ارتفاع حاد في أسعار السلع الاستهلاكية في الأسواق العراقية

خبراء اقتصاد بعضهم متفائل بسبب تحسين مفردات البطاقة التموينية وآخرون يؤكدون أن مدخرات المواطن «صفر»

TT

مع بداية كل رمضان يمر على العراق يتفاءل الناس خيرا، فهم يشعرون بأن هذا الشهر المبارك كفيل بتغيير ما بالنفوس، وإزالة الأحقاد من القلوب، لكن هذا التفاؤل ما يلبث أن يتبدد كالسراب، حين تستمر العمليات الدموية باستخدام السيارات المفخخة والأحزمة الناسفة، بل والغريب أنها تتصاعد في هذا الشهر لأسباب لا يعلمها المواطنون، لكن رجال دين قالوا إن بعضها ذو طابع سياسي وآخر عقائدي متشدد، لكن في كلتا الحالتين من يدفع الفاتورة هو المواطن البسيط، والذي عليه تحمل جشع التاجر في هذا الشهر أيضا.

الشيخ مازن الشيحاني بين أنه لا علاقة لشهر رمضان بموضوع تزايد حدة العمليات الإرهابية، لأن الإرهاب ليست له علاقة بدين أو عقيدة، وإن حصل ذلك فالجميع يعلم أن من يدعو لقتل واستباحة دماء الأبرياء تحت أي ذريعة تكفير أو رفع الحرمة عن دم فئة فهو في ضلال، وما يحصل في العراق هو مجرد تصفية حسابات بين جهات سياسية.. وتوقع ارتفاع حدة العمليات في الشهر الفضيل كان بسبب قرب الانتخابات.

ويتوقع كثيرون أن ميزانية المواطن العراقي ستشهد تضررا كبيرا في شهر رمضان الكريم، بعد أن شهد الاقتصاد العراقي تقلبات كبيرة تتعلق بتضخم الأسعار واعتماد السوق على استيراد كل السلع الغذائية من الخارج، بحسب الخبير الاقتصادي العراقي والمتخصص في مجال سلة السلع للمستهلك ونسب التضخم عبد الزهرة الهنداوي.

وأضاف الهنداوي أن سلة الغذاء للمواطن في شهر رمضان هذا العام تختلف كثيرا عن الأعوام السابقة، وهي وللأسف تسير نحو الأسوأ لأسباب كثيرة، منها ما يتعلق بقرارات حكومية بمنع استيراد الفواكه والخضر من دول الجوار، وهذا الأمر نجم عنه ارتفاع كبير جدا في أسعار هذه السلع، وهي مسألة طبيعية خاصة بالعرض والطلب، مع العلم بأن ما ينتجه البلد من هذه المفردات لا يسد سوى نسب ضئيلة لا تتجاوز الـ10 في المائة من الحاجة الفعلية لمواد معينة، وهنا سيكون الاعتماد على المستورد الذي منع أصلا.

وبين أن أي زيادة في سلعة ستنعكس سلبا على أسعار سلع أخرى كالنقل والتكاليف، فمثلا اللحوم هي الآن وقبل دخولنا شهر رمضان بلغت أسعارها 12 دولارا للكيلو غرام الواحد، أي يمكن أن تزداد بعد أيام.

وبشأن قدرة المواطن على الادخار وتخصيص ما ادخره لشهر رمضان قال الهنداوي، «إن ادخار المواطنين معدوم تماما لأسباب كثيرة، من أهمها أن المواطن غير قادر على الادخار في أجواء استهلاكية، وبروز ظاهرة مفاجئة تدعوه لزيادة استهلاكه في بعض الأحيان وهي غير مخطط لها مثل الطاقة الكهربائية، فنسبة كبيرة من دخله تخصص للطاقة وزيادة أسعار الوقود الذي تعتمد عليه مولدات الطاقة، إضافة لذلك فوزارة التخطيط أكدت أن ربع الشعب العراقي هو دون خط الفقر، والنسبة الأغلب غير القادرة على الادخار بقيت نسبة ضئيلة جدا هم من الميسورين، بالنتيجة سيكون رمضان هذا العام صعبا جدا على المواطن العراقي.

الخبير في البنك المركزي العراقي مظهر محمد صالح، قال لـ«الشرق الأوسط» إنه متفائل جدا هذا العام، لأن الهزات التي تعرضت لها وزارة التجارة ستنعكس إيجابا على نوعية وكمية مفردات الحصة التموينية التي حرصت الحكومة على تقديمها كاملة مع إضافات خلال هذا الشهر الفضيل، وهنا سيحتاج المواطن لسلع إضافية ستكون متوافرة بالسوق، لأن وزارة الزراعة أو الحكومة العراقية أصدرت أوامر جديدة سمحت للتجار باستيراد الفواكه والخضر من دول الجوار، وهذا سيخلق مجالا تنافسيا يقلل من أسعارها في الأسواق.

وأضاف مظهر أنه وللأسف فإن قانون السوق والربح والخسارة والعرض والطلب هو الذي يطغى على القطاع التجاري العراقي في شهر رمضان بدلا من قانون الرحمة والتسامح وحب الفوز بحسنات، فالتاجر يفضل زيادة في رصيده داخل البنوك ويفضلها على زيادة حسناته، وهذا يعني أن الجشع هو القائم في السوق العراقية، بعكس دول إسلامية أخرى يعمد التجار فيها إلى البيع بدون ربحية في هذا الشهر كمساعدة للمسلمين.

وعن موضوع عدم قدرة المواطن على الادخار، قال إن السبب في ذلك ليس المواطن، بل الجهات الحكومية وغير الحكومية، لأن الادخار هو لا يعني أن يقوم المواطن باقتطاع جزء من دخله فائض عن حاجته كي يستخدمه في رمضان أو وقت معين، بل الادخار هو الاستثمار، وعلى الدولة أن تشجع الاستثمار من خلال طرح سندات أو تنشيط سوق الأوراق المالية أو الشركات المساهمة وغيرها. المواطنون تباينت آراؤهمبشأن رمضان هذا العام، فبعضهم أكد أنه لم يختلف عن رمضان العام الماضي سوى بالأسعار، لكن بالمقابل تحسن الوضع الأمني، أما آخرون فكانوا متشائمين لعدم مقدرتهم على تأمين موائد عائلاتهم في هذا الشهر الكريم.

أم علاء، التي ارتادت سوق الشورجة لتأمين متطلبات الشهر بأسعار الجملة، بينت أنها لاحظت أن التاجر أشطر من المستهلك، فتجار الشورجة لا يتعاملون كالسابق، أي يبيعون في مراكزهم التجارية بأسعار الجملة، بل قاموا بتشغيل شباب صغار لبيع المفرد وبدون أي اختلاف عن سعر السلعة في أي محل مفرد.

غالب أبو أحمد بين من جانبه أنه تناقش مع زوجته ليلة أمس وتوصلا إلى حل وهو أن يقوما بتأمين متطلبات المائدة يوما بيوم، أي بدون ادخار، وإن زادت الأسعار، لأن ما ادخروه لا يكفي للتسوق لشهر كامل، خاصة أن دخل البيت يعتمد على ما يتقاضاه من أجور في عمله، وهو يعمل في تأسيس الكهرباء للبيوت، أي دخل غير ثابت.

قاسم الساعدي تاجر في سوق جميلة المركزية، بين أن نظرة الاستغلال للتاجر لم تعد موجودة لأن التاجر الآن يفكر في وجود منافسين له، فأي رجل يمتلك رأس المال قادر على التوجه لأي دولة والشراء من المصدر نفسه وطرح السلعة بأسعار تنافسية، وهنا أين الاستغلال؟ وأضاف: قد تحصل حالات معينة منها أن تاجرا ادخر سلعة محددة مثل العدس، جمعها من السوق وطرحها في شهر رمضان، وعلى الرغم من أن المبدأ حرام فإنه لا يجوز الادخار، لكن هناك تعاملات بهذا الشأن.