مصاريف رمضان تجبر الأسر المغربية على شراء الكتب المدرسية المستعملة

تجارة موسمية يديرها أطفال

كتب مستعملة معروضة للبيع على الرصيف (تصوير: مصطفى حبيس)
TT

قبل اسبوعين من انطلاق الموسم الدراسي في المغرب، الذي يبدأ منتصف شهر سبتمبر (ايلول)، يتحول رصيف شارع «المسيرة الخضراء» احد الشوارع الرئيسية بحي يعقوب المنصور الشعبي الكبير، في الرباط، الى مكتبة مفتوحة مليئة بالكتب الملونة، يقصدها كل من يبحث عن كتاب مدرسي مستعمل يباع بسعر اقل بكثير من الكتاب الجديد المعروض في المكتبات.

تزامنُ شهر رمضان لهذا العام، مع الدخول المدرسي، ثم موسم العطل الذي انتهى قبل ايام فقط من موعد الصيام، أرهق موازنة العديد من الاسر المغربية، حيث لا حديث إلا عن ارتفاع المصاريف، وغلاء المواد الاستهلاكية. ومن اجل تخفيف العبء المادي تلجأ العديد من الاسر الى شراء كتب مدرسية مستعملة لأبنائها، خصوصا الاسر التي لديها عدد كبير من الاطفال، حيث تتطلب مصاريف الدراسة مبالغ مالية كبيرة لتلبية احتياجات الابناء التي لا تتوقف على توفير الكتب فقط، بل اللباس وغيره.

بيع الكتب الدراسية المستعملة اصبح «تجارة» موسمية يمارسها الاطفال على الخصوص. ومن بين هؤلاء شفيق، وعمره تسع سنوات، الذي وقف في زاوية على رصيف الشارع ووضع على الارض بضع كتب دراسية من مختلف المواد العلمية والأدبية، قال إنها كتبه التي لم يعد بحاجة اليها، لأنه سينتقل الى الصف التاسع، اما لماذا يعرضها للبيع، فقال ببساطة انه لم يجد ما يفعله لقضاء الوقت في ما تبقى من الاجازة الصيفية قبل بدء الموسم الدراسي.

وقال انه لا يبيع كتبه بغرض توفير المال، بل لأنها اذا ما بقيت في المنزل فستضيع وتتلاشى، وبالتالي فكر ببيعها لمن هو في حاجة اليها كما يفعل الكثير من اصدقائه، مضيفا انه يعرف أطفالا آخرين يبيعون كتبهم قصد التمكن من شراء الكتب الدراسية للعام الجديد، لان اسرهم لا تستطيع توفير كل لوازمهم الدراسية، خصوصا ان الموسم الدراسي يتزامن مع شهر رمضان حيث تنفق الاسر مصاريف كثيرة لشراء المواد الغذائية.

وبتلقائية التاجر الشاطر، الذي يعتني ببضاعته لجلب الزبائن، بدأ عمر يتصفح كتبه، ليؤكد لزبائنه انها سليمة، وفي حالة جيدة، و«كأنها غير مستعملة»، كما قال، فهو يختلف عن التلاميذ الآخرين الذين يهملون كتبهم، «فتتمزق حتى قبل انتهاء الدراسة».

أما عبد الحق، عكس عمر الذي كانت تبدو عليه علامات الخجل، والارتباك، فقد بدا واثقا من نفسه وهو يقف على الرصيف، وأمامه كمية كبيرة من الكتب المعروضة على الارض.

وترك عبد الحق، 15 سنة، مقاعد الدراسة لأنه لا يريد ان يكمل تعليمه، كما قال، من دون ان يكشف عن أي مبرر آخر، حيث كان مصرا على الحديث باختصار شديد، مبديا بعض الانزعاج من الاسئلة التي وجهناها اليه.

وأوضح عبد الحق ان الكتب المعروضة للبيع ليست كتبه، بل اشتراها بدوره من التلاميذ الذين لم يعودوا بحاجة اليها، ويريدون التخلص منها مقابل مبلغ من المال.

والظاهر ان عبد الحق سائر في درب التجارة، فبعد انتهاء فترة الدخول المدرسي، يعوض الكتب الدراسية ببيع المجلات المستعملة.

وكأي نوع آخر من التجارة، تخضع تجارة الكتب الدراسية المستعملة لقانون العرض والطلب، بخلاف ما تبدو عليه من انها مجرد تجارة عشوائية يمارسها اطفال صغار بالفطرة، فسعر الكتاب يكون مرتفعا في بداية الموسم، ثم ينزل بالتدريج، حين يخف الطلب عليه، الا ان القاعدة العامة التي يحتكم اليها هؤلاء التجار، هو ان سعر الكتاب المستعمل، هو نصف سعر نظيره الجديد، ثم تبدأ عملية المساومة التي تخضع لمدى شطارة الزبون.

ويقول عبد الحق إن دخله من هذه التجارة الظرفية، يصل الى حوالي 60 درهما في اليوم في ذروة الموسم، ثم «كل يوم ورزقه» على حد تعبيره.

وقال أب جاء برفقة ابنه الصغير يسأل عن كتاب لمادة الرياضيات للفصل الثالث، إن شراء الكتب الدراسية المستعملة يعود الى رغبة الاسر في توفير المصاريف، نظرا لتزامن شهر رمضان مع الدخول المدرسي والعطلة الصيفية، وموجة غلاء الاسعار التي تعرفها مختلف المواد الاستهلاكية.

وأوضح الأب ان السبب الاخر هو ان المقررات الدراسية تتغير كل عام تقريبا، لذلك لم يعد بالإمكان استفادة الابناء الآخرين منها كما كان يحصل في السابق، «حيث كانت الكتب تنتقل بين الاخوة، ولا نحتاج سوى الى شراء الدفاتر والأقلام».

هل تؤثر تجارة الكتب المستعملة على مبيعات المكتبات؟

يختار باعة الكتب المستعملة اماكن استراتيجية لعرض بضاعتهم، وإذا كان الرصيف الطويل للشارع يسع الجميع، إلا ان المحظوظ اكثر هو من يفرش كتبه بجانب المكتبات، ومن بينها مكتبة «المناهل» المعروفة في هذا الشارع، والتي تحاصرها الكتب الدراسية المستعملة من كل جانب، وعندما سألنا صاحبها إن كانت هذه التجارة تؤثر على مبيعات مكتبته، قال ان الامر لا يحتاج الى طرح السؤال أصلا، لان التأثير يظهر بوضوح للجميع، اذ من الطبيعي ان يشتري الناس الكتب المستعملة الاقل ثمنا، طالما ان المحتوى هو نفسه، ولا فرق بينها وبين الكتب الجديدة سوى في الغلاف الخارجي الذي يبدو متضررا بعض الشيء من كثرة استخدامه.

وأكد ان المبيعات تنقص بنسبة قد تصل الى 30 في المائة، الا ان اصحاب المكتبات لا حيلة لهم أمام هذه الظاهرة، مشيرا الى ان تجارة الكتب الدراسية المستعملة لا تقتصر على ما هو معروض على الارض في هذا الشارع، بل هناك مكتبة في حي آخر في الرباط، اصبحت متخصصة في هذه التجارة، لديها العديد من الزبائن الذين توفر لهم كل ما يحتاجونه من مقررات دراسية من مختلف الشعب والمواد، والفصول، أي ان الامر لم يعد مجرد تجارة بسيطة يلجأ اليها اطفال او شباب لفترة زمنية محددة من اشهر السنة، لكسب بعض المال بسبب الحاجة او البطالة.