مساجد في المغرب تتحول إلى مطاعم ورياض أطفال في رمضان

نساء يتلقين دروس محو الأمية في أحد المساجد (تصوير: مصطفى حبيس)
TT

تمتلئ المساجد في المغرب عن آخرها بالمصلين والمصليات، في شهر رمضان الكريم، خصوصا أثناء صلاتي العشاء والتراويح، ويتزايد عدد مرتادي بيوت الله بحوالي 45 في المائة حسب احصائيات رسمية.

ورغم ان مساحة كثير من المساجد تكون شاسعة فان الازدحام يحصل فيها بسبب التسابق على اماكن تأدية الصلاة، ويتسبب كل ذلك في مظاهر سلبية تعرفها بعض المساجد خلال شهر رمضان، وتتحمل فيها بعض النساء مسؤولية كبيرة للأسف.

فإذا كان المسجد أو الجامع، يعتبر مكانا مقدسا يجب ان تراعى فيه الكثير من الشروط، الا انه في نظر البعض يظل مجرد مكان عام لا حرمة له، فهل يعقل ان يتحول الى مطعم للاكل والشرب، وتبادل الحديث والثرثرة؟ فبحجة العثور على مكان للصلاة، تأتي بعض النساء باكرا الى المسجد قبيل صلاة المغرب، لحجز اماكنهن في الصفوف الامامية للاجنحة المخصصة للنساء، وهو امر عادي ومشروع لا احد يمكن الاعتراض عليه، الا ان ما يحصل هو جلب وجبة الافطار بكاملها الى الجامع، بدل الافطار بالتمر وكاس ماء او حليب، حيث تجتمع بعض النسوة بعد تأدية صلاة المغرب، حول مائدة للافطار تضم مختلف المأكولات من شاي وقهوة وحلويات وفطائر وبيتزا. وبما ان الحديث لا يحلو الا على مائدة الطعام، تبدأ الثرثرة حول مختلف الامور، من اسعار المواد الغذائية في السوق، ومشاكل الاولاد والجيران، الى تبادل وصفات الاطباق الرمضانية والحلويات، وانتهاء بالضحك.

وتقول احدى المصليات، ان بعض النسوة لا يحترمن بتاتا خصوصية المسجد كمكان للعبادة، بل يرينه فرصة للالتقاء بالجارات وتبادل الحديث عن مشاكلهن اليومية، وتناول الطعام بحرية، وكأنهن في بيوتهن. وقالت هذه السيدة ان هذه الظواهر تعود الى قلة الوعي، والى لا مبالاة، بحيث تجد ان بعض النساء لا يكترثن او لا يتقبلن النصائح التي تقدم لهن، بل تجد لديهن حججا جاهزة لتبرير ما يقمن به، سواء في شهر رمضان، او في الايام العادية، وكأن الجامع مكان للترفيه، والتخلص من أعباء البيت.

ومن بين المظاهر السلبية الأخرى التي تعرفها المساجد في رمضان، ان عددا من النسوة يصحبن اطفالهن الى المسجد، بحجة انهن لا يمكن تركهم بمفردهم في المنزل، ويتسبب هؤلاء الصغار في ازعاج كبير للمصلين والمصليات، فيتحول الجامع الى مكان للعب والجري، والصياح والبكاء. وفي هذا السياق، قالت فتيحة المودن، الواعظة الدينية لـ«الشرق الاوسط»، انه لم يسبق ان لاحظت ظاهرة تناول الطعام في المساجد التي تلقي فيها دروس الوعظ والارشاد، مثل مسجد «النور»، بمدينة تمارة المجاورة للرباط، ومسجد بحي الرياض في الرباط. الا انها اكدت وجود ظاهرة اصطحاب الاطفال الى المساجد، حيث يتركون خلف الصفوف او على الابواب، يلعبون ويصرخون، وهو ما يتسبب في ازعاج كبير للمصلين الذين يشتكون من تشويش هؤلاء الاطفال عليهم اثناء تأديتهم الصلاة التي تتطلب السكون للوصول الى مرتبة الخشوع.

وأوضحت المودن انها لا تلوم الاطفال بل الآباء الذين لا يعلمون اطفالهم اداب الدخول الى المساجد. وأضافت انه من المحبذ قدوم الاطفال الى المساجد، فالرسول صلى الله عليه وسلم، كان يحث على ذلك، حتى انه في احد الايام نزل من المنبر اثناء خطبة الجمعة، وحمل الحسن والحسين، وفرح بهما.

وألقت فتيحة، وهي رئيسة لجنة الطفل التابعة للمجلس العلمي في الرباط، المسؤولية أيضا على القيمين على المساجد الذين يوجد من بينهم من يعامل الاطفال معاملة سيئة في المساجد، وأوردت مثالا على ذلك هو ان طفلها البالغ 10سنوات، وصل في احد الايام باكرا الى المسجد لتأدية الصلاة، ووقف في الصف الامامي، وإذا بالقيم على المسجد يأمره بالرجوع الى الخلف، بطريقة فجة، من دون ان يكون له الحق في ذلك، مشيرة الى ان بعض القيمين يضربون الاطفال ويطردونهم من المسجد، وكلها سلوكيات تجعل الاطفال ينفرون من المساجد.

وقالت فتيحة ان ما تلاحظه على تصرف بعض النساء في المساجد، يشير الى انه لم يعد لديهن حياء، فبعضهن يأتين الى المسجد، ويشرعن في الكلام والثرثرة بصوت عال، كما لو انهن في مكان عمومي، من دون مراعاة أي احترام وحرمة لبيت الله، ونظرا لتفشي هذه الظاهرة، تقول اقوم من حين لآخر بإلقاء موعظة عن اداب المسجد، ذلك ان هذا الاخير له حرمة، ولا ينبغي التحدث فيه عن الامور الدنيوية. وأوضحت ان هناك حديثا نبويا يقول: «يأتي على امتي زمان، يكون حديثهم في مساجدهم لأمر دنياهم، ليس لله فيهم حاجة، فلا تجالسوهم».

فالمسجد مخصص للصلاة، والذكر، وقراءة القرآن، وحضور جلسات العلم.

من جهتها، قالت الواعظة فوزية المصري لـ«الشرق الاوسط» ان ما يتسبب في هذه الظواهر السلبية في المساجد، هو غياب الوعي والثقافة الدينية التي تستوجب احترام المقدسات، ضمنها اماكن الصلاة، وهذه التوعية يجب ان تتم قبل حلول شهر رمضان، وطوال اشهر السنة.

وأشارت فوزية الى انه بالإضافة الى الاكل، نجد بعض النساء يحرصن على الذهاب الى الحفلات بأجمل الثياب، لكنهن يأتين الى المسجد وروائح الطبخ عالقة بثيابهن! وبدورها تشجع فوزية على ارتياد الاطفال المساجد، لكن ليس من هم دون سن التمييز، بل 5 سنوات فما فوق، اما قبل ذلك، فمن الافضل تركهم في المنزل اذا وجد من يرعاهم، وإذا لم يوجد، من الافضل ان تصلي المرأة في بيتها، وقد حث الرسول صلى الله عليه وسلم على ذلك، الا انه نظرا لتفشي الجهل والأمية، فالمساجد، في رأي فوزية، اصبحت تساهم في التنوير والتثقيف، الى جانب وسائل التوعية الدينية الكثيرة التي اصبحت في متناول الكثيرين. وأوضحت فوزية، ان دروس محو الامية التي اصبحت تعطى في المساجد، ساهمت بشكل او بأخر في عدم احترام خصوصيتها من طرف النساء، وقالت «كثير من المساجد نجدها مملوءة بغبار الطباشير، وبعض النساء يأتين الى هذه الدروس بلباس غير نظيف، علما ان النظافة هي إحدى الأولويات التي يجب ان تراعى في أماكن الصلاة».

وحثت فوزية النساء على تناول وجبة الافطار في البيت، وإذا لم يجدن مكانا للصلاة في المسجد فليصلين في بيوتهن، فـ«الجامع ليس مكانا للنميمة، أو البيع والشراء، بل له حرمة يجب مراعاتها».

وهناك من يرى ان الظواهر السلبية التي نلاحظها في المساجد تعود الى عدم وجود اماكن صلاة كافية في الاحياء الكبرى، وهو ما يتسبب في الزحام، كما ان الاماكن المخصصة للنساء تكون في الغالب صغيرة وضيقة، وبعض المساجد بنيت بطريقة عشوائية، وتظل مهملة وغير نظيفة، ومن دون صيانة، ولا رقابة.

ولتفادي كل هذا، شرعت وزارة الاوقاف والشؤون الاسلامية المغربية في تنفيذ خطة شاملة لإعادة هيكلة بعض المساجد، وبناء جوامع كبيرة ولائقة حتى في الاحياء الشعبية.

وحسب احصائيات قامت بها الوزارة المعنية، فان عدد المساجد وقاعات الصلاة في المغرب بلغ 41 ألفا و292 مسجداً،بمعدل 7 مساجد لكل 5000 مواطن.

و يعمل بها نحو 74 ألف مؤذن وإمام وخطيب لصلاة الجمعة، اضافة الى مرشدين دينيين.

ويعد مسجد الحسن الثاني بمدينة الدار البيضاء، الاكبر في المغرب، وتصل قدرته الاستيعابية الى 25 الف مصل، في قاعة الصلاة الداخلية، و80 الفا في الباحة الخارجية.