تحية للصابرين

د. عائض القرني

TT

هذه تحية من الله للصابرين الذين يؤدون عملهم بصبر، ويجتنبون المعاصي بصبر، ويستقبلون القضاء المر بصبر. ما أجمل الصبر! وما أعظم الصابرين! نحن بحاجة إلى صبر (رَبَّنَا أَفْرِغْ عَلَيْنَا صَبْرًا(، بحاجة إلى هذا الزاد الذي هو أغلى من كل زاد... صبر في طريق الحياة الطويل الشاق... صبر على جفاء القريب.. وتجهّم العدو.. وعقوق الابن.. وهجر الصاحب.. وكراهية الحاسد.. وتشفّي الشامت.

صبر على بؤس الفقر.. وألم المرض.. وصلف المتكبّر.. وسوء أدب الجاهل. إذا سمعت كلمة نابية فصكّ سمعك. واصبر لتتحول إلى قصيدة عصماء من الثناء.. إذا هجاك سفيه.. ونال عرضك رعديد فاصبر.. لتخلع عليك أوسمة المدح الأبدي.

اصبر إذا تأخر المطلوب.. وقلّ المساعد.. وتعطّل المقصود وتأخر الطلب. اصبر على هذه الحياة في الدنيا التي كُدّرت بالمنغّصات.. ومُزجت بالمكروهات. كما قال الحريري: دار متى ما أضحكت في يومها أبكت غداً قبحاً لها من دار إخوتي: من عنده صبر فقد ملك أغلى كنز في العالم.. وأعظم ثروة في الدنيا، فتجده راضياً باسماً حليماً.. يضحك في وجه الأزمات.. يبتسم وهو في عين العاصفة يهشّ وهو في جفن الردى.. فالصبر حبيب الله.. لأن الله يحب الصابرين. فعن عمران بن حصين، عنه صلى الله عليه وآله وسلم: «ثلاثٌ يدرك بهن العبد رغائب الدنيا والآخرة، الصبرُ على البلاء، والرضا بالقضاء، والدعاء في الرخاء».

فهو خلق فاضل من أخلاق النفس يمتنع به عن فعل ما لا يحسن ولا يجمل، وهو قوة من قوى النفس التي بها صلاح شأنها وقوام أمرها، وقد سئل عنه بعض أهل العلم فقال: (تجرع المرارة من غير تعبس)، وقال بعضهم: (هو التباعد عن المخالفات، والسكون عند تجرع غصص البلية، وإظهار الغنى مع حلول الفقر بساحات المعيشة)، وقيل: (الصبر: المقام على البلاء بحسن الصحبة كالمقام مع العافية)، ومعنى هذا أن لله على العبد عبودية في عافيته وفي بلائه فعليه أن يحسن صحبة العافية بالشكر وصحبة البلاء بالصبر، فيتلقى البلاء بصدر واسع لا يتعلق بالضيق والسخط والشكوى.

قال أبو الفرج بن الجوزي : الرجل كل الرجل من يصبر على العافية وهذا الصبر متصل بالشكر فلا يتم إلا بالقيام بحق الشكر، وإنما كان الصبر على السراء شديدا لأنه مقرون بالقدرة. (اللهم لك الحمد وإليك المشتكى وأنت المستعان وبك المستغاث وعليك التكلان ولا حول ولا قوة إلا بك).