مساجد البلقان تزدان بالمصلين وتضاء مناراتها بالأنوار في رمضان

أنس بودفيتش لـ«الشرق الأوسط» تعودنا أن نبحث هذه المسائل الرمضانية قبل حلول الشهر الكريم بشهرين

احد مساجد البلقان اكمل استعداداته لاستقبال المصلين في رمضان («الشرق الأوسط»)
TT

ازدانت الساحات بالانوار وتسلقت الفوانيس المضيئة منارات وقباب المساجد في البلقان، بعد أن غير الكثيرون فرش المساجد، ورشوها بالعطور، كما طلوا جدرانها احتفاء بقدوم شهر رمضان المبارك، الذي تعظم شعائره في البلقان لا سيما من قبل أهل القرآن الكريم وحفظته الذين يتلونه على مدار الشهر في المساجد منذ وقت السحور حتى صلاة الفجر ومن صلاة الظهر حتى صلاة العصر، ثم صلاة التراويح وهكذا حتى ينته الشهر المبارك. وكانت لـ«الشرق الأوسط» لقاءات مع عدد من الحفاظ والأئمة لتبحر معهم في طريق القرآن والترقي منذ كانوا صغارا وكان اللقاء الاول من الحافظ عزيز خليلي الذي حفظ القرآن في سن العاشرة سنة 1979 على يد رجل ضرير يبلغ عمره الآن 75 عاماً، قال عنه إنه «من الحفاظ المتميزين، ولم يكن يأخذ أجراً على تعليمنا، كان يعلمنا في الصباح والمساء، وكنا نتعلم القرآن سراً في العهد الشيوعي، وقد حققت على يديه أمنية والدي وهي أن أحفظ القرآن كاملاً» وتابع «كنت طالباً مجتهداً في المدرسة، وقد أُدخل شيخي السجن بعد أن اكتشفت الشرطة الشيوعية ما كان يقوم به من تعليم الإسلام للأطفال، وكنت أنا من بينهم، وقضى شهرين بالسجن ولم يرحموا حالته الصحية حيث كان ضريراً كما قلت، وأخذت الشرطة منا كتبنا التي كانت مقررة عند الشيخ، بما ذلك نسخ القرآن التي كانت لدينا وكان ذلك صعباً بالنسبة لي عندما فقدت النسخة التي أحفظ منها القرآن، ولكن الله أعانني، وحفظت القرآن وانا ابن عشر سنوات، وبعدها أصبحت أدعى لسراييفو للمشاركة في مسابقات تلاوة القرآن عن ظهر قلب، وفي سنة 1987 أنهيت دراستي الثانوية، وفي سنة 1993 تخرجت في الجامعة في كلية الدراسات الإسلامية بسراييفو» وعن حركة حفظ القرآن في سراييفو آنذاك، وكيف انتقل إليها، قال «في ذلك الوقت لم يكن في البوسنة حفاظ كثيرون، أما في مقدونيا فقد كنا 15 حافظاً وكنت أصغرهم، وبعد أن أكملت دراستي الابتدائية، التحقت بمدرسة الغازي خسرو بك الثانوية الإسلامية بسراييفو. وكان صعباً علي أن أفارق أهلي ولكني كنت مضطراً لذلك لأنه لم تكن توجد مدرسة إسلامية في مقدونيا آنذاك، وكانت مدرسة غازي خسرو بك الوحيدة في يوغسلافيا سابقاً التي تدرس الإسلام، بالإضافة لمدرسة ضعيفة في بريشتينا، بعد أن أغلق الشيوعيون عدداً كبيراً من المدارس الإسلامية في كل أنحاء البلاد وقتئذ. كانت مدرسة غازي ولا تزال من المدارس العريقة في منطقة البلقان، ولذلك رغب أبي في أن ألتحق بها لمواصلة دراستي الإسلامية. وفي أثناء دراستي كنت المؤذن بجامع الغازي خسرف بك الملاصق للمدرسة. وبعد فترة قليلة أصبحت الإمام الراتب بالجامع. وبعدها التحقت بفرقة الإنشاد الإسلامي وأصبحت معروفاً في الأوساط الإسلامية بمنطقة البلقان، لكن السلطات الشيوعية لم تكن تسمح لنا بإقامة حفلات جماهيرية، فكنا نكتفي بالبيوت والمساجد.

ويعمل خليلي إماماً بمسجد زغرب الكبير بالمركز الإسلامي حيث كان آلاف المهجرين المسلمين من البوسنة، كما يعمل مدرساً بالمدرسة الإسلامية هناك التابعة أيضاً للمركز الإسلامي واسمها مدرسة الدكتور أحمد سماعيلوفيتش. والمركز الإسلامي في زغرب منظم جداً، فهناك 1400 طفل وشاب يتلقون العلوم الإسلامية في رحابه وداخل الأقسام التابعة له وبالمدرسة الإسلامية بزغرب 100 طفل من أبناء المسلمين الكروات والبوشناق.

وقد صقل عزيز خليلي قراءته للقرآن في مكة المكرمة وعن ذلك قال «تلقيت دعوة من المعهد العالي للأئمة والدعاة فانتهزت الفرصة، وبجانب الدروس التي كنت أتلقاها هناك كنت أذهب للحرم لدراسة القراءات بسندها عن رسول الله صلى الله عليه وسلم وقد تتلمذت على يد الشيخ عبد الدائم من المغرب والشيخ أيمن رشدي من جدة وبالأصح على يد تلميذه الشيخ أحمد، وعلى يد الشيخ عبد الله بصفر الأمين العام للهيئة العالمية لتحفيظ القرآن الكريم. وأرجو من الله أن يجزيهم عني جميعاً كل خير لأنهم ساعدوني كثيراً وحققوا أمنيتي وأمنية والدي وهي أن آخذ القراءات بسندها عن رسول الله صلى الله عليه وسلم وهذا غير متوافر في البلقان، وما نتمناه هو أن يكون لدينا حفاظ بالسند عن رسول الله صلى الله عليه وسلم. وقد تعلم خليلي القراءات العشر. وفي الجبل الاسود التقينا بالإمام أنس بودفيتش رئيس المجلس الاسلامي هناك، الذي تحدث عن حركة بناء المساجد في الجبل الأسود «هناك مساجد تبنى وأخرى في مرحلة الترميم وعدد المساجد حاليا يبلغ أكثر من 100 مسجد، أما أولويات المشيخة الاسلامية فهي إكمال بناء المدرسة الاسلامية فنحن الآن في أمس الحاجة للمدرسة، ونأمل في الحصول على مساعدات في هذا الشأن، فقد بقي قسم سكن الطلاب، المبيت، غير جاهز» وعن مدى استيعاب المدرسة قال «سنبدأ، بعون الله، بأربعة فصول في كل فصل 30 طالبا أي 120 طالبا في الجملة، وإن شاء الله يرتفع العدد تدريجيا في المستقبل»، وعن نشاط المساجد في رمضان قال «سأبدأ من المشيخة الاسلامية فنحن تعودنا أن نبحث هذه المسائل الرمضانية قبل حلول الشهر الكريم بشهرين، ونقوم بزيارات للمساجد لنرى احتياجاتها ونساعد في إعدادها لقبول الضيف الكريم. وهناك إقبال على الالتزام في صفوف المسلمين ولا سيما الشباب المتعلم المتمسك بالدين، فالإسلام هو دين العصر. أما عادات المسلمين في شهر رمضان فهي لا تختلف عن كثير من بلاد المسلمين، من إحياء ليالي رمضان بصلاة التراويح والتهجد، وصلاة التراويح هي شعارنا في رمضان. ولدينا عادات أخرى كدعوة الجيران لطعام الافطار، أو تناول الجيران طعام الافطار كل يوم في بيت أحدهم، وهذا يخفف العبء على النساء في عملية الطبخ والأعداد وأحيانا تتعاون الجارات في هذا العمل. وحتى خارج إطار الجيرة، هناك تنظيم للافطارات الجماعية ومنها اتفاق مجموعة من جماعة المسجد على أن يكون هناك إفطار في بيت أحدهم كل يوم. وأحيانا تبلغ المجموعة 40 فردا، والمهم في هذا، الاجتماع وليس الأكل. وهناك من يعتكف في شهر رمضان داخل المسجد أو العشر الأواخر عن المشاكل التي يعاني منها المسلمون في الجبل الاسود قال «صدر قانون يمنع ارتداء الحجاب في الوثائق الرسمية كجوازات السفر سوى للعاملات في المؤسسات الدينية، وكان قانونا خاصا بالراهبات كما يبدو، وقد اضطررنا لإعطاء أخوتنا المحجبات شهادات تفيد بأنهن يعملن في المشيخة الاسلامية فكل مسلم ملتزم يساعد بالتزامه المشيخة على أداء مهمتها وهو بذلك متطوع فيها. ولدينا مشكل الأوقاف وغيرها من المشاكل اليومية» وعن تقاليد العيد في الجبل الاسود ذكر بودفيتش أن «الذين لا يصلون عادة يأتون جميعا للمساجد وساحاتها يوم العيد. نحن نستبشر بذلك، فبعضهم يواظب بعد ذلك على الصلاة. فكل الذين لا يصلون عادة يأتون فعلا للمساجد لاداء صلاة العيد كتعبير على انتمائهم للاسلام وإنهم لم يخرجوا منه كما يعتقد البعض وإن كانت الصلاة عماد الدين وأول من يسأل عنه المرء يوم القيامة. وجميعهم يشعر بالسعادة لكونه مسلما ويتبادل التهاني مع الآخرين بقدوم العيد. والذهاب للمسجد يكون من طريق والعودة من طريق آخر، ولعل ذلك لإظهار فرح العيد فعندما يرونك الناس بلباس جديد يعرفون أنك مسلم وأنك تحيي شعيرة الاحتفال بالعيد، ثم زيارة الاهالي وتبادل التهاني معهم، ونحن ننهي عن زيارة القبور في العيد لأنها بدعة.