الشيخ طعيمة: رأيت الشعراوي في المنام يقدم لي مصحفه فقدمت برنامجاً لتفسير القرآن

قال لـ «الشرق الأوسط» : الكثير من دعاة الفضائيات ليسوا مؤهلين للفتوى

الشيخ الراحل محمد متولي الشعراوي
TT

أن تكون مخرجاً سينمائياً فهو أمر عادي، وأن تكون داعية إسلامي فهو أيضاً أمر عادي، أما أن تتحول من العمل في الإخراج السينمائي إلى مجال الدعاية الإسلامية، فهو الأمر الذي يحمل في طياته الكثير من الأمور الغريبة، التي لا يستطيع أن يفسرها إلا صاحب تلك القصة، الشيخ رضا طعيمة.

الداعية الإسلامي الشيخ رضا طعيمة، تحول من مخرج سينمائي إلى داعية وخطيب، ليصبح أحد الحافظين لكتاب الله، ومفسرا له، طاف في 58 دولة حاملا مشعل الدعوة إلى الله، «الشرق الأوسط» تكشفت سر التحول في حياة الشيخ طعيمة في لقاء أجرته معه.

* بداية كيف يستقبل الشيخ رضا طعيمة شهر رمضان، وما هي ذكرياتك في هذا الشهر المبارك؟

- شهر رمضان ضيف عزيز علينا، يأتينا في السنة مرة، وكما قال رسول الله صلى الله عليه وسلم «لو علم الناس ما في رمضان من خير لتمنوا أن تكون السنة كلها رمضان»، أما عن استقبالنا لشهر رمضان فيكون بفرحة بعد طول غياب، حيث تختلف روحانيات هذا الشهر عن غيره من الشهور من قيام الليل والتهجد وصوم عن الطعام وغيره من العادات، التي لا تتوافق والإسلام الجميل.

وذكرياتي في رمضان ذكريات جميلة لا تنسى، فقد عشت طفولتي في مدينة بلقاس بمحافظة الدقهلية، وحينما كنا صغارا ويأتي علينا شهر رمضان كنا نفرح به فرحا شديدا، للمظاهر الرمضانية التي كنا نعيش في أجوائها، فكنا نلمس التراحم بين الناس وتعليق الزينات والفوانيس على أبواب المنازل والمساجد، وكان أبى يصحبنى معه إلى أداء صلاة التراويح في المسجد، وكنت أستمع إلى القرآن بأصوات مشاهير القراء عندنا في السهرات الرمضانية، لأنني تربيت في أسرة عريقة متدينة، فجدي سليمان طعيمة ـ رحمه الله ـ كان من أهم الشخصيات التي اعتمد عليها المناضل المصري احمد عرابي في كفاحه ضد الاحتلال الانجليزي لمصر، فتعلم منه أولاده الانتماء والوطنية وقوة الإيمان بالله تعالى، وقد تأثرنا نحن الأحفاد بفكر هذا الجد وسرنا على منهجه.

وبعد أن كبرت واتجهت إلى العمل بالوسط الفني، خاصة الإخراج السينمائي كان رمضان يعنى الأكل(كنافة ـ قطايف ـ ياميش)، أما رمضان بعد التحول فهو اقل الشهور التي أتناول فيها الطعام، وهو يمثل اوكازيون طاعة، يمنحه رب العالمين وفيه الثواب يكون مختلفا والحسنات تتضاعف والروحانيات تزداد.

*لكن كيف حدث التحول من مخرج سينمائي إلى داعية إسلامي شهير؟

- في بداية حياتي درست الإخراج السينمائي، وابتعدت قليلا عن المنهج الذي ربى عليه جدي أبناءه، وكذلك ما رباني عليه أبي من قيم إيمانية كانت لي بمثابة طوق النجاة بعد ذلك من التخبط الذي كنت أعيش فيه، بعد أن ذهبت إلى العمل بالفن والإخراج السينمائي، وكان اتجاهي للعمل بالإخراج السينمائي لا يرضى عنه والدي، وكان حزينا جدا وكان يردد لإخوتي، أنه يخاف علي من الابتعاد عن ربى، وأتذكر انه كان يقول لي وأنا صغير وكان يصحبني معه إلى صلاة التراويح في شهر رمضان، لن افتخر بك إلا إذا رأيتك على المنبر، وعندما كبرت وعملت بالإخراج السينمائي وحصلت على العديد من الجوائز، قال لي ذات مرة محذرا: «إن جائزة السعفة الذهبية السينمائية لا تدخلك الجنة بقدر حفظك وعملك بآية من القرآن الكريم». وكان يقول لي هذا الكلام وأنا كنت أسدل شعري على كتفي، وأحيانا أقوم بلفه على هيئة ضفيرة مثل النساء، وأرتدي في رقبتي سلسلة ضخمة من الذهب وأرتدي أسورة ذهب في يدي، وأعيش مع مشاهير الفن وعلى شاكلتهم، وفى ذات يوم اتصل بي إخوتي تليفونيا وقالوا لي احضر فورا لان والدك توفاه الله، فذهبت مسرعا إليه فوجدته مسجى على الفراش فاحتضنته بشدة وبكيت بحرقة، وأمام الحاضرين أقسمت بالله تعالى قبل أن تشيّع جنازة والدي لن أكون إلا كما كان يتمنى والدي أن أكون، فتبت إلى الله تعالى وخلعت الذهب الذي كنت أرتديه، وبعد الانتهاء من تشييع جنازة والدي قطعت صلتي بكل الأعمال الفنية وحتى بالوسط الفني، وعكفت على حفظ القرآن الكريم وبعض الأحاديث النبوية، فأتممت حفظ القرآن خلال ستة شهور، ثم التحقت بمعهد القراءات في الأزهر، ودرست علوم القرآن وعلوم الإسلام بشكل أكاديمي وسطي، ثم عملت بعد ذلك مسؤولا للعلاقات الدولية في رابطة العالم الإسلامي بمكة المكرمة، ومن خلال هذه الوظيفة سافرت للعمل في 58 دولة، ولله الحمد قد أسلم على يدي مئات القبائل في أفريقيا وغيرها، وبعد ذلك أصبحت عضوا في لجنة المصالحة الدولية، وكانت مهمتها القيام بالمصالحات بين الدول الإسلامية المتناحرة، وبفضل الله تعالى حققت انتشارا عالميا للدعوة الإسلامية. وعملت بالدعوة الإسلامية في حوالي 58 دولة في أوروبا وآسيا وأفريقيا، وكنت حريصا على توصيل الإسلام بجماله بالسلوك وبالكلمة وباستخدام تقنية العصر«التكنولوجيا»، وبأي سبيل نافع كما تعلمت من علماء الأزهر الأفاضل، وفى مقدمتهم الشيخ الدكتور عبد الحليم محمود شيخ الأزهر الراحل.

* كداعية إسلامي شهير عبر الفضائيات ما رأيك فيما يوجه لهؤلاء الدعاة من انتقادات، خاصة أنهم يقحمون أنفسهم في مجال الفتوى وما تثيره من بلبلة في المجتمع، فبما تنصح لهؤلاء الدعاة؟ - نعم الكثير من دعاة الفضائيات ليسوا مؤهلين للفتوى، بل أن بعضهم يلهث وراء الشو الإعلامي، وبعضهم يلهث وراء المال، وننصح بأن يكون الداعية مخلصا في توصيل كلمة الله بأمانة للناس دون انتظار لأجر من أحد، وأن يكون من الصادقين في كل أفعاله وأقواله، وان يحرص على جمع شمل الأمة لا تفريقها، وان يعلم انه كلما اجتهد في توصيل هذه الرسالة السامية بشكل جميل مستنير أحبت الدنيا هذا الإسلام الجميل، أما إذا حرص الداعية الإسلامي على توصيل الرسالة بالتنطع فسيفرز لنا جيلا من المتخلفين، لكن الجريمة الكبرى أن كل من درس وليس لديه موهبة أو يملك أدوات الاستنباط وفقه الموازنات يفتي، فهناك حافظ ولا يفقه وهناك قارئ لكتاب ولا يفهم، فلا يتصدر للفتوى إلا من كان حافظا فاهما لديه أدوات الاستنباط وفقه الموازنات، ويستطيع إنزال هذا على فقه الواقع من خلال السائل.

* لكن في المقابل وجدنا أنك تتلقى أسئلة من المشاهدين واستفسارات، وتصدر لها فتاوى وأنت كذلك من غير المتخصصين فكيف ذلك؟

- أنا قبل أن أفتي درست على أيدي مشايخ أجلاء من علماء الأزهر لمدة 17 عاما، قبل أن أتلفظ بأي حرف حتى أذن لي مشايخي أن أجلس في مجالسهم وأفتي في غيبتهم.

* هل لك تعليق على بعض الفتاوى التي أصدرها بعض الدعاة عبر الفضائيات؟ - نعم كثير من الفتاوى الخاطئة التي تثير البلبلة بين الناس، فمثلا ذات مرة سألني أحد المشاهدين على الهواء مباشرة، وقال إن زوجتي لا تصلي فهل أطلقها؟ قلت له لا فما هي المحاولات التي بذلتها من اجل أن تحببها في العبادة ، فالله تعالى يقول «وأمر أهلك بالصلاة واصطبر عليها»، فعليك أن تأمرها بالصلاة وأن تصبر، فقال لي إن الشيخ فلان الذي كان بالأمس مكانك في هذا البرنامج قال لي طلقها، وهذه من مصائب مشايخ الفضائيات، والمهم قلت له إن الطلاق أبغض الحلال عند الله، وانه كما يقول في الأمثال آخر الداء الكي، ففيه متسع لديك من الطرق والمحاولات كي تجذبها للعبادة والطاعة .

* ما هي المشكلات التي قابلتك أثناء عملك بالدعوة؟

- قابلني مشايخ التنطع والجمود، وكانوا حريصين أن أكون خشنا عن ذلك، وان أكون قاسيا عن ذلك، فضلا عن ذلك فقد واجهتني مطبات كثيرة تريد منى أن أكون تابعا أو متبنيا لفكر أو اتجاه معين، لكنني أقول دائما إنني تابع لله ثم لرسول الله صلى الله عليه وسلم.

* ما هي الأسباب التي جعلتك تتجه إلى الدعوة عبر الفضائيات؟

- إنني رأيت ما يحدث من تخطف للعقل المسلم من خلال وسائل الإعلام العالمية، وجدت بعد أن استقر بي الأمر في القاهرة أن أقوم بعمل مكتب لتقديم الدراسات المتكاملة الخاصة بالقنوات الفضائية الإسلامية، التي تقوم على التوعية المستنيرة وليست التوعية المتشددة، وكنت اطمح إلى صنع سينما تشكل وجدان وعقل الناس على حب الإسلام، ولكنني بعد أن أعددت سيناريوهات لحوالي 19 فيلما وأعمالا درامية أخرى عجزت على أن أقوم بإنتاجها، فعرضت هذه الأعمال على شركات إنتاج فني، فقال لي أصحاب هذه الشركات كيف ننتج فيلما يا شيخ ليست فيه راقصة وشاطئ بحر تمشي عليه الفتيات، هذه هي نوعية الأعمال التي تأتي بالأموال، أما فكرك هذا الذي تريد فاذهب أنت وهو إلى المتحف لتكون أنت وفكرك قطعة من الآثار، ثم التقيت بالمخرج العالمي مصطفى العقاد وآخرين وأخبرته بالموقف الذي أنا فيه، وأنني تفرغت لمدة ثلاث سنوات لأكتب الدراما السينمائية، فأخبرني أن العرب والأثرياء سيخذلونك وضع أفلامك في مكتبك وأغلق عليها بالمفتاح، ثم تحرك في دعوتك إلى الله وادع ربك أن يسخر لك من المفكرين المستنيرين من الأغنياء المسلمين بأن يقفوا بجوارك ويساهموا في خروج هذه الأعمال لترى النور.

وحقا فعلت فوضعت أوراقي في مكتبي وأغلقت عليها، وبدأت في إعداد وتقديم برنامج على شاشة قناة الناس بعنوان «فضفضة» وغيره من البرامج على الفضائيات الإسلامية، التي حازت بفضل الله إعجابا، وحققت نجاحا كبيرا، إن منهجي في الدعوة يتمثل في الحرص على تربية العقول التي تشاهدني على الشاشة على الإسلام السمح الجميل المستنير، فلا مانع أن تكون داعية أو كاتبا أو فنانا تحمل رسالة الإسلام إلى الإنسانية بشكل جميل، والحمد الله فإن منهجي هذا في الدعوة دفعني لتأسيس علم جديد يسمى علم الجمال في الدعوة وكذلك فقه الأمل.

* البعض يصفك من خلال برنامجك الذي تقدمه بإحدى القنوات الفضائية الإسلامية (روح المعاد حول آيات القرآن الكريم والسبع المثاني) بأنك نسخة مكررة من الشيخ الشعراوي ـ رحمه الله ـ فما تعليقك؟ وما سبب اختيارك لهذا البرنامج؟

- شرف كبير أن يصفوني بهذا الوصف، لكن شيخنا الفاضل الشيخ محمد متولي الشعراوي ـ رحمه الله ـ داعية مجدد ولا يمكن أنا ولا غيري أن أسد الفراغ الذي تركه في الساحة الإسلامية. أما عن سبب اختياري لهذا البرنامج، أنني رأيت في منامي أن الشيخ الشعراوى قد أعطاني مصحفه، وكان هذا إذنا لي أن أقدم برنامجا لتفسير القرآن الكريم؛ لأنني كنت متهيبا أن أقترب من منطقة التفسير، إلا أنني كنت احزن عندما أرى أناسا يفسرون القرآن فيصرون على أن يتفلسفوا في اللغويات، حتى يشعر الآخرون بأنه عالم وهم جهلاء، وأنا في تفسيري حريص على أن يخرج هذا القرآن من منطلق قول الله تعالى: «ولقد يسرنا القرآن للذكر» والأصل في التفسير أن نصل إلى قلوب الناس وعقولهم وأجسامهم إلى محبة ربهم وإتباع سنة نبيهم؛ ليحسنوا في الحياة وينهضوا بأوطانهم.

* يتردد أنك كنت وراء اعتزال بعض الفنانين والفنانات للعمل الفني، خاصة أنك كنت على معرفة قوية وصداقة معهم، منذ أن كنت مخرجا لأعمالهم الفنية؟

- أتمنى أن يتجه كل الفنانين والفنانات في أعمالهم إلى هدف الإصلاح، فلا مانع أن يكون هناك فنان أو فنانة مسلمة تؤدي أعمالا في مجالها تنفع بها المجتمع، لا أن تؤدى إلى هدمه، لكن قصة أنني كنت وراء اعتزال بعض الفنانات للفن ربما كان ذلك من خلال العمل بالدعوة، وتأثر بعض الفنانين بما أقدمه من برامج هادفة، فمثلا حدث أن فنانة قررت أن ترتدي الحجاب وتذهب لأداء فريضة الحج والعمرة، وتعتزل الأعمال الهابطة في الوسط الفني وتتوب من أي عمل يخالف الشرع الإسلامي، وفعلت ذلك عندما شاهدتني مبتسما أقدم الإسلام للناس في صورته الجميلة السمحة.