نجوم الحرم المكي في ليالي رمضان: 9 أئمة و17 مؤذنا وأكثر من 5 آلاف جندي مجهول

الشيخ السديس الأكثر جماهيرية بين الأئمة

ساحات المسجد المكي الحرام الخارجية تكتظ بالمصلين («الشرق الأوسط»)
TT

ما أن يتجلى هلال شهر رمضان المبارك إيذاناً بحلول أول مساء رمضاني يشهده المسلمون، تتوجه أفئدة المسلمين وأنظارهم في شتى أصقاع العالم إلى «الحرمين الشريفين» في مكة المكرمة والمدينة المنورة في مشهد روحاني يعيشه الزائرون لهذين المسجدين المقدسين، وتنقله شبكات التلفزة العربية والعالمية إلى كافة أنحاء العالم، ويعكس وهج المسجد الحرام والمسجد النبوي الشريف، والليالي الخاشعة التي يملؤها الأئمة بتلاواتهم ودعواتهم، والمؤذنون بنداءاتهم للصلوات.

وعلى أكثر من ثلاثمائة وستة وستين ألف متر مربع، تسع أكثر من مليون مصل وبضعة ألوف من العاملين على تطهير وتهيئة بيت الله الحرام للطائفين والعاكفين والركع السجود، يتكون كل عام مجتمع فريد من نوعه يضم خليطاً روحانياً عجيباً من المؤمنين المتحمسين ومن العاملين على خدمتهم، ولهذا المجتمع نجومه وطقوسه الخاصة، وجنوده المجهولون، وروحانيته التي يبقى ما يصل منها عبر الشاشات محدوداً بطبيعة الحال. النجومية بلا منازع في مجتمع الحرم المكي طوال ليالي عطرة بصلاة القيام وتلاوة القرآن، لأئمة الحرم المكي الشريف الذين ينظر إليهم الملايين أثناء مرورهم إلى مكان إقامة الصلاة نظرة ملؤها التقدير والاحترام، ترافقها دعوات كثيرة بالتوفيق والسداد، وطلبات أكثر بدعوة صالحة نظراً لمكانة الأئمة الراسخة في قلوب ملايين المسلمين الموجودين في الحرم وخارجه.

والمسجد الحرام بمكة المكرمة، الذي يزوره أكثر من 3 ملايين مسلم خلال شهر رمضان المبارك من كل عام، يتلهف المصلون فيه على تتبع نداءات الصلوات والتراتيل، إذ يقودهم هناك في الصلوات الخمس، وصلاة التراويح والقيام مشاهير الأئمة والمؤذنين اللذين انطلقت شهرتهم ومعرفة العالم بهم من «محراب» المسجد الحرام وأحبهم المسلمون وأصبحوا يشكلون عامل جذب للمسلمين ويتمتعون بشعبية كبيرة.

وبالنظر إلى الأهمية التي يكتسبها الأئمة في المسجد الحرام، بكون كل واحد منهم إماماً في أعظم مسجد يقصده المسلمون، وينتقل صوته عبر أجهزة التلفزيون والإذاعات إلى كافة أنحاء العالم، فقد أصبحت الإمامة في هذا المسجد بمثابة المنزلة الكبرى التي ينظر إليها بإجلال بالغ، ومن يقوم بشغل هذه الوظيفة سرعان ما تعلو شهرته ويسطع نجمه، وللمسجد الحرام خلال رمضان لهذا العام 9 أئمة من مشاهير المشايخ والقراء، من أبرزهم الشيخ الدكتور عبد الرحمن السديس الذي يعتقد الكثيرون أنه الإمام الأكثر جماهيرية بفضل صوته الخاشع، وشهرته اللتي اكتسبها خلال السنوات الطوال الماضية، حيث يكتظ خلفه آلاف المصلين اللذين لا يتمالكون دموعهم وسط أجواء الخشوع والتلاوة.

ورغم الشهرة والوجاهة الكبرى التي يتمتع بها أئمة المسجد الحرام بين المسلمين كافة بسبب إمامتهم لهم، إلا أنهم يقومون بأدوار مختلفة تكسبهم أهمية أخرى كمعلمين وأساتذة جامعات وباحثين ومشاركين في صناعة الرأي الإسلامي، ومن أبرزهم رئيس مجلس الشورى وعضو هيئة كبار العلماء الشيخ الدكتور صالح بن عبد الله آل حميد الذي سيؤم المسلمين في المسجد الحرام خلال شهر رمضان لهذه السنة.

وبالإضافة إلى الشيخ عبد الرحمن السديس والشيخ سعود بن إبراهيم الشريم الأكثر شهرة والأكثر تأثيراً في أرواح متابعي صلاة القيام ليس فقط داخل الحرم المكي الشريف ولكن على امتداد أطراف المعمورة، سيقوم بإمامة المسلمين خلال رمضان كل من الشيخ عبد الله بن عواد الجهني والشيخ ماهر بن حمد المعيقلي، وهم أصحاب شهادات عليا في الشريعة الإسلامية ولهم جماهيرية كبرى بين المسلمين على الرغم من حداثة إمامتهما في الحرم مقارنة بالشيخين السديس والشريم، كما سيؤم المسلمين في المسجد الحرام في فروضهم الدكتور أسامه بن عبد الله خياط، والشيخ صالح آل طالب، والشيخ الدكتور خالد الغامدي، والشيخ الدكتور فيصل غزاوي.

أما المؤذنون في المسجد الحرام، فهم في طبقة من النجومية تلي طبقة أئمة صلاة القيام، وإن كانت آذان الملايين تتحرق شوقاً لالتقاط كلمات الأذان بصوت متميز ملؤه الخشوع في جنبات البيت الحرام تنتشي الأرواح لسماعه، ويبلغ عدد مؤذني المسجد المكي الشريف 17 مؤذناً، على رأسهم شيخ مؤذني الحرم المكي الشريف، الشيخ علي ملا الذي يكاد يكون أشهرهم حالياً، ويتم اختيار المؤذنين في الحرم عادة إما عن طريق الوراثة، إذ يتولى المؤذن المخضرم والمتمرس تدريب ابنه إذا شعر بميله ورغبته ومحبته لهذا الباب، وإما عن طريق اختيار لجنة رباعية تشترط نداوة الصوت وجماله، ووضوحه، وسلامة نطق الحروف، وهي مكونة من اثنين من أئمة الحرم ومن شيخ المؤذنين، ومن رئيس الوعظ والإرشاد بالحرم.

ويوجد في كل فرض ما بين مؤذنين إلى ثلاثة مؤذنين ويوجدون في المُكَبرِيَّة، وهي مكان ذو واجهة زجاجية، يبعد عن الكعبة حوالي 25 مترا. وفي صلاة التراويح يوجد ثلاث مؤذنين، وهم مؤذن المغرب ومؤذن العشاء ومؤذن احتياطي يقومون بالتكبير خلف الإمام، وذلك بالتناوب بينهم وفق جدول زمني يشرف عليه ويراجعه شيخ مكبري ومؤذني الحرم.

الطواقم العاملة في الحرم المكي كثيرة، ومختلفة المهام والواجبات، كلها تسير وفق نظام دقيق يتبع لمراقبة إدارة شؤون الحرمين الجهة المعنية بمتابعة كل الأعمال التي تتم داخل الحرم والإشراف عليها، وخاضعة تماماً لسيطرتها ما عدا الطواقم الطبية التي تتبع مباشرة لإشراف مديرية الشؤون الصحية بمكة المكرمة، والطواقم الإعلامية التي تقتصر بالمناسبة على فريق عمل واحد تابع للتلفزيون السعودي، وهي تتبع لمراقبة وزارة الثقافة والإعلام، وتكتفي إدارة شؤون الحرمين بتهيئة الأماكن الملائمة لمزاولة هذه الطواقم عملها داخل الحرم، وإصدار التصاريح لمنسوبيها.

وتضم طواقم مختلفة تعنى بالصيانة والسقيا، والإشراف، وغيرها من الخدمات الأخرى خلال موسم رمضان داخل الحرم المكي الشريف بحسب شؤون الحرمين حوالي الـ 5784 عاملا، منهم 1756 موظفاً وموظفة يقومون بمباشرة عملهم طوال العام، في حين تتم الاستعانة بـ 1526 موظفاً وموظفة مؤقتاً في شهر رمضان فقط، إلى جانب 2502 من العاملين والعاملات معنيين بطهارة ونظافة أشرف وأقدس البقاع. وكلهم جنود مجهولون يمارسون عملهم بشغف ومحبة واحترام كبير لزوار وعاكفي بيت الله الحرام، تجمعهم بالملايين التي تعيش هذه الأجواء الروحانية كلمة السلام، ونظرات التقدير والشكر العميق، ومعظمهم ينظرون إلى عملهم باعتباره عملا مشرفا ذا قداسة خاصة، ولديهم ذلك اليقين الراسخ بأن ما يقومون به يثابون عليه من الله قبل تلقيهم شكر وتقدير البشر، بالرغم من الراحة العجيبة التي تمنحها أدعية المؤمنين ونظراتهم الممتنة لأرواح الجنود المجهولين من مسعفين وعاملي نظافة ورجال أمن وغيرهم ممن كرسوا أوقاتهم لمساعدة الغير في أطهر البقاع قربة لوجه الله.

وتضع رئاسة شؤون الحرمين كل عام خطة معينة لتنفيذها طوال الشهر الفضيل، تتضمن خطتها هذا العام والتي بدأت اعتباراً من منتصف شهر شعبان الموافق منتصف أغسطس، وحتى نهاية منتصف شهر شوال الموافق منتصف تشرين الأول، خمسة محاور رئيسة كالآتي: محور توجيهي إرشادي وهو يركز على توعية زوار بيت الله الحرام بأمور دينهم وإرشادهم وتوجيههم وإقامة حلقات الدروس العلمية بالحرم، وتقوم بهذا الجانب إدارة التوجيه والإرشاد، وهيئة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر بالمسجد الحرام، ووحدة شؤون العاملات وإدارة التطويف وإدارة شؤون المصاحف والكتب.

أما المحور التثقيفي، فيعنى بتقديم الخدمات لزوار مكتبة الحرم المكي الشريف، وإطلاع الراغبين منهم على مصنع كسوة الكعبة المشرفة، ومراحل تصنيع ثوب الكعبة المشرفة، ويقوم بتنفيذ هذا المحور إدارات مكتب الحرم المكي الشريف، والعلاقات العامة، ومعرض عمارة الحرمين الشريفين الدائم، ومصنع كسوة الكعبة المشرفة.

أما المحور الخدمي، فيتلخص في توفير ماء زمزم، وعربات للمعاقين وتهيئة الفرض، وتهيئة مداخل المسجد الحرام، ومنع إدخال الأطعمة إلى المسجد الحرام، سوى التمر والقهوة فقط، والقضاء على المخلفات داخل ساحات الحرم، وتهيئتها للصلاة والعناية بنظافة المسجد الحرام، وساحاته، ومرافقه، وتقوم بتنفيذ هذه الخدمات إدارة العربات، وإدارة الأبواب، وإدارة الصالات، وإدارة سقيا زمزم، ووحدة الأمن والسلامة في المسجد الحرام.

في حين يركز المشرفون على المحور الفني اهتمامهم بتشغيل وصيانة جميع الأجهزة والأنظمة المعنية من الإنارة والتكييف والتهوية وأنظمة الصوت، والتحكم والكاميرات وأجهزة الاتصال والسلالم الكهربائية، والمباني، وتقوم بتنفيذ هذه الخدمات الإدارة العامة للمشاريع والدراسات والإدارة العامة للصيانة وإدارة التشغيل.

أما في بند الخدمات غير المباشرة والذي تشتمل عليه خطة هذا العام، فالتركيز ينصب على إعداد خطوات تنفيذ الخطط العملية والإدارية لتيسير العمل في موسم شهر رمضان، ورصد أداء العاملين وحل المشكلات والعقبات والقيام بأعمال مكملة للدور الذي تقوم به الإدارات الأخرى، وتقوم بتنفيذ هذا الجانب إدارة المتابعة، وإدارة الشؤون المالية، وإدارة شؤون الموظفين.