السوريون يستقبلون رمضان بتحضير «مونة» الشتاء والتوفيق بين نفقات الشهر والمدارس

يأتي شهر الصيام بالتزامن مع مناسبات أخرى ومصاريفها المرهقة للأسرة

شارع دمشقي مع أمطار أواخر شهر أغسطس النادرة («الشرق الأوسط»)
TT

من المعروف لدى السوريين أن شهري سبتمبر (أيلول) وأكتوبر (تشرين الأول) هما شهرا (المونة) والمكدوس وافتتاح المدارس وتأمين مستلزمات الأطفال المدرسية حيث ستفتح المدارس السورية أبوابها هذا العام في 7 سبتمبر، وكذلك تخزين ما يمكن تخزينه من خضار الصيف إلى فصل الشتاء، وهي عادة قديمة درجت عليها الأسر السورية ولذلك تأتي نفقات هذين الشهرين مضاعفة على السوريين. والبارز هذا العام كما العامين السابقين هو مجيء شهر رمضان الفضيل في هذين الشهرين ليضاعف أكثر نفقات الأسرة السورية، ومع ارتفاع الأسعار بشكل عام وخاصة أسعار المواد الغذائية الأساسية كالرز والبرغل، في حين أن الخبز بقي سعره على حاله قبل موجة الغلاء بقرار من القيادة السورية حيث اعتبرته خطاً أحمر لا يجوز لأحد أن يتلاعب به وبسعره، ومن المعروف أن السوريين في شهر رمضان تزداد نفقات معيشتهم بشكل ملحوظ، حيث أشارت دراسات اقتصادية وإحصائيات إلى تزايد استهلاك السوريين من اللحوم والبيض والخضار والبطاطا في شهر رمضان، إذ تحرص الكثير من الأسر على تنويع الموائد الرمضانية. سيدة دمشقية كانت تجادل بائعة ريفية في شارع الملك فيصل تبيع الجوز البلدي الذي تقول إنها جاءت به من مزرعة أسرتها في غوطة دمشق، أم محمود، وهي أم لخمسة أولاد متفرغة لتربيتهم، قالت لـ«الشرق الأوسط»: يأتي رمضان المبارك هذا العام مع شهري المونة حيث تأتي في مقدمة مونة الشتاء (المكدوس) وهو المشهور كثيراً لدى الدمشقيين حيث يتم سلق الباذنجان ومن ثم تبريده وحشيه بالجوز والفليفلة الحمراء ووضعه في الزيت ضمن أوعية زجاجية لتتناوله على الفطور وهو وجبة غذائية كاملة ولذيذة وتكلفتها كبيرة خاصة الجوز الذي يحشى به الباذنجان فسعره مرتفع رغم أن هناك أنواعا مستوردة منه، الأوكراني والإيراني والكزاخستاني، ولكن نفضل دائماً الجوز البلدي المنتج في غوطة دمشق رغم أن سعر الكيلوغرام منه يصل إلى 600 ليرة ويزيد الضعف تقريباً عن المستورد. كذلك من مونة الشتاء والتي تم تجهيزها في أواخر الصيف وأوائل فصل الخريف الخضار المجففة كالبامياء والفاصولياء والبازلاء وكسيد الباذنجان، وهذه كنا ـ تضيف أم محمود ـ نجففها بالشمس كما كانت تفعل أمهاتنا وجداتنا، وحتى حالياً ومنذ سنوات عديدة انخفضت عدد الأسر التي تستخدم هذه الطريقة بحفظ الخضار لفصل الشتاء بسبب انتشار الثلاجات المنزلية وحفظها بطريقة فنية في الثلاجات لتبقى حتى فصل الشتاء وأسعارها في هذا الصيف مرتفعة جداً، تصور ـ تقول أم محمود ـ سعر كيلوغرام البامياء هنا في هذا السوق الشعبي 150 ليرة سورية بينما كنا نشتريه في الصيف الماضي بخمسين ليرة فقط. ويبرر البائعون غلاء بعض الخضار وخاصة البقولية منها بسبب ضعف الإنتاج في الموسم الحالي وموجة الغلاء العالمية التي تأثر بها الجميع. وأبوكاسم الذي قال لنا إنه يعمل في سوق الهال القديم منذ سنين طويلة منزعج لغلاء هذه المواد الغذائية فهو يؤكد أنه لو كانت رخيصة لكان البيع أفضل كما في السنوات الماضية ولكن الإنتاج في الغوطة والمناطق الريفية الأخرى ضعيف هذا العام، كذلك يؤكد أبوكاسم أن أسعار الرز التي تضاعفت كثيراً عن السنوات الماضية، حيث وصل الكيلوغرام من الرز المصري إلى مائة ليرة وحالياً انخفض قليلاً حيث يباع بسبعين ليرة سيؤثر ذلك على موائد الدمشقيين في رمضان حيث لن تكون كالسابق، فالرز أساسي في موائد الإفطار لمأكولات دمشق الشهيرة كالمحاشي والكباب الهندي والمنزلة والشش برك والباشا وعساكره وغيرها وحتى بعض أنواع الكبّة الحلبية تحتاج للرز بجانبها ـ يقول أبوكاسم ـ في مترو أسواق الخير بضاحية عين ترما شرقي دمشق كانت الكثير من الأسر تتسوق من محلات السوق المختلفة، وفي جناح المستلزمات المدرسية بالسوق قالت إحدى المتسوقات التي عرفتنا على نفسها أنها موظفة في دائرة حكومية ولديها ثلاثة أطفال في المدارس وتدعى سميرة غانم قالت إن شهر رمضان هذا العام جاء مع افتتاح المدارس وبالتالي سيزيد من نفقاتنا كثيراً وأنا حالياً أشتري مستلزمات المدارس لأطفالي كما أتسوق بعض المواد الغذائية من أجل شهر رمضان خاصة أن الأسعار سترتفع حتماً في الشهر الفضيل فبعض التجار يعتبرونه شهراً لزيادة أرباحهم برفع الأسعار، وسأضطر للاستدانة أو الحصول على قرض مصرفي لأكمل مصروف شهر رمضان ونفقاته المرتفعة فنحن تعودنا أن تكون موائد رمضان عامرة بالمأكولات والحلويات وكذلك لنفقات العيد المقبل.

بائع لحم غنم بلدي في سوق الهال القديم أكد ما قالته سميرة قائلاً بدأت الأسعار ترتفع حتى من قبل قدوم شهر رمضان، فمثلاً كيلو لحم الغنم الواقف كان قبل أيام قليلة حوالي 140 ليرة سورية حالياً أصبح بـ 170 ليرة وأعتقد أنه سيرتفع أكثر مع ازدياد الطلب عليه في شهر رمضان حيث لا غنى عن اللحم الأحمر للمأكولات الدمشقية الدسمة. بجوار بائع اللحم البلدي الغنم كان هناك بائع سمك قال لنا إن الناس هنا تحب تناول لحم الغنم بينما لا تستهلك السمك كثيراً رغم أنه أنفع وأفضل صحياً وسعره أقل من لحم الغنم ومتنوع من حيث العرض والأنواع حيث لدينا البحري والنهري والمستورد الهامور الشرائح من الامارات العربية المتحدة. وبالفعل فإن كلام بائع السمك دقيق وتؤكده دراسات وإحصائيات أجريت في دمشق في السنوات الماضية تؤكد أن الفرد السوري يستهلك السمك بشكل قليل جداً قياساً باستهلاكه اللحم الأحمر ولحم الدجاج.

وحسب إحصائيات نشرت هنا أخيراً فإن عدد العاملين السوريين في القطاعين العام والخاص يبلغ حوالي 4 ملايين و800 ألف عامل ويبلغ وسطي الأجر للعامل حوالي 9207 ليرة وتعتمد الأسواق السورية على مشتريات هؤلاء العاملين وخاصة الأسواق الشعبية وذات الأسعار المقبولة والتي يتجه لها هؤلاء ومنها أسواق الشيخ محي الدين وباب الجابية وباب سريجة والحميدية والمخيم والدويلعة في حين أن أسواق مثل الشعلان الذي يسمى سوق الغلاونجية وهو متخصص ببيع الخضار الجاهزة يجذب هذا السوق الأغنياء حيث تتضاعف أسعار الخضار فيه ثلاث مرات عن الأسواق الشعبية وهناك أيضا أسواق الميسورين كالصالحية والحمرا في حين أن الأثرياء يذهبون للمجمعات التجارية الضخمة (المولات) التي بدأت تشهدها دمشق مع الانفتاح الاقتصادي قبل سنوات قليلة حيث انتشرت مجمعات السنتر بأسعارها المرتفعة جداً وبمغرياتها الكثيرة من الجوائز والهدايا والمسابقات ولكن كله بثمن وثمن مرتفع قياساً بأسواق الغلابة والدراويش وأصحاب الدخل المحدود الذين لا يبحثون عن هدية مع ما يشترونه ولا الدخول بمسابقات على سيارات كلما اشتروا أكثر من المول بل يريدون أن يشتروا حاجياتهم وحاجيات أسرهم بأسعار مقبولة تتناسب ومستوى دخولهم الشهرية أو اليومية؟!