رمضان لندن: محاضرات بلغات مختلفة.. وإفطار لزعامات الديانات الأخرى

مدير المركز الإسلامي في لندن لـ «الشرق الأوسط»: جيراننا المسيحيون وشرطة أسكوتلنديارد ضيوف على الإفطار

محاضرات يومية بلغات مختلفة في قاعات المسجد الجامع بريجنت بارك ( تصوير حاتم عويضة)
TT

شهر رمضان له حالات خاصة عند البعض، فهو شهر لا يعرف الكسل؛ بل قراءة القرآن والعمل والعبادة. أما ليل رمضان عند أغلب الجالية المسلمة في بريطانيا فهو لا يعرف إلا «الجد والاجتهاد» أيضا لصلاة التراويح في المساجد أو المراكز الإسلامية أو في المنازل مع العائلات. ولكنه يحفل أيضا بما لذ وطاب على المآدب. وتحظى تلك الموائد بأطباق عامرة، وهو الشهر الذي يتضاعف فيه العمل والجهد من أجل الدعوة إلى سبيل الله عز وجل.

يقول الدكتور أحمد الدبيان المدير العام للمركز الإسلامي (الجامع الكبير) في ريجينت بارك لـ«الشرق الأوسط»: «لن يكون هناك تغيير كبير في أنشطة المركز الإسلامي عن العام الماضي، باستثناء أن التراويح ستكون 11 ركعة يومية، وسيكون معنا هذا العام القارئين محمود عصفور والشحات شاهين، وكلاهما له جمهور كبير من أبناء الجالية المسلمة لما يتميزان به من حلاوة الصوت وطلاوته، فهما يرتلان كلام الله المنزل بأصوات كأنها تنزل من السماء، وسيستمع إليهما أبناء الجالية المسلمة في صلاة التراويح». وتحدث عن التنسيق بين المراكز الإسلامية في بريطانيا على مواقيت الصلاة وتوحيد أوقات الأذان. وقال: «ستكون هناك محاضرات يومية باللغة العربية والإنجليزية والأوردو والبنغالية بعد صلاة العصر يلقيها علماء ودعاة أفاضل مثل الشيخ صهيب حسن إمام مسجد التوحيد، وهيثم الحداد عضو المجلس الإسلامي، والشيخ خليفة عزت إمام المركز الإسلامي، بالإضافة إلى محاضرات صحية يلقيه أطباء ومستشارون كبار تتحدث عن الصوم وأمراض القلب والسكري، والنصائح الواجب اتباعها من المرضى من أبناء الجالية المسلمة. وهناك محاضرات فقهية ومواعظ في الرقائق والسلوكيات.

مسجد ريجينت بارك يقدم وجبة الإفطار أيضا، وهي عبارة عن تمر قبل صلاة المغرب، ثم يتحلق الصائمون جماعات لتناول وجبة الرز بالدجاج أو اللحم، ومنهم من يبقى لسماع دروس الوعظ أو المشاركة في حلقات الذكر حتى صلاة العشاء ثم التراويح ومنهم من يعود إلى عمله أو يلتحق بأصدقائه لبدء السهرة الرمضانية.

هذا النسق اليومي لا تشذ عنه أغلب المساجد في لندن وفي عموم بريطانيا التي تشهد إقبالا كبيرا من المصلين، وسخاء منقطع النظير من رجال الأعمال العرب والمسلمين الذين يتبرعون بوجبات الإفطار ويسألون عن حاجات المسجد من المال لإعانة المحتاجين.

ويقدم المركز الإسلامي في لندن نحو 1200 وجبة إفطار مجانا للصائمين. وقال الدكتور الدبيان: «في سنوات سابقة دعونا غير المسلمين من جيران المسجد إلى إفطار الشهر الكريم للتعرف على الدين الحنيف عن قرب، وقدمنا أيضا عشاء - إفطار لزعماء الديانات الأخرى مثل اليهودية والمسيحية، وطلبوا منا أن يتعرفوا على المسلمين وهم يؤدون الشعائر والصلوات مثل المغرب والتراويح». وأضاف: «قدمنا أيضا إفطارا للشرطة المحلية من ضباط وجنود، وسيتكرر كل ذلك بمشيئة المولى عز وجل».

وتحدث الدبيان عن مسابقة لتحفيظ القرآن الكريم سينظمها المركز الإسلامي خلال يومي 19 و20 من شهر رمضان بالتعاون مع وزارة الشؤون الإسلامية في السعودية، مشيرا إلى أن «المحكمين في تلك المسابقة سيكونون من الأئمة والمشايخ في المركز، وهم أعلم بديننا وقرآننا المجيد». يذكر أنه يعيش في بريطانيا نحو 1.7 مليون مسلم ومسلمة.

أحد الشيوخ في إدارة المسجد الجامع في ريجينت بارك قال لـ«الشرق الأوسط» إنه قبل بداية شهر رمضان لم تكف هواتف المسجد عن الرنين حيث يسأل المسلمون عن توقيت الإمساك والإفطار وعن المحظورات في رمضان وعن مسائل تهمّ دينهم، خاصة الوافدين الجدد الذين لم يتعودوا بعد على الصيام ساعات طوال في بلد غير مسلم، وكذلك مواعيد صلوات التراويح.

من جهته، قال الشيخ الدكتور كمال الهلباوي الأمين، المتحدث الرسمي السابق باسم الإخوان المسلمين في أوروبا، عضو مكتب الإرشاد سابقا، والرئيس المؤسس للرابطة الإسلامية في بريطانيا، إن «رمضان بالنسبة للمسلم في الغرب يمثل أهمية كبرى أكثر من المسلم في الشرق، لأن ساعات الصيام ستكون أطول، إضافة إلى أن مظاهر الإسلام في بريطانيا قليلة، ورمضان يمثل ركيزة أساسية من ركائز الإسلام، فهو الركن الرابع، ويحرص عليه المسلمون الملتزمون في الغرب، أكثر من أشياء أخرى، والآباء والأمهات في الغرب يحاولون أن يربطوا أولادهم بالإسلام من خلال المناسبات مثل صوم الشهر الفضيل، وما فيه من تهجد وعبادات وقيام الليل». واعتبر الهلباوي أن «كل مسلم هو سفير لدينه الحنيف في الغرب، وعندما يقطع المسلم الأميال ليصل إلى أقرب مسجد ويؤدي المناسك والتراويح كل ليلة فذلك مظهر من مظاهر الدين، بينما المسلم في الشرق لديه المساجد كثيرة ومتلاصقة والخطوات إلى المسجد قليلة». ويضيف الهلباوي: «في رمضان ندعو أصدقاءنا وجيراننا من المسيحيين إلى الإفطار، كما أنني أدير منزلا لكبار السن، ومن ضمن ساكنيه أناس غير مسلمين، ندعوهم للإفطار، لنعرفهم على ديننا». المسجد الكبير في لندن يقدم موائد إفطار يومية بعد أداء صلاة المغرب. ويحضر الصائمون المسلمون بالآلاف في صحن المسجد عربا وباكستانيين وبريطانيين في لقاء يومي حميم؛ يبدأ بالصلاة ثم تناول الإفطار والاستماع إلى آيات الذكر الحكيم من أئمة وقارئين، يرسلهم الأزهر الشريف كل عام إلى لندن لمواصلة هذا التقليد الإسلامي. ويقدم مسجد شرق لندن الذي أنشئ عام 1910 أنشطة إسلامية متنوعة خلال رمضان تشمل موائد الإفطار الكبرى وصلاة التراويح وقراءة القران والأدعية. ويحضر ليالي رمضان مئات المسلمين من جنسيات مختلفة. ويقول اكما شودري الذي يحضر ليالي رمضان في هذا المسجد إن ما يقدمه المسجد من خدمات في اجتماع المسلمين وتوحد كلمتهم أمر عظيم.

وقبل أعوام قليلة كان اللندنيون من العرب يستفسرون عن دينهم ويفطرون على رفع أذان الإفطار من خلال إذاعة «سبيكتروم» الدولية، ولكن اليوم توزع في الأسواق إمساكية الشهر الكريم، وتقدم الفضائيات العربية شريطا عن مواعيد الإفطار.

ويفضل أغلبية المسلمين شراء لحم «الحلال»، بل حتى غير المتدينين منهم يفضل لحم الذبيحة ويقولون إنه صحي أكثر من غيره، وهذا ما يملأ الأسواق والمحلات العربية في هذا الشهر. الصائمون يشترون حاجاتهم من محلات «إيدجوار راود»، و«بايز ووتر»، و«كوينز واي»، و«تشيرش ستريت» و«غرين لين»، وكذلك من منطقة أكتن، وإيلينغ، وويمبلي،، ففي الساعات التي تسبق الإفطار تكثر الطوابير أمام محلات بيع اللحوم الطازجة، ومن الملاحظ أن لكل جنسية عربية محلاتها الخاصة، التي تتفنن في تقطيع اللحم وتتبيله، غير أن المحلات الكبرى مثل «تيسكو» تفطنت إلى هذا الإقبال الذي يدر الملايين فبادرت إلى بيع اللحم الحلال ولوازم السهرات الرمضانية مثل الحلوى التركية.

وهناك أيضا موائد الرحمن في مساجد بريطانيا تقدم وجبات الإفطار الجماعي التي يقبل عليها الصغار والكبار أغنياء وفقراء كنوع من التقارب والتآلف الاجتماعي في الشهر الكريم، ورمضان أيضا يذكر المسلمين بالارتباط بالأمة وقضاياها الأساسية العادلة.

ومع أذان المغرب تشهد الشوارع ذات الكثافة العربية فتورا في الحركة وما هي إلا ساعة حتى يخرج المفطرون فرادى وجماعات للاستمتاع بالسهرة الرمضانية فأغلبهم يفضل تبادل الزيارات مع الأهل والأصحاب. أما العائلات فتعترف أغلبها بأن رمضان أرجع الدفء إلى علاقاتها، فمع انشغال الجميع بمتاعب الحياة اليومية وانهماكهم في العمل تلاشت بعض القيم التي تتمتع بها المجتمعات الشرقية.

يقول عمار، وهو أحد أبناء الجالية العربية في لندن، إنه بعد الإفطار يذهب لصلاة التراويح، وإذا كان الطقس ملائما يذهب بعدها مع أصدقائه إلى مقاهٍ تقدم الشيشة، أو يذهب إلى المنزل للإعداد للسحور مع أشقائه، أما رجل الأعمال أسامة الشريف فيقول: «يعد رمضان في العاصمة البريطانية حدثا بارزا أكثر من أي وقت مضى، ولم تعد سهرات رمضان وخيمه وإفطاره الجماعي وسهراته مقتصرة على مدن الشرق، فقد أصبح الأذان في لندن جزءا من نبض هذه المدينة المختلفة الألوان والأشكال، وصارت المساجد جزءا من ملامحها مثلما اخترق الحجاب تقاليدها العريقة في الموضة والأزياء. أما أم محمد، سيدة متزوجة، فتقول: «حتى أولادي يتعرفون على أصدقاء عرب جدد في الشهر الكريم بفعل الزيارات المتبادلة». يذكر أن غير المسلمين يحضرون أمسيات رمضان أيضا، وأغلبهم يبدي تفاعله مع الليالي القرآنية الكريمة. وليست هناك وجبة إفطار موحدة تتفق عليها الجالية الإسلامية في بريطانيا، إلا أن الحليب والتمر عنصر مشترك في كل الموائد، وما عدا ذلك، تختلف موائد الإفطار الرمضانية بين المسلمين كل على حسب تقاليده.

وتحرص الجالية العربية في بريطانيا على أن تعيش رمضان في أجواء تذكرها بالوطن، فالجالية الباكستانية والخليجية والعراقية تجتمع في مساجد أو قاعات تؤجر لهذا الغرض حيث تعقد الأمسيات الرمضانية التي تبدأ بالإفطار وتنتهي بالأحاديث في المواضيع ذات الاهتمام المشترك وقراءة القران. ويمتلأ المسجد الجامع في ريجينت بارك عن آخره فيفرش المصلون سجاداتهم في باحته التي تمتلئ بدورها بالآلاف من المصلين حتى تصل الصفوف إلى خارج المسجد. إنها صلاة الجمعة في رمضان في مسجد ريجينت بارك التي يزداد فيها عدد المصلين بمئات الأضعاف طلبا للرحمة والمغفرة في شهر الصيام، وهذا لا يعني أن المصلين يعزفون عن تأدية صلاة الجماعة خلال أيام الأسبوع؛ بل يتضاعف عددهم عن بقية أيام السنة؛ ويغتنمون فرصة عطلاتهم الأسبوعية وراحتهم اليومية للالتحاق بالصفوف الأولى.