المصريون يستقبلون رمضان بالفوانيس ومدفع «الحاجة فاطمة»

أصبحت مصدر بهجة للصغار والكبار

فوانيس رمضان مصدر للبهجة والفرحة في مصر («الشرق الأوسط»)
TT

فوانيس رمضان عادة مصرية بامتياز، حافظوا عليها وتوارثوها منذ العهد الفاطمي، وأصبحت أحد معالم الشهر الكريم، تقترن بظهوره وتتنوع مشاهدها وأشكالها من عام إلى آخر، كمصدر للبهجة والفرحة، خاصة لدى الأطفال الصغار. وفي رمضان يندر أن تجد حيا أو ميدانا، أو شارعا في القاهرة والمحافظات، يخلو من فانوس رمضان، مصحوبا بكرنفالات من الزينة الشعبية المحببة.

ومثل أي شيء، لم يسلم الفانوس من التطورات التي شملت جميع مناحي الحياة، فمن الفانوس الذي يضاء بالشموع إلى الذي يضاء بالليزر.. كما ظهرت بعض الفوانيس التي تستخدم فيها كافة المؤثرات الصوتية مثل مدفع الإفطار والأذان، وأخرى تعمل بالريموت كونترول وأصبحت الشركات والمصانع تتنافس في عرض الفوانيس وتضيف إليها وتطور فيها.

أما الجديد هذا العام فهي فوانيس الشخصيات الكرتونية، وأكثرها شيوعاً فانوس «المفتش كرمبو»، أحد أشهر الشخصيات الكرتونية التي ظهرت خلال رمضان الماضي من خلال إحدى المسابقات التلفزيونية المرحة، كما طرح فانوس آخر على شكل الشخصية النسائية «بسنت» التي ظهرت في المسلسل الكرتوني «بسنت ودياسطي». ويعتبر الفانوس من الفنون التشكيلية، حيث يتفنن مصنعوه في إبداعه بأشكال هندسية بديعة، وفي عصر الرومان وحتى العصور الوسطى كانت جوانبه تصنع من القرون الرفيعة لحماية المشاغل الزيتية، وصُنع في عصر النهضة من المعدن المثقوب، وفي منطقة الشرق الأقصى صنع من الورق والمنسوجات الحريرية الرفيعة، وفي الشرق الأوسط صُنعت الفوانيس من النحاس المشغول وفي صدر الإسلام كانت الفوانيس تستخدم للإضاءة ليلا أثناء الذهاب إلى المساجد وداخل المساجد نفسها كمصابيح تضاء بالزيت. وارتبط ظهور الفانوس في رمضان منذ بداية العهد الفاطمي، حينها كان الخليفة المعز لدين الله الفاطمي قد خرج من بلاد المغرب قاصداً مصر بعد أن بنى له مولاه جعفر الصقلي مدينة القاهرة المعزية والقصر الكبير، فدخل القاهرة يوم الثلاثاء السابع من رمضان سنة 362 هجرية متجها إلى الفسطاط فخرج المصريون عن بكرة أبيهم إلى أطراف الصحراء الغربية من ناحية الجيزة للترحيب بمقدمه، وأراد المصريون أن يكون الاحتفال فخما بديعا فريدا من نوعه فحملوا المشاعل والمباخر والفوانيس المزينة في أيديهم لينيروا له الطريق إلى قصر الخلافة. ومنذ ذلك التاريخ بدأت فكرة الفوانيس لدى المصريين ترتبط بقدوم شهر رمضان وأصبحت أغانيه جزءا من التراث الثقافي للاحتفال بشهر رمضان. وبتعاقب الأجيال أصبح فانوس رمضان أول هدية يقدمها الآباء إلى أطفالهم الصغار في شهر رمضان.

واقتحمت التكنولوجيا عالم الفانوس المصنوع يدوياً من الزجاج والألمنيوم، لتنتقل صناعته من أحياء القاهرة القديمة مثل «الدرب الأحمر» والغورية والأزهر، إلى دول جنوب شرق آسيا، خاصة الصين، فيما اقتصرت صناعته على بعض المناطق مثل منطقة باب الشعرية التي تعد مملكة صناعة الفوانيس المحلية، حيث لا يزال الفانوس فيها يحتفظ بمظهره المصنوع من الزجاج الملون والألمنيوم، ويرى سيد رزق صاحب ورشة صناعة الفوانيس أنه أفضل من المستورد، ويقول: «الفوانيس المستوردة كثيرة الأعطال ولا تتحمل إلا أسبوعا واحدا، والفانوس المصري لا يزال هو الأصل وله مكانة كبيرة لدى المصريين».

ومن الذكريات الرمضانية التي لا تزال راسخة في ذاكرة المصريين صوت مدفع الإفطار، الذي ينطلق مرتين في الإفطار والسحور، وقد بدأت التجهيزات لإطلاق مدفع رمضان المعروف شعبيا باسم «الحاجة فاطمة»، وهو عبارة عن مدفع ألماني الصنع، وضع هذا بأمر من محمد علي باشا الكبير والي مصر ضمن صفقة من أربعة مدافع استخدمت للإعلان عن موعدي بدء الإفطار والسحور لسكان مدينة القاهرة وضواحيها، وقد تم نقل المدفع إلى قلعة صلاح الدين الأيوبي بحي مصر القديمة على عربته الأثرية تجره الخيول من القلعة إلى موقعه في أعلى نقطة بالقلعة. وقد تعود المصريون منذ بدء أول إرسال إذاعي أن يستمعوا في شهر رمضان قبل أذان المغرب، وقبل أذان الفجر إلى العبارة الشهيرة «مدفع الإفطار.. اضرب أو مدفع الإمساك.. اضرب»، والبطل هنا هو المدفع الذي ارتبط بوجدان المصريين.

ولمدفع الإفطار قصة تاريخية، فكما يروي الدكتور مجاهد توفيق الجندي، أستاذ التاريخ والحضارة بجامعة الأزهر، فإن لبداية ظهور مدفع رمضان ودوره في حياة المصريين قصصا طريفة، حيث تروي لنا كتب التاريخ أن أحد الأمراء في العصر المملوكي وكان اسمه (خوش قدم)، أي قدم السعد، لان كلمة خوش معناها بالتركية (جميل أو طيب أو سعيد)، كان يجرب مدفعا جديدا أهداه له احد الولاة، وتصادف أن أطلقت الطلقة الأولى وقت غروب الشمس في أول يوم من شهر رمضان في عام 859 هجرية الموافق 1439 ميلادية، وعقب ذلك توافد على قصر «خوش قدم» الشيوخ وأهالي القاهرة يشكرونه على إطلاق المدفع في موعد الإفطار، فلما عرف الوالي الحكاية أعجب بذلك، وأمر بإطلاق المدفع عند غروب الشمس في كل يوم من أيام رمضان، ومنذ ذلك الحين استمر إطلاق هذا المدفع للإفطار والإمساك. وفي الأحياء الشعبية كان الأطفال يعتلون أسطح المنازل ليتثنى لهم سماع صوت المدفع بوضوح. ومن الحكايات الأخرى أن والي مصر «محمد علي الكبير» كان يجرب مدفعا جديدا من المدافع التي استوردها من ألمانيا في إطار خطة لتحديث الجيش المصري، فانطلقت أول طلقة وقت أذان المغرب في شهر رمضان.. فارتبط صوت المدفع في أذهان العامة بحلول موعد إفطار وسحور رمضان. وهكذا استمر صوت المدفع عنصرا أساسيا في حياة المصريين الرمضانية من خلال المدفع إلى أن ظهر صوت المذياع. أما عن تسمية هذا المدفع باسم الحاجة فاطمة فقد جاء بالصدفة، فقد كان بعض الجنود في عهد الخديوي إسماعيل يقومون بتنظيف أحد المدافع، فانطلقت قذيفة حينها وقد تصادف ذلك وقت أذان المغرب في أحد أيام رمضان فاعتقد الناس أن هذا نظام جديد من قبل الحكومة للإعلان عن موعد الإفطار، ولما علمت الحاجة فاطمة ابنة الخديوي إسماعيل بالذي حدث، أعجبتها الفكرة، وأصدرت فرماناً ليتم استخدام هذا المدفع عند الإفطار والإمساك وفي الأعياد الرسمية، وقد انطلقت تسمية المدفع بهذا الاسم منذ تلك اللحظة. ويتولى خدمة وحماية المدفع أربعة من رجال الأمن يقومون بإعداد البارود مرتين يوميا لإطلاق المدفع لحظة الإفطار ولحظة الإمساك، وُيختار الشخص المكلف بإطلاق مدفع الإفطار من قبل وزارة الداخلية المصرية برتبة (صول) ومعه الساعة وتوقيت إطلاق المدفع وبعد إطلاق مدفع الإفطار تبدأ المآذن في المساجد برفع أذان المغرب.