الشريعة استوعبت كل طوائف الأرض بأحكام محددة لكل طائفة

TT

في الشريعة، كتابا وسنة، أحكام لكل طائفة ومذهب وملة ونحلة ممن وجدوا أو سوف يوجدون على وجه الأرض، فلا تجد مبدأ ولا طريقة ولا فئة ولا فكرة إلا وفي الإسلام حكم يخص هذه المشارب والمذاهب، بل تجد مثلا أهل الإسلام وأهل الكتاب والملاحدة والوثنيين والزنادقة والمانوية والصابئة والباطنية قد فرض من الحكم اللائق بهم وبغيرهم، بل إن الطوائف داخل الإسلام لهم أحكام مقررة على حسب نهجهم كالخوارج والقدرية والمرجئة والمحاربين والبغاة وقطاع الطرق ومن تشملهم الحدود والتعزير.

وتجد من دقة الشريعة وحكمة منزلها ما يبهر العقل في تقنين كل حكم بما يناسب الطائفة والحالة مصداقا لقوله تعالى: «قَدْ جَعَلَ اللَّهُ لِكُلِّ شَيْءٍ قَدْراً»، بل إن في أهل الإسلام أقساما كالظالم والمقتصد والسابق بالخير، كما قال تعالى: «ثُمَّ أَوْرَثْنَا الْكِتَابَ الَّذِينَ اصْطَفَيْنَا مِنْ عِبَادِنَا فَمِنْهُمْ ظَالِمٌ لِّنَفْسِهِ وَمِنْهُم مُّقْتَصِدٌ وَمِنْهُمْ سَابِقٌ بِالْخَيْرَاتِ»، ومن أهل الدين مسلم ومؤمن ومحسن.

إذن فالشريعة أجابت عن كل نحلة وملة حصلت أو سوف تحصل، وفرغت ـ والحمد لله ـ من الإجابة عن كل تساؤل. وفي هذا دليل على أن الشارع سبحانه أراد للبشرية خيرا ونفعا وصلاحا وفلاحا ونجاحا بمبعث سيد الخلق عليه الصلاة والسلام، كما قال تعالى: «وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلا رَحْمَةً لِّلْعَالَمِينَ»، فربانية ورحمانية الشريعة تقتضي أن يدخل فيها الناس جميعا، ولا يسعى أحد للخروج على هذا الدين، كما قال تعالى: «إِنَّ الدِّينَ عِندَ اللّهِ الإِسْلاَمُ»، وقال تعالى: «وَمَن يَبْتَغِ غَيْرَ الإِسْلاَمِ دِيناً فَلَن يُقْبَلَ مِنْهُ وَهُوَ فِي الآخِرَةِ مِنَ الْخَاسِرِينَ».

والذين يقولون إن كل دين صحيح كلامهم غير صحيح، بل الصحيح أن شريعة الإسلام نسخت كل الشرائع التي قبلها، وهيمن القرآن على كل كتاب قبله، فينبغي على حملة الإسلام أن يدعوا إلى الإسلام على أنه الدين الصحيح الوحيد المقبول عند الله الذي لا يقبل الله غيره لا أنه دين من الأديان أو ملة كسائر الملل.

هو الدين الخالص الوحيد الفريد والملة المقبولة الصحيحة الثابتة الناسخة لما سواها، المبطلة لما عداها، الرحيمة في فحواها، المباركة بمقتضاها، ولهذا جاءت هذه الشريعة للموافقة بين ما يدل عليه النقل وما يدعو إليه العقل، وبين الملاءمة بين النفس الرضية والفطرة السوية، ومطلب الروح والجسد، والفرد والجماعة، وحق الحاكم والمحكوم، كل ذلك بميزان العدل والسنة الثابتة: «فَلَن تَجِدَ لِسُنَّتِ اللَّهِ تَبْدِيلاً وَلَن تَجِدَ لِسُنَّتِ اللَّهِ تَحْوِيلاً».

ولهذا كلما ظهرت بدعة أو نحلة أو مقولة بحثنا في دواوين الإسلام فوجدنا الإسلام قد سبق إلى الإجابة عنها والفتوى فيها؛ لأن منزل الوحي علام الغيوب سبحانه يعلم السر وأخفى، فكان من حكمته ـ جلّ في علاه ـ أن أعد لعباده المؤمنين برسالته ما يجيب عن كل تساؤل وحلاً لكل إشكال، ومخرجا من كل أزمة؛ ليكون الدين صالحا للدنيا والآخرة، موافقا للإنسان السوي في كل ظرف وفي كل حال.

وبهذا جاء العموم في الكتاب، قال تعالى: «قُلْ إِنَّ صَلاَتِي وَنُسُكِي وَمَحْيَايَ وَمَمَاتِي لِلّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ»، فينبغي عند الاختلاف مع الطوائف والفرق والمذاهب والآراء أن نعود إلى الوحي كتابا وسنة، كما قال سبحانه: «فَإِن تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللّهِ وَالرَّسُولِ إِن كُنتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ ذَلِكَ خَيْرٌ وَأَحْسَنُ تَأْوِيلا»، والرد إلى الله الرد إلى كتابه، والرد إلى رسوله صلى الله عليه وسلم الرد إلى سنته، فإذا فعلنا ذلك فقد أنصفنا من أنفسنا وأنصفنا خصومنا وكنا عادلين كما أمرنا ربنا؛ فإن الله أمر بالعدل حتى مع العدو، قال تعالى: «وَلاَ يَجْرِمَنَّكُمْ شَنَآنُ قَوْمٍ عَلَى أَلاَّ تَعْدِلُواْ اعْدِلُواْ هُوَ أَقْرَبُ لِلتَّقْوَى»، والعدل حتى مع القريب، فلا يحابى كما قال سبحانه وتعالى: «يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ كُونُواْ قَوَّامِينَ بِالْقِسْطِ شُهَدَاءَ لِلّهِ وَلَوْ عَلَى أَنفُسِكُمْ أَوِ الْوَالِدَيْنِ وَالأَقْرَبِينَ»، فلا يجوز لنا في الشريعة أن نظلم العدو بمجرد العداوة، ولا أن نحكم للقريب لمجرد القرابة، لكن نلتمس الحق ونحكم بالعدل ونقول الصدق كما قال تعالى: «وَتَمَّتْ كَلِمَتُ رَبِّكَ صِدْقاً وَعَدْلاً»، فالصدق في الأقوال والعدل في الأحكام.