مراعاة الإسلام لأحوال الناس

د. عائض القرني

TT

الشريعة الإسلامية جاءت برعاية الإنسان في كل أحواله وأطواره من المهد إلى اللحد على اختلاف الظروف والأزمان والأحوال، فللمولود ثم الطفل ثم الشاب ثم الشيخ أحكام مقررة، وللمرأة البكر والثيب والمتزوجة والمطلقة والحامل والمرضع والحائض والنفساء أحكام محددة، وهناك أحكام المقيم والمسافر والصحيح والمريض والغني والفقير والقادر والعاجز والحاكم والمحكوم والذكر والأنثى والإمام والمأموم إلى غير ذلك من الأحكام المتعلقة بأحوال الناس على اختلاف ظروفهم.

وكلها ـ والحمد الله ـ مبينة في الشريعة بأدلتها وأحكامها. وهذا دليل على كمال هذه الشريعة وتمامها وصلاحها لكل زمان ومكان، وكذلك تعامل الشريعة مع غير المسلمين من المحاربين والمعاهدين والمستأمنين وأهل الذمة من أهل الكتاب ومن لا دين له وأحكام البغاة والمحاربين والمبتدعة وقطاع الطريق ومن تشملهم الحدود، كحد الزنا والقذف والسرقة والقتل. وكذلك منهج الشريعة الإسلامية في البيع والشراء والمكاييل والموازين والمعاملات المالية وكسب المال وإنفاقه وأحكام الزكاة والصدقة والبيوع بأنواعها وبيان المباحة والمحرمة، كل ذلك مبسوط في هذه الشريعة لا يحتاج الإنسان إلى منهج آخر في أي مسألة من مسائل الحياة قلّت أو كثرت كبرت أو صغرت.

وكلما اكتشف العلم اختراعات جديدة وعلوما حادثة جاء الإسلام بشرحها والتدليل عليها وهذا مصداق لقوله سبحانه وتعالى: «الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الإِسْلاَمَ دِيناً»، وقد حصل في العالم أطروحات جديدة في السياسة والاقتصاد والفكر والأدب والثقافة والعلوم والفنون أجاب عنها الإسلام وسبقهم فيها إلى قول الفصل وإلى المنهج العدل كما قال تعالى: «وَلا يَأْتُونَكَ بِمَثَلٍ إِلا جِئْنَاكَ بِالْحَقِّ وَأَحْسَنَ تَفْسِيراً»، وقوله صلى الله عليه وسلم: «تركتكم على المحجة البيضاء ليلها كنهارها لا يزيغ عنها إلا هالك».

وإنني أطالع في جزئيات الشريعة فأجد التفصيل والتدليل والتعليل بكل مسألة وكل حادثة وكل نازلة بحيث إن المطالع لهذه الشريعة الربانية المباركة يشهد أنها من عند الله، وقد طبقت هذه الأحكام على مر عصور الإسلام وتعاقب الأعوام وكثرة الحكام فما زادت الشريعة إلا صدقاً ونصوعا وثباتا ورسوخا.

وانظر في عالم الاقتصاد كيف تهاوت الرأسمالية والاشتراكية وثبت الإسلام باقتصاده الصحيح. وانظر في عالم الحكم وعيب الديمقراطية والاستبداد والحكم الفردي وانظر إلى منهج الإسلام في الحكم من حيث العدل والشورى والإنصاف والرحمة بالناس. وكلما عنت قضية ونزلت نازلة كالمعاملات الربوية والمصرفية والأوراق النقدية والمعاهدات الدولية ومسألة الحرب والسلم والدساتير الأرضية والقوانين الوضعية وجد أن الإسلام قد أعد العدة وأخذ أمره من قبل ولبس لكل حالة لبوسها إما نعيمها وإما بؤسها، وأعدّ لكل سؤال جوابا، ولكل مقام خطابا، وصدق الله: «وَلَوْ كَانَ مِنْ عِندِ غَيْرِ اللّهِ لَوَجَدُواْ فِيهِ اخْتِلاَفاً كَثِيراً».

وأي قائل يقول: إن في الشريعة نقصا فإنما هو لسوء فهمه ونقص علمه وانطماس بصيرته كما قال البوصيري:

قد تنكر العينُ ضوءَ الشمس من رمدٍ وينكر الفمُ طعمَ الماء من سقمِ فمن شك في كمال الشريعة وصلاحها لكل زمان ومكان فليتّهم نفسه وعلمه وعقله وفهمه ولا يتّهم شريعة الله، وليَعُدْ بإنصاف فيقرأ في دواوين الإسلام كتابا وسنة وفي سيرة سيد الأنام عليه الصلاة والسلام، وليطالع بتجرد وإنصاف، وليكنْ شاهداً لله على نفسه ولا يكتمْ شهادة عنده من الله، ولا يخنْ رسالته ويشهد زوراً ويحمل ظلماً ويقلْ بهتاناً، فإن الله يقول: «سَتُكْتَبُ شَهَادَتُهُمْ وَيُسْأَلُونَ».

وقد رأيت كثيرا من المفكرين ممّن كان عندهم شكوك واستفسارات حول بعض القضايا الإسلامية ثم رجعوا بأنفسهم إلى مصادر التشريع، حينها بأن لهم الحق وظهر لهم الصدق فاتبعوا الدليل واهتدوا إلى سواء السبيل.