق العلمية تدل على ارتباط الساعة البيولوجية وتحكمها في تصرفات الكائن الحي ابتداء من الإنسان حتى اصغر الكائنات، وهو عفن الخبز. ويعتبر عمل هذه الساعة، مفتاح السر في مسببات وحدوث العديد من الأمراض وتقلب أمزجة zوأحوال العديد من المسافرين بالطائرات، عبر المحيطات والتي تمتد رحلاتهم إلى أكثر من 12 ساعة طيران، وتعني كذلك الحياة أو الموت حتى لأصغر المخلوقات التي تحاول البقاء من اجل الحياة. ويضيف الدكتور مجدي الطوخي، بأن هناك أخبارا مهمة من جامعة جورجيا بولاية أتلانتا الأميركية، حيث عكف فريق من العلماء لسنوات طويلة على إجراء الأبحاث والدراسات لاكتشاف أسرار هذه الساعة. ويقول رئيس الفريق الدكتور جوناثان أمولد إن تعطيل أو تأخر عمل هذه الساعة يؤدي إلى حدوث أمراض مثل السرطان والأرق أو القلب أو أمراض الرئة. ولمعرفة أسرار وأسباب حدوث تلك الأمراض يجب أن نعرف كيف تعمل هذه الساعة، وتداخلها على أدق المستويات في جزيئات الخلية.

لقد تطورت الساعة البيولوجية مع تطور البشرية وكذلك تطور الكائن الحي وأصبح بإمكان الكائنات ان تتعرف على الوقت والزمن بدون وجود محفزات خارجية مثل الحرارة والضوء أو أشعة الشمس وضوء القمر. ومن أهم اكتشافات هذا العمل الضخم هو وجود ثلاثة أنواع من الجينات في داخل كل خلية عصبية فردية Neurospora والتي تعتبر مسؤولة عن تحفيز وعمل الساعة البيولوجية من خلال شبكة معقدة من الجينات تتلقى الأوامر سواء للتحفيز للعمل أو بالتوقفclock tick . وبفهم آلية عمل الساعة تمكن العلماء من فهم كيفية عمل الجهاز الحيوي الكيميائي في الجسم وطريقة تبادل الإشارات والمحفزات.

لقد اكتشف فريق العمل في تلك الدراسة نتائج هامة، وهي وجود ثلاثة أنواع من الجينات في الخلية العصبية الفردية لجميع الكائنات الحية، إحداها تسمى الجينات ذات الياقة البيضاء (1) white collar-1، والاخرى هي الجينات المترددة frequency .

إن مخرجات أو نتائج تلك الجينات تكون الأساس في آلية عمل الساعة البيولوجية ووجد أيضا أن الجينات ذات الياقة البيضاء هي الأقرب إلى تركيبة وبيولوجية الإنسان.

ويرتبط حدوث بعض الأمراض لدى الإنسان بآلية عمل هذه الساعة ومثال على ذلك، ان حالات السكتة القلبية في أوقات الصباح الباكر، ترتبط بنوع من الجينات يسمي PAI-1 ، اما حالات الأرق ودورة النوم لدى الإنسان فترتبط بجين يسمى DBP .

إن تلك الاكتشافات الهامة ستلعب دورا هاما في تقدم مسيرة الطب الحديث والتي يعود نفعها على الإنسان.