تمر البصرة ولبن أربيل.. من أركان مائدة الإفطار العراقية في شهر رمضان

المنتوج الكردي يعود إلى أسواق الجنوب بعد أن غيبته الظروف الأمنية

عراقي يشتري كمية من التمر استعدادا لانطلاق مدفع الافطار في مدينة البصرة (أ.ب)
TT

اشتهرت المدن العراقية منذ أزمان بعيدة بمنتجها المحلي والذي بات علامة مميزة لها، لا يضاهيه منتوج مماثل، وان ظهر في مدن أخرى مثل البرتقال في ديالى والبرغل والمكسرات في الموصل، والسمك في سدة الكوت، والعنب في بلد، والبطيخ في سامراء، والكباب في الفلوجة، والطرشي في النجف، والتمر في البصرة، واللبن في اربيل.

ولا تخلو مائدة عراقية وربما حتى عربية في شهر رمضان المبارك من التمر واللبن، فهما يعدان جزءا من حياة الناس حتى ضرب العرب بأحدهما مثلا يقول «الصيف ضيعت اللبن».

وإذا كانت الحروب واضطهاد الأنظمة وإعمال العنف قد باعدت بين الشقيقين «لبن اربيل وتمر البصرة» كما هو حال آلاف الأسر التي تعيش الان في شتات المهجر، فإن عودتهما مجددا على مائدة الإفطار العراقية في شهر رمضان الحالي، ينبئ بعودة الحياة الى طبيعتها. ان الظروف الأمنية التي غيبت لبن اربيل عن أسواق البصرة، حفزت القرويين بتسويق الألبان، وخاصة هذه الأيام المتزامنة مع نضوج التمر، الذي يروجه الفلاحون رطبا، حتى بات المشهد مألوفا لبائعات اللبن في الأسواق وأصبح الإقبال علية كبيرا.

يرى أحدهم ان منظر بائعات اللبن وهن قادمات من بعيد، نساء كالخيول يحملن على رؤوسهن أقداح اللبن المنضدة في أواني فوق بعضها، يتمايلن في مشيتهن بتناغم يمنح الأواني الاستقرار والثبات. عاد لبن اربيل، عاصمة أقليم كردستان العراق، بالوصول مجددا الى البصرة على شكل «ناشف أو خاثر» ويباع بالوزن، بعد ان يقطع مسافة 315 كم من اربيل الى بغداد، و550 كم من بغداد الى البصرة، وله مريدون كثيرون، والى جانبه تروج كل بائعة لبن لبضاعتها بتوصيف تحاول فيه التماثل بحكاية بائعة اللبن المشهورة في العصر الراشدي، حين رفضت أم عمارة بنت سفيان بن عبد الله الثقفي طلب أمها ان تغش اللبن، والتي أسعدت بإيمانها وأمانتها الخليفة الراشد عمر بن الخطاب رضي الله عنه، فزوجها لابنه عاصم، وبارك الله لهما فكان من ذريتهما الخليفة العادل عمر بن عبد العزيز. وإن كان تمر البصرة قد اشتهرت منه أنواع البرحي الذي يرسل كهديا في علب أنيقة الى خارج الوطن، فإن لبن اربيل أخذ حيزا كبيرا من الشهرة، حتى قيل ان مواطنا بعث رسالة في البريد من أحد المحافظات في مطلع السبعينات كتب على الظرف العنوان التالي: (بغداد ـ باب المعظم ـ وزارة الدفاع ـ مقابل لبن اربيل) كي يسهل على موزع البريد الدلالة لمكان وزارة الدفاع، التي تقع قبالة محلات اللبن الأكثر شهرة. ومن أشهر أنوع التمور في البصرة، والذي يسوق إما رطباً أو تمراً هو البرحي، الذي يطلق علية «ماكنتوش» البصرة، أسوة بالعلامة التجارية الشهيرة التي تختص بالشيكولاتة، إضافة إلى الخضراوي والخستاوي والقنطار والبريم والحلاوي، ومئات الأنواع التي كانت تقيم لها كلية الزراعة معروضات سنوية خاصة، ومنحت في اختصاص التمر والنخل عشرات الأطروحات التي نالت الشهادات في الدراسات العليا. كما اشتهرت البصرة بمعامل تصنيع التمور في مناطق الداكير وغيرها، وتصدر سنوياً مئات الأطنان منه عبر ميناء البصرة، وخاصة إلى دول شرق آسيا، فيما تصدر الأنواع الجيدة والمحشوة بالجوز واللوز والسمسم إلى الأسواق العالمية، إضافة إلى صناعة الدبس الطبيعي والخل. وللنخلة والثمرة عدة مسميات تطلق عليها من حيث نموها ودورة حياتها ومراحل نضوجها، تبدأ النخلة بالفسيلة ثم النشوة والعديلة فالباسقة والحيطة، أما الطلع فعند تكور حباتها تسمى الحبابوك ثم الجمري فالخلال، ثم الرطب فالتمر. ارتبط اسم البصرة بالنخيل والتمر منذ القدم، حتى أصبحت موطناً لأجود أنواعه وبه اشتهرت، حيث تمتد بساتين النخيل على ضفتي دجلة والفرات عند دخولها الحدود الإدارية للبصرة في منطقتي القرنة والمدينة حتى ملتقاهما حيث يكونان شط العرب، وتستمر البساتين بمحاذاة الشط الذي يبلغ طوله 241 كم وتزداد كثافة وتوسعاً من منطقة أبي الخصيب حتى نهاية اليابسة العراقية في رأس الييشة بالفاو. وقد أشارت المصادر الى أن في البصرة اكثر من ثلاثين مليون نخلة، حتى نهاية عقد السبعينات من القرن الماضي، وقد تأثرت كثيرا بالحروب التي نشبت بالمنطقة وهجرة الأهالي، خاصة خلال الحرب العراقية الإيرانية التي استمرت ثماني سنوات عجاف.