الرياح الموسمية العاتية والجفاف والركود الاقتصادي خيمت بظلالها القاتمة على الاحتفالات في رمضان بالهند

رغم أن شهر الصيام يعدّ واحداً من أكثر المناسبات المبهجة على مستوى العالم المسلم

الإقبال على المساجد يزداد خلال شهر رمضان بالهند («الشرق الأوسط»)
TT

رغم أن بدء شهر رمضان المبارك يعد واحداً من أكثر المناسبات المبهجة على مستوى العالم المسلم، خيمت الرياح الموسمية العاتية والجفاف والركود الاقتصادي وارتفاع معدلات التضخم جميعها بظلالها القاتمة على الاحتفالات المعتادة برمضان. من جهته، اعتاد موسارات سيد، 70 عاما، الذي يعيش في جاميا ناغار في دلهي، الإفطار على تمر مستورد من منطقة الخليج، لكن الأسعار ارتفعت خلال هذا العام، وفقد نجله، العائل الرئيس للأسرة، عمله في إطار موجة الانحسار الاقتصادي. وعليه، قرر وأسرته، هذا العام، العودة إلى التمر الرخيص، الذي سيجري تقسيم كميته بين أفراد الأسرة. كما طلبوا من الأطفال الامتناع عن عادتهم السابقة المتمثلة في مضغ التمر حينما يحلو لهم. مع بداية شهر رمضان، الذي يعد، من الناحية التقليدية، أكثر فترات استهلاك الغذاء بين المسلمين، تدور تساؤلات في أوساط غالبية المسلمين حول ما إذا كانوا سيتمكنون من الاحتفاظ بالوهج والحماس المعتادين للاحتفال بالشهر الكريم بالنظر إلى ارتفاع الأسعار. من الخضروات مرورا بالفاكهة وصولا إلى لحم الضأن، ارتفعت أسعار كافة السلع الغذائية بمقدار ثلاثة أضعاف مقارنة بالفترة ذاتها من العام الماضي. في هذا الصدد، قال سايما كازي، مدرس، «المظاهر التي يختص بها رمضان ستتعرض لضربة قاسية حتما». وتساءل كازي حول ماهية الإجراءات التي تتخذها الحكومة للتصدي لهذا الوضع. من ناحية أخرى، تغلب الكآبة على منزل ريهانا، 53 عاما، التي تعيش مع زوجها في دلهي القديمة، بسبب عجز الأسرة عن إعداد وجبة طيبة للإفطار عليها. وعلقت ريهانا بقولها، «رمضان شهر عظيم، فهو مفعم بالصلاة والتسبيح. لكن ليس بمقدورنا توفير أي شيء سوى حفنة من التمر. ولا يمكننا إخبار الآخرين أننا عاجزون عن إعداد وليمة أو وجبة مناسبة». وأضافت أنه إذا حضر إليها أبناؤها وأطفالهم لتناول الإفطار، فإن ذلك سيكلفها 700 روبية (قرابة 18 دولارا) وهو مبلغ لا تملكه. جدير بالذكر أن زوجها يعمل مساعدا في أحد المتاجر المحلية. الملاحظ أن أسعار السلع الغذائية المبالغ فيها لا تثير قلق محدودي الدخل فحسب، وإنما كذلك أصحاب الدخول المتوسطة. بوجه عام، يفضل المسلمون تناول التمر في بداية الإفطار وشرب عصير الليمون لإطفاء عطشهم. في هذا الصدد، اعترفت سابينا علي، ربة منزل، بأنه «لا أعتقد أن بإمكاننا توفير تكاليف رفاهية شراء الليمون يوميا هذا العام». يذكر أن سعر نصف كيلوغرام من الليمون يبلغ 40 روبية. كما ارتفعت أسعار السكر إلى 30 روبية للكيلوغرام، بدلا من 22 روبية العام الماضي. الملاحظ أن الأزمة الراهنة أثرت على الميزانية المخصصة لرمضان لدى الكثير من الأسر المسلمة. ويخشى الكثير من التجار والمتدينين من أبناء دلهي أن تتسبب أسعار الغذاء المتفاقمة، خاصة الفاكهة والخضروات، عبر مختلف أرجاء البلاد إلى تحويل رمضان إلى معرض باهظ الكلفة. يذكر أن شهر الصيام بدأ الأحد في الهند، فيما عدا ولاية كيرالا الجنوبية، حيث شرع المسلمون في الصيام الأحد. مع بدء احتفالات الشهر الكريم، الذي يعتبر أحد أكثر فترات استهلاك الغذاء بين المسلمين، تساور الشكوك المسلمين حول ما إذا كانوا سيتمكنون من الاحتفال بالشهر هذا العام بالحماس المعتاد، وذلك بالنظر إلى ارتفاع الأسعار. في هذا السياق، قال أنور، 39 عاما، موظف بشركة خاصة، «العام الماضي، اعتدت الحصول على التمر المستورد مقابل ما يتراوح بين 130 و150 روبية، لكن تكلفة التمر ذاته بلغت الآن 300 روبية. أما المفارقة فتكمن في أن راتبي بات أقل قيمة مقارنة بالعام الماضي، بينما ارتفعت الأسعار». وأضاف أنور، «يا لها من مفارقة. إن ذلك أشبه بقتل شخص ما بسلاح ذي حدين». ومثلما الحال مع كثيرين غيره، أعرب أنور عن خوفه من أن يزيد التضخم العالمي الضغوط على عاتق الأسر المسلمة خلال رمضان. بالنسبة للحوم، قال علي، جزار، إن اللحم يعتبر أحد الأطباق التقليدية الثابتة في رمضان عند الإفطار، لكن سعره ارتفع على نحو بالغ. واستطرد بأن «أسعار اللحم والدجاج ارتفعت بما يتراوح بين 10% و20% على الأقل. وليست هناك سلعة تتحرك باتجاه الانخفاض. لدي بعض العملاء الدائمين الذين قلصوا الكميات التي اعتادوا شراءها جراء ارتفاع الأسعار. بصورة عامة، تناقصت أعداد العملاء، وكذلك الكميات التي يشترونها». يذكر أنه خلال العام الحالي تسبب طول أمد فترة الطقس الحار وعدم سقوط أمطار كافية إلى دفع الهند نحو حافة الجفاف، ما زاد من الضغوط على أسعار الغذاء وإمدادات الطاقة. الملاحظ أن أسعار الغذاء في الهند ارتفعت بالفعل لأكثر من 10% من عام لآخر، مع تضاعف أسعار العدس في الشهور الأخيرة. وزادت أسعار السكر بنسبة 40% مع تراجع الإنتاج، وارتفعت أسعار البطاطا بمقدار الضعف تقريبا. إلا أن الإيمان يبقي على الأمل حياً في نفوس بعض المسلمين في تحسن الظروف.