موائد رمضان في المغرب ترضخ لمنطق العولمة

الشهر الفضيل فرصة للإقلاع عن التدخين وممارسة الرياضة وصلة الرحم

مطاعم جامع الفنا خلال ساعة الإفطار («الشرق الأوسط»)
TT

رغم أن رمضان، حل هذا العام، مباشرة بعد انتهاء العطلة الصيفية، وفي نفس توقيت الدخول المدرسي والجامعي، ومتزامناً مع تواصل ارتفاع اسعار المواد الغذائية، ودرجات الحرارة، فإن الشهر الكريم احتفظ لنفسه، في المغرب، بنفس الهالة التي تجعل المغاربة يحافظون على رضاهم وخشوعهم وهم يرحبون به أو يباركون مقْدمه.

وجرت العادة أن يحل رمضان في المغرب فتتغير عادات الناس على مستوى الأكل والشرب والعمل والمعاملات، إلى درجة أن منهم من يتمنى لو أن كل شهور العام رمضان، فالجميع ينحني إجلالا للشهر الكريم : القطارات عـدلت من مواقيتها، لتتلاءم وأوقات العمل الإدارية، والإدارات تحولت إلى توقيت رمضاني، ينطلق عند التاسعة وينتهي عند الثالثة بعد الزوال، أما الحكومة، فبعد مسلسل من التطمينات بصدد توفـر السلع، التي يتزايد الإقبال عليها خلال الشهر الكريم، من حليب ومشتقاته ولحوم وأسماك وفواكه جافة وقطاني، فضلا عن محاربة الغش ومراقبة الأسعار، تراجعت، من جهتها، عن الساعة الإضافية، التي تم العمل بها منذ اول يونيو (حزيران) 2008، وذلك حتى لا يُعلن عن أذان المغرب في الثامنة مساءً.

وبحلول الشهر الكريم تنشط الحركة التجارية وتنقلب عادات المغاربة رأساً على عقب. فمحلات بيع الأزياء التقليدية، تعرف إقبالاً عليها، الشيء الذي يجعلها تنتقم لنفسها من سراويل الجينز ومختلف الملبوسات «الحداثية جداً»، حيث يفضل المغاربة والمغربيات ارتداء الجلباب والقفطان خلال شهر رمضان. ومن جهتها، تعرض محلات بيع المواد الغذائية الفواكه الجافة، وخاصة منها التمور والتين المجفف، علاوة على المواد التي تدخل في صنع الحلويات الرمضانية، حتى أن بعض المتاجر تتخلى عن عاداتها القديمة على مستوى ما اعتادت عرضه للبيع، فتتخصص في إعداد وبيع الفطائر والحلويات، مثل «البغرير» و«الشباكية» و«البـريوات»، فيما يشتد الإقبال على المخبزات والمحْلبات لشراء الخبز والعصائر والحلويات والفطائر.

ولأن رمضان هو شهر عبادة، يمنح المسلم فرصة التقرب أكثر إلى خالقه، تنشط، أيضاً، تجارة بيع البخور والسجاد الخاصة بالصلاة، ويشتد الإقبال على المساجد، وخاصة خلال صلاة المغرب والتراويح.

وتتكرر خلال رمضان حكاية الراغبين في الإقلاع عن التدخين، وممارسة الرياضة، ويتذكر بعض من جرفهم تيار الحياة ومشاغلها فعلا إنسانياً اسمه «صلة الرحم»، كما تنشط معارض بيع الكتب، وتبرمج الجمعيات الثقافية والاجتماعية أنشطتها الثقافية والاجتماعية، وخاصة بعد الإفطار، ويتم توزيع المواد الغذائية على الفئات المعوزة، كما يلقى القرآن الكريم إقبالاً خاصاً من طرف الصائمين من خلال الحرص على شراء أو إهداء نسخ منه.

والملاحظ أن طقوس شهر رمضان صارت تفقد بعضاً من دفئها المغربي الخالص، متلونة بالقليل من العولمة، سواء على مستوى الاستنجاد بتكنولوجيا التواصل الحديثة لمباركة مقدم الشهر الكريم، أو اللباس والأكل ومشاهدة الأعمال الفنية.

فعلى مستوى الأكل، ورغم غنى المطبخ المغربي، صار المغاربة يقبلون على أصناف من المأكولات، التي تحسب على ثقافات أخرى، مثل «البيتزا»، وغيرها، يلونون بها موائدهم، التي ظلت حتى وقت قريب حكراً على الطبخ المغربي الخالص. أما الفواكه، التي تتحول إلى عصائر، فصار يأتي معظمها من خلف البحار، حيث التفاح إسباني والموز والأناناس والأفوكادو من أميركا اللاتينية، أما التمور فعراقية أو تونسية أو إماراتية أو مصرية.

وبقدر ما يشتد الإقبال على المأكولات، التي ترتبط برمضان وطقوسه، وتمتلئ الجوامع بالمصلين، فإن قناتي التلفزيون المغربي تعاندان بعضهما، كما تعاند القنوات الفضائية، للفوز برضى الجمهور المحلي، الذي يبدو أنه فقد الأمل في الدراما والفكاهة المغربية، فغير بوصلة البحث والمشاهدة، نحو الفضائيات، باحثاً عن المتعة الفنية في مسلسلات مصر والمشرق العربي، قبل أن تلتحق تركيا بركب الفائزين بقلوب وعقول وعيون غالبية المغاربة.

ومباشرة بعد الإفطار، تغص أهم شوارع وساحات المدن المغربية بالعائلات والشبان، كما يتزايد الإقبال على المقاهي، التي تفتح أبوابها أمام الزبائن حتى ساعات متأخرة من الليل.

وفي الوقت الذي يتوحد فيه المغاربة في مضمون ترحيبهم بمقدم شهر رمضان، تجدهم يختلفون في بعض شكليات التأثيث لموائد الإفطار، على الخصوص، وهو الشيء الذي يتماشى والتنوع الثقافي والغنى الحضاري الذي يميز كل جهة مغربية عن أخرى.

وفي مراكش، مثلاً، وهي عاصمة السياحة في المغرب، والتي يقصدها مئات الآلاف من السياح، ويعيش بها الآلاف من الفرنسيين والإنجليز والسويديين وغيرهم، حافظت بعض المقاهي والمطاعم على عادة فتح أبوابها نهاراً، أمام الراغبين في الأكل والشرب من بين السياح غير المسلمين. ولا يسع المتجول نهاراً، في ممر البرانس، القريب من ساحة جامع الفنا، أو في شارع جليز العصري، مثلا، إلا أن يقف متعجباً من قدرة المراكشيين على التأقلم مع الوضع، وتقبل الاختلاف مع «الآخر»، كيفما كانت ديانته وعقيدته، حتى وإن أقبل على الأكل والشرب في الشارع العام في ساعات النهار والصوم.

والجميل أن كثيراً من الأجانب، سواء من بين سياح وزائري المدينة أو المستقرين بها، صاروا يتفهمون ويفهمون طقوس الشهر الكريم، ولذلك تجد بينهم من يحرص على الأكل متخفياً في غرفة الفندق أو في مسكنه، بل إن منهم من صار يجرب الصوم، أيضاً.