المغربيات يقبلن على شراء كتب الطهي أكثر في شهر الصوم

النساء الأكبر سنا في مقدمتهن

TT

إقبال المغربيات على اقتناء كتب الطهي ظاهرة تتكرر كل عام، في مثل هذا الوقت. فما أن يحل شهر رمضان حتى يتهافتن على شراء هذه النوعية من المطبوعات الملونة، التي يخصص لها أصحاب أكشاك الصحف مكانا خاصا، «لأن بيعها مضمون والطلب عليها من النساء يفوق كل التوقعات»، كما يقول أحد الباعة.

وبخلاف ما قد يتصوره الكثيرون من أن المتزوجات حديثا هن الأكثر إقبالا على اقتناء هذه الكتيبات الصغيرة الملونة، بحكم حداثة تحملهن المسؤولية الزوجية، فإن لمحمد المرضى، الملقب «الروبيو»، وصاحب كشك لبيع الصحف والكتب في مدينة الرباط، وجهة نظر أخرى، انطلاقا من تجربته الشخصية، إذ يرى أن النساء الأكبر سنا، هن الأكثر إقبالا على الكتيبات ذات الحجم الصغير، ويفسر «الروبيو» ذلك برغبتهن في تطوير مهاراتهن، ومواكبتهن لكل ما يطرأ من جديد في عالم الطبخ.

موظفات، وربات بيوت عاديات، وشابات أنيقات يحرصن على متابعة مستجدات عالم الطبخ، بنفس الحرص الذي يتابعن به خيوط الموضة، وعروض الأزياء على صفحات المجلات.

واعترفت إحداهن، وهي موظفة في القطاع الخاص، اثناء تصفحها كتابا ملونا عن الطبخ، في حجم الكف، أمام كشك بائع الصحف، أنها تجد صعوبة في ضبط المقادير وكيفية التحضير، ولذلك تلجأ إلى هذه الكتيبات للاستعانة بها، وخاصة في شهر رمضان، الذي يتنوع فيه الاستهلاك الغذائي، وتتعدد طلبات أفراد الأسرة.

وأضافت بنبرة حزينة، أنها نادمة لكونها لم تأخذ مسألة الطبخ بالجدية المطلوبة لاعتمادها دائما على والدتها التي كانت تعيش معها، ورحلت أخيرا إلى دار البقاء، وتركت في نفسها أسى وفراغا كبيرين.

وقالت رفيقة لها، كانت تقف إلى جوارها، إنها رغم متابعتها لبرامج الطهي في التلفزيون المغربي، بقناتيه الأولى والثانية، فإن ذلك لا يشفي غليلها مثل كتيبات الطهي، التي تكون رهن إشارتها دائما، وتحملها معها في حقيبتها اليدوية، أو تضعها أمامها في المطبخ حين تهم بتطبيق وصفة معينة.

وأوضح «الروبيو»، بائع الصحف، أن الناشرين يجنون أرباحا طائلة من وراء طبع كتيبات الطبخ المغربي، في ورق صقيل، وإخراج جذاب وأسلوب عملي بسيط مكتوب بلغة عربية سهلة، أو بالعامية، مشيرا إلى أن المعدل اليومي للمبيعات عنده يتجاوز في المجموع أكثر من مائتي كتاب في رمضان، وهناك من النسوة من تشتري 10 كتيبات مختلفة لبعض الأكلات، دفعة واحدة. وما يحفزهن أكثر على الشراء هو الثمن الرخيص للنسخة الواحدة إذ لا يتجاوز 10 دراهم، (الدولار يساوي 7.7 درهم)، كما أن المناخ العام في رمضان بدوره، عامل مشجع بحكم ارتفاع وتيرة الاستهلاك.

وقال أحد باعة الصحف المتجولين في الشارع، إن معدل مبيعات كتيبات الطبخ في رمضان يفوق أحيانا مبيعات الجرائد.

وغالبا ما تستوقفه في الشارع سيدة في كامل أناقتها وشياكتها لتطلب منه كتابا لطهي وصفة معينة.

ومن المفارقات التي يسجلها باعة الصحف، أن الرجال في رمضان يقبلون على قراءة الصحف بحجم أكبر من الأيام المعتادة، بينما تنفتح شهية النساء لكتب الطهي التي يشترينها بشكل لافت للنظر.

تتطرق هذه الكتيبات إلى كيفية تحضير سائر كل الأطباق التي تزين المائدة المغربية في رمضان، من سلاطة وفطائر وحلويات وأرغفة ووجبات دسمة أو خفيفة ومشروبات العصير.

وتحدثت عائشة جومان، وهي كاتبة وناشرة لكتب الطبخ لـ«الشرق الأوسط»، عن تجربتها، وقالت إنها كانت بائعة كتب، ثم تحولت إلى الكتابة، وتخصصت في نشر سلسلة من المؤلفات في هذا المجال، بما فيه التجميل بواسطة الأعشاب الطبيعية، وهذا هو مصدر رزقها منذ 30 سنة.

وتتذكر عائشة أن كتابها «التجميل بالأعشاب الطبيعية» نال الجائزة الثانية في إحدى دورات المعرض الدولي للكتاب بمدينة الدار البيضاء، ما حفزها على المضي قدما في هذا الاتجاه، وجعلها تنظم خلال شهر رمضان من كل عام معرضا خاصا لمؤلفاتها عن الطبخ المغربي بكل ألوانه وأشكاله، مشيرة إلى أنها تحمد الله وتشكره وتعيش في بحبوحة من العيش الكريم.

وأكدت أنها تضطر إلى إعادة طبع بعض كتبها بعد نفاذها من السوق، حيث تضيف إليها بعض التنقيحات، كما أنها تراعي القدرة الشرائية للمواطنين أثناء وضعها للوصفات، بما يستجيب لحاجيات مختلف الشرائح الاجتماعية.

وشرحت عائشة انتشار كتب الطهي ذات الحجم الصغير لرخص ثمنها، وسهولة حملها أثناء التسوق، وخلال مراحل إعداد الطهي في المطبخ. وعائشة هي التي تشرف على طبع كتبها ومتابعة توزيعها، حتى خارج المدن، ولاحظت من خلال ذلك، (وهذه مفارقة غريبة حد الدهشة)، أن بيع كتبها في أسواق البوادي أكثر منه في الحواضر، وعزت المسألة إلى شراسة المنافسة في المدينة، بينما البادية ما زالت حقلا بكرا، حسب استنتاجها.

وفسرت ظاهرة تنامي الإقبال على كتب الطهي في رمضان من طرف النساء بأنه شيء طبيعي، ويتلاءم مع الاجواء السائدة في هذا الشهر الكريم، «وكل واحدة منهن تريد أن تكشف عن كفاءاتها أمام معارفها وأفراد أسرتها».

بيد أن عائشة لاحظت بأسف شديد أن المرأة المغربية لا تتردد على المكتبات، «وليست مثل المرأة الاوروبية التي يشكل الكتاب جزءا أساسيا من انشغالاتها، ومكونا من مكونات قفتها متى خرجت إلى السوق للتبضع».