أول سنة صيام.. بين «درجات المادنة» وطعام الغزلان!

صيام الأطفال من العراق إلى المغرب مرورا بسورية

طفل عراقي يقرأ القرآن في أحد مساجد كربلاء (رويترز)
TT

يقولون في المثل الشعبي: من عاشر القوم أربعين يوما أضحى منهم. فما بالك عزيزي القارئ بطفلك يحذو حذوك، فأنت مثله الأعلى في كل صغيرة وكبيرة على مرور أيام السنة، وخلال كل سنة يهل علينا شهر رمضان المبارك وتهفو نفس الصغير إلى خوض تجربة الصيام مع الأهل تكون في البداية فضولا، فتكون الحيرة هل نلبي له رغبته أم نمنعه من الصوم بحجة أنه لايزال صغيراً، وتتساءلين أيتها الأم في الوقت نفسه، كيف أعود طفلي على الصيام؟ وإذا ما صام فما العناصر الغذائية التي يجب أن يتناولها في وجبتي الإفطار والسحور؟

تجارب مثيرة يعايشها الأهل مع صغارهم في أول سنة صيام بعضها طريف والاَخر مثير للقلق من وجهة نظرهم. أم فراس من سورية تضحك وهي تروي لـ«الشرق الأوسط» كيف كان ابنها البكر لا يمل من شن «غاراته» الخاطفة والمتواصلة على الثلاجة وهو في السابعة خلال النهار ليروي ظمأه ويتظاهر أمام الجميع بأنه عطش للغاية من الصيام وحول ذلك تعلق قائلة: «لا أخفيك أنني قلقت للغاية من كذب ابني علي بأنه صائم وهو يشرب خفية، وعندما استشرت جدته «أمي» في كيفية حل هذا الموضوع أخبرتني أن الضرب لن يفيد، فعلى الأم أن تكون حكيمة في تعاملها مع تلك المشكلة فلا تواجهه بخطئه أو بأنه يكذب عليها بل توضح له بشكل غير مباشر عواقب هذه السلوكيات الخاطئة مثل الكذب وعدم الصيام من خلال حكايات تحمل هذا المعنى».

أما مهدي ذو الثلاثة عشرة ربيعا فله قصة طريفة للغاية مع صيام رمضان، بطلتها شجرة التوت في مزرعة جارهم المجاورة، كان موعده معها بعد رجوعه من المدرسة يتسلق أغصانها برشاقة الغزلان ليسكت جوعه ببضع حبات شهية منها ومن ثم يعود إلى المنزل وبراءة الأطفال في عينيه لينتظر مع باقي الأسرة موعد ضرب المدفع! مهدي اعترف لي أنه أصيب بعذاب الضمير عندما أخبره معلم مادة التربية الإسلامية في المدرسة حول عواقب الرياء والتظاهر بالصوم في الشهر الكريم بعدها قطع عهدا مع نفسه بأن يصوم رمضان بكل نزاهة.

و«درجات المادنة» أو المئذنة، هكذا يصف أهل الشام الطفل في أول سنة صيام له، حيث يتدرج الأهل كما تصف لنا دارين إبراهيم في معاونة الطفل على الصيام بزيادة الفترة الزمنية من ربع إلى نصف ساعة بحسب قدرة الطفل على الاحتمال كل ثلاث أو أربع أيام كالذي يصعد إلى أعلى مئذنة المسجد، وفي نهاية فترة الصوم تحرص الأم على مكافأة الطفل بالحلويات الشهية وصنع ما يطيب له من طعام.

وفي العراق يسمون هذه الطريقة في الصوم «صوم الغزلان» كما تقول أم شهد، وتضيف: «تستخدم هذه الطريقة مع الأطفال قبل سن المدرسة الذين يرغبون في الصيام، حيث يقول لهم الأهل صوموا ولكن عند الظهر ستأتي الغزالة ومعها طعام لكم ولا بد أن تأكلوا». وتعتقد أم شهد أن السبب الذي من أجله تمت تسمية هذا الصيام بهذا الاسم أن الغزال حيوان لطيف ومحبوب من قبل الأطفال.

ويا لحظ الأطفال في المغرب عند أول سنة صيام لهم، حيث يحتفل بهم الأهل كما يقول محمد بن حبوط، مغربي الجنسية، احتفال الفاتحين، ويؤكد بن حبوط أن الغربة لم تُنس العائلات المغربية في الإمارات أصول الاحتفال بأطفالها في أول سنة صيام لهم، وتختلف طقوس الاحتفال بالطفل عن الطفلة، وتتضمن الاحتفالات بالطفل الصائم العديد من المراسم، تبدأ بعد تناول وجبة الإفطار مباشرة، وبالنسبة للطفلة يعد «التنكيف» أي التزيين، حيث يتم تزيينها بالشكل الذي تزين به العروس ليلة زفافها، والجميل في الأمر أن هذا التزيين امتزجت فيه كل الإكسسوارات الأمازيغية واللباس الأندلسي والأفريقي والعربي؛ بحيث ترتدي الفتاة في هذا اليوم «القفطان» يتكون من قطعة واحدة، أو «التكشيطة» التي تتكون من قطعتين، هما «الدفينة» القطعة العلوية، و«التحتية» القطعة السفلية. أما الإكسسوارات التي ترافق اللباس المغربي فهي: ـ التاج الذي يوضع على رأس الطفلة. ـ «السرتلة» أو «الشرتلة» وهي دمالج يجب أن يبلغ عددها سبع قطع. ـ «النصاص» وهو نوع مغربي أصيل من الأقراط.

ـ «عقيق» وهو عقد العنق، يتكون من اللوبان والجوهر. ـ ملحفة «البزارة» وتزينها بأقراط من الذهب أو الفضة أو ما يعرف بـ«النقرة» باللهجة المغربية. وعندما تنتهي النكافة (المزينة) من تزيين الفتاة تجلس هذه الأخيرة في المكان المخصص لها، والذي يكون عادة في وسط البهو، ويأتي دور «النقاشة» التي تقوم بوضع نقوش مزركشة بالحناء على الأيدي، وتجمع حولها الأسرة بعد إعدادها لأطباق مغربية تقليدية خاصة تحضر عادة في رمضان وتشمل الشباكية أو المخرقة والسفوف ليشارك في هذا الاحتفال صديقات للطفلة الصائمة بصحبة أصدقاء العائلة.

وفيما يتعلق بالطفل الصائم داخل العائلة المغربية فإن جميع أفرادها يشجعون نجاحة في الانتصار على شهوة «البطن» بمنحه الهدايا التي عادة ما تكون من اللباس المغربي الخاص بالصبيان ويتكون من الجلباب، السلهام، البلغة، جبدور، وسروال فضفاض، سمس وسروال قندريسي، وأخيرا الطربوش وعادة ما يكون أحمر داكنا. ولا يتوجب شرعا على الطفل الصيام ما لم يصل سن البلوغ، فهم قبل ذلك غير مكلفين شرعا ولكن يؤمرون بالصوم إذا طاقوه كما يوضح فضيلة الشيخ إبراهيم اليوسف، وذلك على سبيل التمرين والتدريب، فقد ورد في حديث الربيع بنت معوذ رضي الله عنها قالت: «أرسل الرسول صلى الله عليه وسلم غداة عاشوراء إلى قرى الانصار من أصبح مفطرا فليتم بقية يومه، ومن أصبح صائما فليصم: فكنا نصومه بعد ونصوم صبياننا ونجعل لهم اللعبة من العهن فإذا بكى أحدهم على الطعام أعطيناه ذلك حتى يكون عند الإفطار» رواه البخاري ومسلم.

صحيا، ينبه الدكتور محمد الحموي خبير التغذية ـ إلى أن الأطفال دون الثانية عشرة لا يحتملون الصيام كما يحتمله الشخص البالغ ولكن إذا كانت بنيتهم قوية وتكوينهم الجسماني يسمح بذلك يمكن تشجيعهم تدريجياً على الصوم، حتى لا يلجأون إلى الغش بدافع إثبات المقدرة على الصيام بأن يمتنعوا عن الطعام والشراب أمام الناس فقط! لذلك فإنه لا ضرر من صيام الطفل مادام يتمتع بصحة جيدة ولكن على الآباء والأمهات متابعتهم.

ويشير الحموي إلى أن الصيام يقلل من السكريات في الجسم والطفل يحتاج لسكريات أكثر؛ لأن حركته أكثر من الشخص البالغ، لذلك فإن صيام الطفل يفقده الكثير من السكريات فيشعر بالتعب والهزال.