السفير الكويتي لدى البوسنة.. ترحال بين عادات وتقاليد الشعوب في رمضان

أجواء رمضان على الطريقة الدبلوماسية.. من تونس والكويت إلى باريس والجزائر.. ومن جاكرتا والمجر إلى البوسنة

السفير الكويتي في سراييفو، محمد خلف («الشرق الأوسط»)
TT

يقضي السفير الكويتي في سراييفو، محمد خلف، رمضان في البوسنة للمرة الأولى، بعد ترحال شمل الكثير من الدول من بينها تونس، والجزائر، وفرنسا، وإندونيسيا. وعن شعور الدبلوماسي المتنقل من مكان إلى آخر، وعن عادات الشعوب في الدول التي عمل فيها، ومشاعره الخاصة حيال شهر رمضان المبارك قال لـ«الشرق الأوسط»: «رمضان شهر مقدس، فهو الشهر الذي أنزل فيه القرآن، شهر ليلة القدر، شهر الصيام والعبادة، وقد حثنا المولى سبحانه وتعالى على العبادة وأداء العمل على أحسن وجه في الوقت نفسه». وينتقد خلف غياب مقاصد رمضان لدى الكثير من الدول والمؤسسات والأسر والأفراد، قائلا: «حولوا رمضان إلى مهرجان، سهر في الليل وكسل في النهار، وهذا يتناقض مع مبادئ وقيم شهر رمضان المعظم، الذي هو في الواقع كما أراده رب العالمين، شهر عمل واجتهاد، وعلى كل فرد من الأمة فيه أن يتفوق في العمل، ويجتهد أكثر من بقية الشهور الأخرى». ويتابع: «كثرت ظاهرة المسلسلات.. نزيف من المسلسلات الليلية يستمر إلى ساعات الفجر الأولى. ومن يتابع هذه المسلسلات يصعب عليه القيام بواجباته الدينية والدنيوية، بالإضافة إلى الإسراف في الأكل والخروج عن طبيعة رمضان، وهو التقشف في الأكل، إذ إن المغزى هو الشعور بأداء شعيرة، وشعور بجوع الآخرين وآلامهم ممن لا يستطيعون تأمين احتياجاتهم، وهذه الملاحظات التي رأيتها في حياتي في الدول الإسلامية التي عملت فيها». وعن رمضان في الكويت يشير السفير خلف إلى أن الكويت في رمضان تعلي من شأن الشعائر، يقول: «في الكويت يلتزم الناس بشعائرهم الدينية ويؤدون صلاة التراويح، وهناك من يعتكف منهم في العشر الأواخر، ومنهم من يذهب لأداء العمرة في البقاع المقدسة، وهناك من يجتهد أكثر في العشر الأواخر، وهناك من تقل عبادته، وهذا أعتبره نوعا من التقصير في رمضان». يؤكد السفير خلف وجود اختلاف في العادات والتقاليد الرمضانية بين دولة إسلامية وأخرى، كالمغرب الأقصى الذي تؤجل فيه الوجبة الرئيسية في الإفطار إلى ما بعد صلاة التراويح «في تونس كان أول رمضان أصومه في حياتي، ولذلك قصة طويلة عريضة.. دراستي الابتدائية والمتوسطة كانت في تونس، وتعودت على رمضان، ورمضان بالنسبة لي هو رمضان تونس، وعندما ذهبت إلى دول الخليج ودول أخرى أصبح صعبا علي التأقلم». وعن رمضان الصبا يواصل حديثه: «كنت أتمتع في تونس بشهر رمضان مع أصدقائي، كنا نصوم نصف النهار ثم نحاول الاقتداء بالكبار، كما نحاول التمتع بجزء من الليل. وكانت هذه عادات وتقاليد الكثيرين في تونس، ومع تقدم السن أصبح الإنسان يصوم ويتمتع بشعائر رمضان». ومما يذكره السفير خلف من أيام تونس الخوالي «إحياء الليالي الرمضانية بالموشحات الدينية، المعتادة في شمال أفريقيا، والأكلات الشعبية في باب سويقة»، ويذكر خلف الشوربة التونسية، والبريك، سواء بالبيض أو السردين، والتونة وغيرها، ويذكر، الكفتاجي، واللبلابي، والشكشوكة، ولا ينسى الكسكسي. ويذكر الحلوى التونسية مثل البقلاوة، والمخارق، والزلابيا. وعندما انتقل خلف إلى الجزائر للعمل لديها كسفير لبلاده لم يتغير الجو كثيرا، ولكنها ليست تونس. «هناك بعض التقاليد متشابهة بين البلدين، ففي المناطق الحدودية تشابه، مثلا عنابة وسوق هراس أقرب لتونس منها لبقية المناطق الجزائرية». وتعتبر تونس أكثر الدول التي أقام فيها السفير خلف، وامتدت فترة إقامته فيها إلى 14 عاما، حيث كان والده من رجال السلك الدبلوماسي الذين ظلوا في تونس فترة طويلة. ثم ما لبث أن عاد إلى الكويت حيث أنهى الثانوية العامة ثم طار إلى فرنسا ليمضي هناك 5 سنوات، ويلتقي بتونس والجزائر والمغرب عبر جالياتها في باريس، يقول: «اختلطت بالجالية المغاربية، تونس والجزائر والمغرب. وجدت جالية كبيرة سواء من المتجنسين أو المقيمين لكسب المعيشة اليومية». وواصل كلامه قائلا: «كانت تستضيفنا بعض العائلات المهاجرة في رمضان، وأحيانا نقضي الإفطار مع الطلبة، فكان كل شخص يطبخ حسب عادات وتقاليد بلده في إعداد وجبات رمضان، جربنا كل المأكولات حتى الأفريقية منها. في فرنسا كنت من دون الأسرة. وكانت الحياة في البداية صعبة، ولكن تنوع الجنسيات، وتنوع الصداقات عوض ذلك نسبيا البعد عن العائلة». ويمضي قائلا: «في بعض الأحياء الفرنسية يشعر المرء سواء في رمضان أو غيره، كما لو كان في أحياء تونس أو المغرب، وينطبق ذلك على مدن كليون، وغرونوبل، وباريس، ومرسيليا، وغيرها، وأين ذهبت تجد إخوانا من شمال أفريقيا، لقد كانت السنوات الخمس التي قضيتها في باريس استمرارا لحياتي في تونس. وجدت الأجواء نفسها في فرنسا».

عمل السفير خلف في لبنان في أصعب الظروف، لكنه استمتع برمضان بيروت في السلم، يقول: «عملت في أول منصب دبلوماسي في بيروت أثناء الاجتياح الصهيوني سنة 1983، وقضيت في بيروت فترة متقطعة لمدة سنتين بسبب الحرب الأهلية، وكنا نرجع إلى الكويت كلما اشتدت الحرب». وفي لبنان «عشت رمضان ورأيت في بيروت كيف تنصب الخيام وتقام وجبات الإفطار، هناك رونق خاص، وتضامن من نوع فريد، حتى بين المسيحيين والمسلمين، ففي رمضان تجرى زيارات متبادلة بين الطرفين وتبادل الهدايا والأطعمة».

في الجزائر كانت هناك بعض الإضافات، «بالنسبة لي لم يتغير رمضان كثيرا في الجزائر، خصوصا قبل الإفطار، هناك متعة للتسوق وشراء الخبز الرمضاني المصنوع خصيصا لشهر رمضان، وشراء الفواكه والتمور التي تتميز بها السفرة الرمضانية»، وعن متعة التسوق في رمضان يقول: «كنا نقضي نحو ساعتين في التسوق لشراء المستلزمات مثل اللحوم، والخضراوات، والفواكه المجففة، والمكسرات، وغيرها، وهي متعة ما بعدها متعة، وأحيانا يكون الإنسان قد بلغ به الجوع والعطش ما يدفعه لشراء ما هو أكثر من حاجته».

من الطرائف الرمضانية التي يذكرها السفير خلف زيارته إلى المغرب واستضافة السفير المغربي لدى الجزائر له، يقول: «في المغرب يفطرون على الحريرة والتمور والشاي والقهوة، ثم يقصدون المسجد للصلاة وبعدها يتعشون أي بعد التراويح. وقد كنت مدعوا من قبل السفير المغربي في الجزائر، فقدم لنا الحريرة وبعض المأكولات الحلوة فأكثرنا منها. وقد طالت الجلسة وأردنا أن نستأذن بالخروج، فقال لا يا إخواني لم نفطر بعد، فأفطرنا من جديد الساعة التاسعة والنصف، كسكسي بلحم الخروف وأكلات أخرى. فالانتظار عادة في المغرب، وقد وجدت هذه العادة في إندونيسيا». بعد الجزائر عاش السفير خلف رمضان في جنوب شرقي آسيا «اختلفت الأجواء، ومثل ذلك نقلة نوعية في حياتي، فقد بقيت فترة طويلة في مناخ منطقة البحر الأبيض المتوسط، وإذ بي في أجواء أخرى، أجواء استوائية، ومع ذلك لرمضان رونقه هناك. فرمضان لا يختلف عن بقية الشهور في إندونيسيا»، ويضرب مثلا على ذلك: «في إندونيسيا الطرق تكون مزدحمة باستمرار حتى في رمضان، وهي ظاهرة تختلف عما هو سائد في الدول الإسلامية الأخرى حيث تخلو الشوارع من السيارات ومن المترجلين، وتكون حركة السير متوقفة تقريبا، ولكن في جاكرتا التي قضيت فيها 4 سنوات، الأمر مختلف، وغالبا ما تكون الشوارع ساعة الإفطار أكثر ازدحاما»، وعن كيفية إفطار الآلاف في الشارع وأماكن العمل قال: «يكتفون بتمرات ويشربون القليل من الماء الذي يوزع في الشوارع، وينتظر الواحد منهم موعد الوصول إلى البيت لتناول إفطاره كعشاء طبيعي»، وعن أسباب إقدام الناس على هذا الأسلوب، أوضح أن «الموظفين يخرجون من الدوام الرسمي الساعة الخامسة مساء والإفطار في السادسة مساء ولا يستطيعون الوصول إلى البيت قبل التاسعة، فوقتهم يضيع في المرور». وخلاف التمر والقهوة في الخليج، والشوربة والمقليات في الدول المغاربية، «يقبل الناس في الدول الاستوائية على الحلوى والماء البارد والمثلجات لتعويض كميات الصوديوم والأملاح وغيرها التي يفقدها الجسم بعد صوم يوم كامل». قبل مجيئه إلى البوسنة عمل خلف سفيرا لبلاده في المجر، وهو يعيش تجربة جديدة في البوسنة، يقول: «عملت سفيرا لدى المجر، وسوف أجرب رمضان في البوسنة، المجر ليست كالبوسنة، كنا نصوم ونحيي ليالي رمضان في إطار دبلوماسي مصغر، ومع بعض أفراد الجالية». عن توقعاته في البوسنة، أبدى تفاؤلا وترحيبا وارتياحا قائلا: «التحضير لرمضان هنا يبدأ قبل دخوله بوقت مبكر، ورمضان مكرم وعزيز في هذه الديار كما سمعت وقرأت، وقد التقيت رئيس العلماء، ورئيس المشيخة، الدكتور مصطفى تسيريتش الذي له علاقات وطيدة مع الكويت ومع جميع الدول الإسلامية، ومع المنتديات العالمية كدافوس وغيرها».