العطر الغامض والمحاط بالأساطير.. يعجز عطاري العالم

عطر الحجر الأسود.. رائحة تشبه الحب ولا يمكن تركيبها في معامل البشر

بعض المكونات المستخدمة في تعطير الكعبة المشرفة (دهن العود الهندي القديم، وروح الورد الطائفي) («الشرق الأوسط»)
TT

رائحة تشبه الحب الصادق الذي يكنه ملايين المسلمين لخالقهم، وتشبه الإيمان القوي. هذا أقرب ما يمكن أن يصل إليه واصف «الرائحة الزكية التي تنبعث من الحجر الأسود عند استلامه» وهي رائحة لا شك علقت بذاكرة كل مسلم قدر له زيارة الأماكن المقدسة، ومن الصعب جداً أن تغادر هذه الرائحة ذاكرته لقداسة الموقف أولاً، ولشدة روعة ذلك العبير والعطر الذي يضوع من حجر الكعبة القادم مباشرة من الجنة، كما تقول الآثار الدينية لدى المسلمين، الذي يستعصي على التشبيه وعلى التركيب كما يبدو.

هذه الرائحة التي دخلت إلى عالم الأساطير من أوسع أبوابه، حينما أصبحت عطراً نادر الوجود تحوطه الشائعات والقصص والتفسيرات والتبريرات يبحث عنها كل حاج ومعتمر وطئت قدماه أرض مكة في كل المحلات المتخصصة ببيع العطور والروائح الشرقية الزكية، كما يقول الباعة في المحلات المجاورة للحرم المكي الشريف، وهو سؤال اعتاد عليه الباعة ويعللونه بشائعات منتشرة كثيراً بين زوار بيت الله الحرام، مفادها بأن هذا العطر موجود وأنه أحد أفخم وأثمن العطور على الكرة الأرضية تقوم إدارة شؤون الحرمين بشرائه خصيصاً لتعطير الحجر كل يوم، وتقول شائعة أخرى إن أحد كبار تجار العطور الشرقية في المملكة، يتبرع بتزويد بيت الله الحرام بآلاف الليترات من هذا العطر.

إلا أن الحقيقة التي يكشف عنها أصحاب محلات العطور المجاورة للحرم والأقدم بينهم بشكل خاص، بكثير من الأسف، هي أن تركيبة العطر الذي يشمه زائر بيت الله الحرام في الحجر الأسود، تركيبة مستحيلة التحقق في قنينة عطر واحدة، لأنها خلطة روحانية عجيبة فيها من المعاني ما يفوق التركيبات العطرية والعشبية المستخدمة عادة، وما يستحيل وجوده كمكون مادي محسوس وموجود على أرض الواقع، رغم كونه موجوداً ويمكن التقاطه بالأنف من الحجر المكرم، ولهذا اصطدمت آلاف المحاولات لعطارين حذقوا الصنعة، وحاولوا استخلاص هذه الرائحة بالفشل، رغم امتلاء رفوف محلاتهم بآلاف القناني والزجاجات لمحاولات فاشلة يطلق عليها كلها اسم عطر الحجر الأسود، إلا أن أياً منها لا يحمل ذلك الضوع الحقيقي، الذي ينبعث من الحجر.

وقال تركي عبد الصمد القرشي، نائب مدير فروع محلات عبد الصمد القرشي في السعودية، إن طبيعة العطر الموجود في الحجر، تعتمد على عدة مكونات، فهو أولاً معطر من الله، عز وجل، بحسب بعض النصوص الدينية التي يستند إليها القرشي، إضافة إلى أنه يحظى بنصيب من كل عطور الدنيا، فكل زوار البيت كما يقول القرشي، يحرصون على التطيب بأروع عطورهم قبل القدوم إلى البيت واستلام الحجر بيد معطرة ومطيبة، وبالتالي تعلق في الحجر رائحة عطر وقليل من إيمان كل زائر، إلى جانب العطور الأساسية التي تستخدمها رئاسة شؤون الحرمين في تعطير الكعبة المشرفة والحجر الأسود والتي تعتمد بشكل أساسي على مكونين أساسيين هما روح الورد الطائفي (القطفة الأولى) أو ما يسمى بنخب العروس وهو أجود الأنواع، ودهن العود الهندي القديم. وهذان المكونان كما يقول القرشي هما الأساسيان اللذان يعتمد عليهما في غسل الكعبة وتطييبها، وتقوم عادة رئاسة شؤون الحرمين بشرائها من محلات مختلفة ولا تعتمد محلا بعينه..

ويتابع القرشي «دمج وخلط العطور هو من أصعب الأمور وأكثرها دقة، ومن العجيب حقاً أن تتمازج كل هذه الروائح في الحجر الأسود المعظم بطريقة من غير الممكن تنفيذها على أرض الواقع، هذه معجزة خاصة بحجر الجنة الذي يحمل رائحتها، وعلى الرغم من ذلك، فإن الكثير من العطارين حاولوا محاكاة هذا العطر باستخدام مكونات مثل العود والعنبر والمسك والورد، وأطلقوا على تركيباتهم مسميات مثل عطر الحجر الأسود، أو عطر الكعبة، لكنني أؤكد ومن مجال الخبرة العملية، وأجزم أن عطر الحجر لا يمكن تركيبه في معامل البشر».

مصدر في رئاسة شؤون الحرمين، أشار إلى أن ميزانية خاصة بتعطير وتبخير وتطييب الكعبة المشرفة، موجودة في ميزانية الرئاسة، وهي لا تقبل أبداً تلقي التبرعات، وهناك موظفون مختصون يقومون بشراء كل ما يلزم وتجهيزه لغرض التعطير والتطييب، وفي الوقت نفسه رفض المصدر إعطاء أي فكرة عن المبلغ المرصود لميزانية تعطير وتطييب الكعبة، مؤكداَ أن هذه المعلومات تحاط بنوع من السرية، وبأن العناية ببيت الله الحرام والكعبة المشرفة تتم كما يليق بها.