الوقف الشيعي العراقي: توحيد الرؤية موضوع خلاف.. حتى بين الطائفة الواحدة

الناطق باسم مجلس علماء العراق: مشكلتنا الآن أوسع من السابق فالسنة يصومون بعدة أيام والشيعة كذلك

TT

أصبح بدء صيام أهل العراق بيوم واحد مسألة بعيدة المنال، وحتى إعلان بدء صيام العراق في يوم محدد كما هو الحال في بقية الدول الإسلامية، فهناك خلاف فقهي بشأن هذا الأمر قال عنه بعض رجال الدين في العراق انه ليس بحديث بل يمتد لقرون مضت، فيما وصف السنة هذا الأمر بالخلاف الشرعي الذي لا يمزق وحدة العراقيين، غير أن تدخل السياسة بالدين بعد سقوط النظام السابق عمل على ذلك، فيما بين الشيعة فإن مسألة دمج هيئتي الرؤية الشرعية تعود لجهات مختصة هي اقدر على حسم الأمر، وبين هذا وذلك انتظر السنة بدء صيامهم امس (الاثنين) فيما سيكون أول يوم من أيام رمضان المبارك عند الشيعة اليوم، وقد ترجح جهات أخرى يوما آخر. الشيخ عبد الستار عبد الجبار، الناطق باسم مجلس علماء العراق وإمام وخطيب الإمام الأعظم (مقام ومسجد أبو حنيفة النعمان) بيّن في لقاء مع «الشرق الأوسط» أن مسألة اختلاف الرؤية بشأن بدء الصيام، هي مغالطة شرعية قديمة جدا لا احد يستطيع توجيهها الوجهة الصحيحة.

وأضاف أولا أن موضوع الرؤية لدينا بالفقه مسألة الاختلاف الفقهي الذي يتميز بسعته، ومنذ زمن الصحابة بدأت تظهر خلافات فيما بينهم لكنها لم تؤد إلى تمزق الأمة، فالخلاف الفقهي لا يمزق الأمة إنما خلاف الاجتهاد وخلاف الاجتهاد في القضايا الفرعية مشروع، وخلاف الرؤية من هذا النوع، هناك أناس يعتقدون بان لكل بلد رؤيته الخاصة، وهناك فقهاء يرون بان العالم الإسلامي اجمعه بحكم مطلعه الواحد واحد يصوم كله برؤية أي جزء منه للهلال وبفطر برؤية أي جزء منه للهلال، وهذه المسألة قديمة جدا وفي زمن الصحابة اختلفوا، مثلا ابن عباس كان يرى باختلاف المطالع ومعاوية ابن سفيان كان يقول بوحدة المطلع، وكان الناس يتبعون هذا وآخرون يتبعون الآخر ولم يحدث تمزق .

وبين أن هذا الواقع (ويقصدالاختلاف في بدء أول يوم رمضان بين المذاهب)، سيبقى مستمرا لان هذه القضية لا يمكن أن تنتهي، ومن الممكن أن يحد أثرها إذا كان ولي أمر المسلمين يتبنى رأيا معينا، فمثلا في السعودية ولي الأمر يتبنى، ومن خلال لجنة الرؤية الشرعية، يصدر بيانا ان غدا رمضان، ويفترض ان الخلاف هنا ينتهي فيما يخص السعوديين فيصومون، لكن هذا غير ملزم للعالم الإسلامي كله لان لكل جزء من العالم هناك ولي أمر يكون هو مسؤولا عنه.

وضعنا في العراق، بسبب الاختلاف الطائفي ووجود أكثر من طائفة، يعقد الوضع أكثر حتى لو تبنى ولي الأمر فسيكون قد تبنى استنادا إلى رؤية طائفة معينة وهذه الطائفة فيها الخلافات أعمق من المذهب، وهنا لا يمكن أن يكون ملزما للطائفة الأخرى وسيبقى الخلاف قائما، وهذا كان موجودا منذ زمن النظام السابق، فكان الشيعة يصومون يوما والسنة يصومون يوما آخر والآن المشكلة أصبحت أعمق حيث أن السنة يصومون بأكثر من يوم والشيعة يصومون بأكثر من يوم وهنا تعدد مسألة الرؤية، واعتقد ومن الناحية الفقهية لا إشكال في ذلك خاصة وأنا واجهة شرعية وما يعنيني هو الناحية الفقهية، أما من الناحية السياسية فالمفروض بالسياسيين أن يعزموا أمرهم ويعملوا على وحدة الأمة في القضايا التي هي اكبر من هذه فإذا حققوا لنا الوحدة فسنقبل بهذا الخلاف في تفاوت بدء رمضان والعيد أيضا .

وعن أسباب عدم تبني رؤية واحدة للعراق ومنذ خمسة أعوام بان يعلن أن العراق بدء صيامه الاثنين أو الثلاثاء كما هو الحال في بقية الدول الإسلامية ؟ أكد أن العراق كبلد لا يمكن أن يتبنى الرأي الواحد فالكل يعلم انه وبعد نهاية النظام السابق برزت القضية الطائفية بشكل اكبر، وحتى ضمن الطائفة الواحدة برزت خلافات بحيث أصبحت القضية مسيسة إلى حد بعيد جدا، والخلاف الفقهي موجود من اجل ترويج وجهة نظر جهة سياسية يتبنى خلاف فقهي آخر ليس لذات الخلاف الفقهي انما لسبب سياسي ظاهر يقول لك انه يعتمد وحدة المطالع هذا ظاهرا لكنه لماذا اعتمد هذا الرأي؟ لمخالفة جماعة أخرى أو هيئة معينة أو مجلس معين أو لجنة معينة تتبنى وحدة المطالع وهنا الخلاف السياسي يعمل دوره وهو جزء من التمزق الذي يعيشه العراق، نحن مشكلتنا الآن في الهلال هي جزء من مشكلة اكبر ولا يمكن حل مشكلة الهلال بدون حل المشكلة الأكبر، ونحن كوطن أو امة أو شعب نعيش هذا التمزق في كل تفاصيل حياتنا، وحتى الآن لم ننتصر على هذا التمزق، والأداء الطائفي لحد الآن موجود في أكثر من واجهة تحت أكثر من لافته لأكثر من جهة وهذا يعمق مشاعر الطائفية أكثر، وهنا برزت حالة من انعدام الثقة والمفروض بالحكومة أن تبني الثقة وهي مطالبة بذلك وان تكون حكومة للعراقيين وليس لطائفة لكنها ما زالت حكومة طائفة وما زالت هيمنة طائفة معينة على الجيش أو الشرطة وغير مسموح للطائفة الأخرى اخذ دورها والممارسات الآن يمكن وصفها بالاضطهاد حتى تهمش دورهم، وهنا لا يمكن أن نثق بهذه الحكومة لو أعلنت أن يوم غد هو أول يوم من أيام رمضان لأني ألاحظ نفسها الطائفي، ولو أثبتت لي عدالتها وهي تعمل لمصلحة العراق وتتصرف باسم العراقيين أنا استطيع أن أثق بها وان أصوم وفق ما تعلنه من رؤية، وهم يقولون إن النظام السابق هو نظام عميل وخائن ودمر البلد، نعم أنا مؤمن بهذا الكلام وفعلا النظام السابق دمر البلد لكن ما حدث من دمار بعد الاحتلال أكثر بكثير من الدمار الذي حققه النظام السابق بالبلد، أنا اصدق بكلامهم حول دمار النظام السابق لأني عشت هذه المرحلة، لكن السؤال هنا كيف اصدق بأنهم مخلصون لبلدهم وإنهم بنوا بلدهم فكان الدمار أكثر، المفترض أن يبنوا بلدهم ويحققوا الأمن.. يحققون البنى التحتية المدمرة، يرجعون بنا على الأقل لخط الشروع الذي كنا عنده قبل السقوط وينطلقون منه لنقول فعلا هم أناس جيدون وممكن أن نضع أيدينا بأيديهم حتى نبني بلدنا، أما الآن فحالة انعدام الثقة موجودة وهي ليست حالة انعدام السنة بالشيعة، كلا، لان السنة والشيعة كجماهير عريضة معدومة ثقتها بالأداء الحكومي، نحن نعتقد أن كثيرا من مصادر القرار يتصرفون إما للمصلحة الشخصية أو لمصلحة الحزب وإذا أراد التوسع فيعمل لمصلحة طائفته وليس لمصلحة العراق وهذا مأزق كبير، ولذلك قبل توحيد الأمة في توحيد الرؤية يجب توحيدنا في موضوع الاعتقاد بان هذه الحكومة تمثلنا وهذا غير موجود لدى العراقيين، وكل العراقيين يعتقدون أن ما يجري في الواقع لا يصب في مصلحتهم فكيف نثق فيهم، ولا يمكن توحيد هذه الرؤية مع هذا الأداء وإذا توحد وتحسن الأداء يمكن توحيدنا بالرؤية. مدير الوقف الشيعي وكالة في النجف، كاظم حسن، قال في لقاء مع  «الشرق الاوسط»: «اعتقد ان الوقفين السني والشيعي لديهما رؤى خاصة للهلال، الوقف الشيعي يعتمد على مراجع الدين في النجف التي تؤكد على رؤية الهلال بالعين المجردة ولذلك يحدث فارق زمني بين الرؤية بالعين المجردة وبين الاجهزة الفلكية المتطورة التي يعتمد عليها الوقف السني». وفيما يخص اقامة مجلس مشترك للوقفين الشيعي والسني لاثبات رؤية الهلال قال حسن «يوجد هنالك مجلس للوقف الشيعي لرؤية الهلال ومثله في الوقف السني وتوحيد المجلسين يرجع الى الجهات المختصة في الدولة».

مدير إعلام الوقف الشيعي في النجف محمد باقر الخرسان قال لـ«الشرق لاوسط»: «المراجع الدينية في النجف تعتمد على رؤية الهلال بالعين المجردة وتأتي من خلال الشهود الذين يدلون بشهادتهم ويؤدون القسم امام المراجع الدينية وعددهم غير محدد».

واشار الخرسان الى ان «الشهود الذين يدلون بشهادتهم امام المراجع الدينية لا بد ان تكون لهم سمعة طيبة بين الناس ولا تنحصر الشهادة على أهل العراق من الشيعة بل من كل العالم الإسلامي حيث يؤدي الشاهد القسم أمام احد وكلاء المراجع الدينية».

 نعمة العبادي، استاذ في الحوزة الدينية في النجف، قال لـ«الشرق الاوسط»: «يعتبر هذا الموضوع مسألة خلافية بين الطائفتين وبين فقهاء نفس الطائفة حيث يعتمد في هذا الموضوع على الحديث المشهور: صوموا لرؤيته وافطروا لرؤيته» وبالتالي فإن الرؤية هي المحدد للشروع بالصوم والإفطار لكن الخلاف وقع في تقنيات الرؤية. فعند الشيعة تتم الرؤية بالعين المجردة لا عبر وسائل التنبؤ، نعم يمكن للنواظير  والتلسكوبات ووسائل التنبؤ الكبيرة ان تساعد في تحديد مكان الهلال»، مشيرا الى ان «الاقرب الى النفس والاكثر استقرارا والمقارب الى الفهم العرفي هو تفسير معنى الرؤية المعتمدة على العين المجردة دون الاستعانة بأي وسيلة اخرى».  احمد الموسوي (اعلامي) قال لـ«الشرق الأوسط»: «من اجل الوصول الى بناء مجتمع مدني متجانس أساسه المواطنة كان من الأفضل ومنذ زمن بعيد ان توكل عملية تثبيت الرؤية الشرعية للهلال الى لجنة متخصصة في هذا المجال تتكون من الفقهاء من جميع المذاهب بالإضافة إلى علماء في الفلك، ويا حبذا ان تكون لهم قبة فلكية خاصة لتحديد الأهلة وان يكون موعد رؤية الهلال في جميع ربوع العراق».

وأشار الموسوي إلى أن «يكون في العراق تقويم واحد واشهر موحدة  ولا يكون هنالك تضارب بين فئة وأخرى او جماعة وأخرى». وحول ان كان توحيد رؤية الهلال يخفف من الطائفية قال الموسوي إن «اختلاف المرجعيات في الطوائف العراقية بالتأكيد يولد اختلافا بالرؤية والأحكام لكن إذا كانت هناك لجنة تضم جميع الطوائف العراقية وتحدد رؤية الهلال سوف تكون جزءا من دائرة الحل للمشاكل الطائفية».