خبز رمضان في البلقان: طريقة خاصة تعود لستة قرون مضت

مصطفى إسحافويتش: «الصومون» رمز المطبخ البلقاني ولا يمكن أن يكون لذيذا كما هو في رمضان

مصطفى إسحافويتش («الشرق الأوسط»)
TT

يقبل الصائمون في البلقان على شراء فطائر خاصة في رمضان تسمى باللغة المحلية «صامون» أو «صومون»، وهي نوع من الخبز لا يلقى رواجا، وفي الأغلب لا يصنع سوى في رمضان، وهو يشبه من حيث الشكل «الخبز المصري»، ومن حيث الطعم أقرب ما يكون لـ«التميس السعودي»، أو «الشاوايا» المغربية باللهجة التونسية. وتعود صناعة خبز «الصومون» في البلقان إلى نحو 6 قرون، وقد اختلف البعض في ما إذا كان العثمانيون قد جلبوه معهم من اسطنبول أم أنه صناعة محلية خالصة تتوارثها الأجيال جيلا بعد جيل. ويصفه البعض من العرب المقيمين في المنطقة، تندرا، بـ«الصائمون»، إذ ان الصائمين، وحتى الذين لا يصومون، لأسباب مختلفة، يتناولونه مع الإفطار بعد أذان المغرب، كعادة متوارثة لا يمكن أن تخلو منها المائدة الرمضانية. اللافت أن الألبان يتربعون على عرض هذه الصناعة، رغم المنافسة المتفاقمة من القوميات الأخرى.

وقال صاحب مخبز يعد «الصومون» في رمضان، يدعى عيسى غيغولا (45 سنة)، وهو ألباني، لـ«الشرق الأوسط»: «صناعة الخبز عموما، والصومون خصوصا، تقليد توارثته العائلة منذ 250 سنة»، وتابع: «عملت في مناطق مختلفة من البلقان آخرها نوفي بازار والآن سراييفو». وعما إذا كانت صناعة الخبز صعبة، لاسيما في فصل الصيف، قال: «لقد كبرنا في هذه الصنعة، وأجزم لك بأن أي عمل مهما كان صعبا في نظر الآخرين إذا اقترن بالحب يصبح عاديا وسهلا وروتينيا، فأنا أحب هذا العمل وأعشقه ولا أشعر بأي مشقة فيه إلا واقترنت بالسعادة والرضا»، وتابع: «لقد واكبت صناعة الخبز عندما كانت تتم بالحطب واستخدام اللوح لوضع العجين حتى ينضج، لكننا استخدمنا التكنولوجيا منذ 1970». وعن عديد أرغفة «الصومون» التي يصنعها ويبيعها في رمضان، قال: «5 آلاف رغيف». وعن نوعية زبائنه أجاب: «هذا سوق يأتيه الطيب والمستقيم والسفيه، ولا بد أن تعامل الشخص بكل أدب حتى إن تجاوز حدوده فالمشتري دائما على حق في عرف التجارة»، لكن سبب امتهان الألبان لهذه التجارة أنهم «كانوا دائما مضطهدين» على حد قوله.

وقال مصطفى اسحاقوفيتش (21 عاما)، الذي يعمل إماما بأحد مساجد سراييفو في رده على سؤال «الشرق الأوسط»، حول استهلاك «الصومون» في رمضان فحسب وتفضيله على أنواع الخبز الأخرى في البلقان، قال: «الصومون رمز المطبخ البلقاني، ولا يمكن أن يكون لذيذا كما هو في رمضان، وهذا ما يقوله حتى غير المسلمين»، وأضاف: «الصومون خاصة في رمضان، تقليد راسخ، كما هو تعبير عن حنين للماضي، فحب الماضي ليس رغبة في عودته كما كان، إنما في عودة الفانتازيا والرجولة والشهامة والنصر والقوة التي كان يتمتع بها أجدادنا بوسائل عصرنا». ويؤيد مصطفى أحمد عديلوفيتش، الذي يرى في تقاليد المائدة البلقانية ولاسيما خبز «الصومون»: «تعلق الناس الطبيعي بتقاليد الأجداد، لاسيما إذا كانت لها نكهتها الخاصة وفلسفتها الخاصة لديهم». وقالت مهيدة أوفيزوفيتش (36 عاما) لـ«الشرق الأوسط»: خبز الصومون في رمضان تقليد يحبه الناس في البلقان. وأشارت الى انها لا تشتري خبز الصومون، وانما تصنعه في البيت. لدينا فرن يعمل بالحطب، أقوم بتحضير العجين، وتجهيز الفرن بالحطب وايقاده حتى اذا اصبح جمرا اضع العجين وأحضر الخبز في البيت، وذكرت بأن صناعة خبز الصومون في البيت أفضل من شرائه من المخابز.

وقالت أنديرا فضليتش وتعمل موظفة باحدى المؤسسات الشبابية بأن «الصومون» لا يوجد سوى في سراييفو، أما بقية المدن البوسنية والبلقانية فلديها خبز يشبه الصومون. وذكرت بأن «الصومون» لا يمكن أن يصنع سوى في الافران التي تعمل بالحطب فقط، وأن له رائحة خاصة لا تشبه رائحة الخبز العادي، وأكدت بأن «الصومون» لا يخلو منه بيت في البلقان، وتحديدا في شهر رمضان المبارك، فبعض الناس حفاظا على التقاليد وتنويعا في المائدة، والبعض الآخر مجرد تغيير واستغلال صناعته في شهر رمضان ليغير من طعامه اليومي أو بالأحرى خبزه اليومي. وقالت: «ان الأجانب الذين يزورون سراييفو يلتهمون خبز الصومون من دون أي مرق أو أي شيء آخر، لأنه لذيذ وله رائحة تفتح شهية الانسان للأكل، لاسيما الصومون ذاته».